في ظل ردود الفعل القوية للشعوب الغربية على استمرار دعم حكوماتها لحرب إسرائيل في غزة على الرغم من العدد الكبير للمدنيين القتلى والدمار الواسع، حصلت فكرة فرض الحظر على تصدير الأسلحة والذخائر البريطانية إلى إسرائيل بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي على دعم واسع من خبراء الأمم المتحدة، والأكاديميين، ومنظمات حقوق الإنسان.
فبعد حوالي عشرة أشهر من بدء الحرب، تبقى بلجيكا وإسبانيا الدولتين الوحيدتين في الغرب اللتين فرضتا حظرًا شاملًا على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. أما الدول الأخرى، مثل كندا، التي تعهدت حكومتها بوقف الصادرات، فإن الشركات في أراضيها لا تزال مستعدة لتوريد ذخائر بقيمة تتجاوز 60 مليون دولار. وفي إيطاليا، على الرغم من إعلان وزير خارجيتها أنطونيو تاجاني حظر العقود منذ أكتوبر 2023، تُظهر بيانات المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء أن إيطاليا صدرت ذخائر بقيمة 1.3 مليون يورو في ديسمبر 2023 فقط. وفي المملكة المتحدة، وبعد ضغوط محلية كبيرة، قررت الحكومة البريطانية في سبتمبر 2024 تعليق تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مع اعتراف ديفيد لامي وزير الخارجية، بوجود خطر واضح من استخدام الأسلحة البريطانية في انتهاك القانون الدولي ضد المدنيين الفلسطينيين.
وبهذا الصدد، أشارت لوسي فيشر وأندرو إنجلاند وجيمس شوتر من صحيفة فاينانشال تايمز، إلى أنه بالرغم من أن القرار جعل بريطانيا أول حليف غربي رئيسي يعلق جزئيًا مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، إلا أن النطاق المحدود للتراخيص المعلقة والذي يشمل فقط 30 من أصل 350 ترخيصًا أثار انتقادات أيضًا. كما اتجه الغضب نحو ما أطلق عليه باتريك وينتور من صحيفة الغارديان، ثغرة كبيرة؛ ولهذه الأسباب مجتمعة فإن التأثير الملموس لتعليق بريطانيا لبعض التراخيص على استمرار إسرائيل في تدميرها من المتوقع أن يكون ضئيلًا.
فعلى الرغم من تجديد بريطانيا لتمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا وعدم اعتراضها على تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم الموجهة ضد المسؤولين الإسرائيليين، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها حكومة السير كير ستارمر تبقى محدودة، ومن غير المرجح أن تسهم بشكل كبير في الضغط لإنهاء الحرب، أو دفع الدول الغربية الأخرى لاتخاذ خطوات أكثر فعالية لوقف انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
وتؤكد التقارير الغربية أن الصادرات العسكرية البريطانية إلى إسرائيل ضئيلة مقارنةً بالصادرات الأمريكية والأوروبية الأخرى. فبينما تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية بقيمة 3.8 مليارات دولار سنويًا، تمثل صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل 0.02% فقط من إجمالي واردات إسرائيل، والتي تتجاوز 576 مليون دولار منذ 2008. وبجانب أجزاء الطائرات المقاتلة والدبابات والصواريخ والتكنولوجيا السيبرانية، تزوّد بريطانيا إسرائيل أيضًا بـبنادق هجومية وأجهزة متفجرة.
ومع تزايد الضغوط على حكومة ريشي سوناك ثم حكومة السير كير ستارمر على مدى الأشهر العشرة الماضية، وخاصة بعد تأكيد الأدلة على جرائم الحرب الإسرائيلية، بما في ذلك مقتل ثلاثة عمال إغاثة بريطانيين في غزة، وجه أكثر من 600 محامٍ في أبريل 2024 رسالة إلى سوناك، مطالبين بوقف بيع الأسلحة، كما طالب مسؤولون بريطانيون في وزارة الأعمال والتجارة بوقف الصادرات فورًا لتجنب التورط في الجرائم المرتكبة؛ فبدأت وزارة الخارجية البريطانية على أثر ذلك تحقيقًا في جرائم الحرب الإسرائيلية؛ حيث إنه عندما طلب لامي تقييم الأدلة بشأن انتهاك القانون الدولي من قبل إسرائيل، توصل وزراء حزب العمال إلى استنتاجات مختلفة عن سابقيهم بخصوص تعليق تراخيص الأسلحة.
ومن ثم، قررت الحكومة البريطانية إبقاء 30 ترخيصًا قيد المراجعة وتقييم أي طلبات جديدة على أساس كل حالة على حدة. وأوضحت جينيفر حسن من واشنطن بوست، أن الأسلحة الممنوعة الآن من التصدير تشمل عناصر يُعتقد أنها تُستخدم في الاستهداف الأرضي، مثل مكونات للطائرات العسكرية، والمروحيات، والطائرات المسيرة.
حظي قرار تعليق أقل من 10% من إجمالي الصادرات العسكرية البريطانية إلى إسرائيل بانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان. فقد انتقدت هيومن رايتس ووتش هذا القرار، مشيرة إلى أنه تأخر كثيرًا ولم يكن كافيًا، بينما أكدت هانا بوند الرئيس التنفيذي المشارك لمؤسسة أكشن إيد البريطانية، أن بريطانيا ستظل متهمة بالتواطؤ في ارتكاب مزيد من الفظائع والانتهاكات الإسرائيلية ما لم توقف جميع تراخيص الأسلحة الجديدة والقائمة.
كما انتقدت منظمة العفو الدولية هذه الخطوة، موضحة أن تعليق الصادرات شابه ثغرات كبيرة، حيث ستظل بعض المعدات مثل طائرات التدريب، والمعدات البحرية، والمواد الكيميائية، وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية غير متأثرة بهذا التعليق. علاوة على ذلك، أشار فيشر وإنجلاند وشوتر إلى أن هذه التدابير لن تشمل مكونات برنامج الطائرات المقاتلة من طراز إف-35، وهو ما تبرره الحكومة البريطانية بأن تعليق مكونات حيوية من قطع الغيار قد يضر بصيانة وعمليات تلك الطائرات في دول أخرى.. وقد وصفت هيومن رايتس ووتش تلك الطائرة بأنها العمود الفقري للحملة الوحشية الإسرائيلية ضد غزة، واعتبرت استثناءها من التعليق -على يد حكومة ستارمر- إما سوء فهم للقانون الإنساني وإما تجاهلًا متعمدًا. وشارك في هذا الرأي عضو البرلمان عن حزب الخضر البريطاني إيلي تشاونز، الذي أكد أنه لا يوجد مبرر لاستمرار الحكومة البريطانية في إصدار تراخيص لقطع غيار طائرات إف-35 التي تستخدمها إسرائيل.
وعند التمعن في تصرفات الحكومة البريطانية واستجابتها للتحقيقات في جرائم الحرب الإسرائيلية ورد ستارمر ولامي في هذا الصدد، يتضح وجود تناقض بين الأقوال والأفعال. ويجب أن نتساءل لماذا؟ فعندما أقر لامي بأنه غير قادر على تقييد بعض صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل، لم نفكر جديًا بأن هناك خطرا واضحا من إمكانية استخدامها لارتكاب أو تسهيل انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي، لاسيما وأن حكومة حزب العمال لم تفرض حظرًا على جميع الأسلحة والذخيرة الهجومية التي من المعروف أن إسرائيل استخدمتها ضد المدنيين الفلسطينيين.
بالعكس، أظهرت الحكومة البريطانية تقاعسًا في إدانة الانتهاكات الإسرائيلية. كما أكد لامي الواجب القانوني لبريطانيا في التحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية، لكنه في الوقت ذاته أشار أنه ليس من حقها الحكم بشأن ما إذا كانت قد انتهكت القانون الإنساني الدولي أم لا. وقد أفادت وزارة الخارجية البريطانية -وفقا لما أكده فيشر، إنجلاند، وشوتر- بأن التحقيقات وجدت نقصًا في الأدلة الكافية.
وقد أشار كريس ماسون محرر الشؤون السياسية بشبكة بي بي سي، إلى أن كبار الشخصيات في الحكومة البريطانية يحاولون تحسين أفعالهم بكلماتهم من خلال الإصرار على تعليق 30 ترخيصًا للأسلحة. كما سلط وينتور الضوء على الدوافع السياسية وراء مثل هذا القرار؛ حيث كتب أن تصريحات لامي المدروسة بعناية بشأن تعليق بعض صادرات الأسلحة قد تكون محاولة لمساعدة حزبه في التغلب على ما قد يكون تمردًا مشحونًا للغاية في المؤتمر السنوي لحزب العمال في سبتمبر. وقد لاحظ نائب وزير الخارجية السابق أندرو ميتشل أن هذا القرار يبدو وكأنه شيء مصمم لإرضاء المقاعد الخلفية لحزب العمال وفي الوقت نفسه لا يسيء إلى إسرائيل.
ووفقًا لتحليل آرون ديفيد ميلر بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، يبدو أن ستارمر كان يسعى إلى توضيح موقفه للحفاظ على التماسك داخل حزب العمال دون إحداث تغييرات كبيرة في علاقات المملكة المتحدة مع إسرائيل. بينما رأى بعض المراسلين مثل لمارك لاندلر من صحيفة نيويورك تايمز، أن هذا القرار يمثل تصعيدًا كبيرًا في الضغط البريطاني على إسرائيل للحد من الوفيات بين المدنيين في غزة. لكن الواقع يظهر أن جهود لامي لا ترتقي إلى حظر شامل أو حظر على الأسلحة، وأنه لا يزال يدعم إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا وعسكريًا، وأن تلك التصرفات تظل غير كافية لتغيير الوضع بشكل ملموس.
علاوة على ذلك، في حين زعمت وزارة الخارجية البريطانية أن قرار المملكة المتحدة سيوجه ضربة دبلوماسية كبيرة لإسرائيل، إلا أنه من غير المحتمل أن يشجع هذا الإجراء المحدود أي دولة أوروبية أو غربية أخرى على فرض حظر خاص بها على صادرات الأسلحة، وعلى وجه الخصوص البيت الأبيض، الذي أوقف في عهد جو بايدن شحنة من الذخيرة في مايو عندما كانت إسرائيل على وشك مهاجمة رفح، ومن ثم بحلول يوليو استأنف نقل القنابل التي يبلغ وزنها 500 رطل، والتي كانت ستستخدم ضد المدنيين في غزة. وفي أغسطس، وافق بايدن على صادرات أسلحة جديدة بقيمة 20 مليار دولار إلى إسرائيل على مدار عدة سنوات، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز إف-15، وذخيرة دبابات 120 ملم، وصواريخ مضادة للطائرات، ومدافع هاون شديدة الانفجار.
على العموم، فإن النهج المتخذ من حكومة حزب العمال بقيادة السير كير ستارمر لا يعكس سوى عدم فعالية تعليق 30 رخصة تصدير في إنهاء الحرب في غزة. ورغم كل التصريحات التي تعبر عن الأسف العميق من قبل لامي وزملائه، فإن ردود فعل نتنياهو وأعضاء آخرين في الحكومة الإسرائيلية من خلال شجب قرارهم المخزي تثير تساؤلات حول لماذا تواصل الحكومة البريطانية وحلفاؤها جهودهم لمناشدة الحكومة والجيش الذين يعلمون أنهم ينتهكون بوضوح القانون الدولي؟ وإذا كانت الحكومات البريطانية والأمريكية والفرنسية والألمانية والإيطالية وغيرها مهتمة فعلًا بدعم سيادة القانون فيما يتعلق بالعنف ضد المدنيين؟ إلا أن هذه الإدارات تفتقر ببساطة إلى الشجاعة السياسية والأخلاقية لاتخاذ مثل هذه الإجراءات الصارمة؛ مما يجعلها متواطئة في المعاناة الهائلة التي تواصل إسرائيل إلحاقها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك