العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

وقف بريطانيا تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.. تأثير محدود وعواقب ضئيلة

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ٠٦ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬ظل‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬القوية‭ ‬للشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬دعم‭ ‬حكوماتها‭ ‬لحرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬للمدنيين‭ ‬القتلى‭ ‬والدمار‭ ‬الواسع،‭ ‬حصلت‭ ‬فكرة‭ ‬فرض‭ ‬الحظر‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬الأسلحة‭ ‬والذخائر‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬بسبب‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬خبراء‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬والأكاديميين،‭ ‬ومنظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

فبعد‭ ‬حوالي‭ ‬عشرة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬الحرب،‭ ‬تبقى‭ ‬بلجيكا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬الدولتين‭ ‬الوحيدتين‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬اللتين‭ ‬فرضتا‭ ‬حظرًا‭ ‬شاملًا‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭. ‬أما‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬كندا،‭ ‬التي‭ ‬تعهدت‭ ‬حكومتها‭ ‬بوقف‭ ‬الصادرات،‭ ‬فإن‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬أراضيها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستعدة‭ ‬لتوريد‭ ‬ذخائر‭ ‬بقيمة‭ ‬تتجاوز‭ ‬60‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭. ‬وفي‭ ‬إيطاليا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إعلان‭ ‬وزير‭ ‬خارجيتها‭ ‬أنطونيو‭ ‬تاجاني‭ ‬حظر‭ ‬العقود‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬تُظهر‭ ‬بيانات‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬الإيطالي‭ ‬للإحصاء‭ ‬أن‭ ‬إيطاليا‭ ‬صدرت‭ ‬ذخائر‭ ‬بقيمة‭ ‬1.3‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭ ‬فقط‭. ‬وفي‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬وبعد‭ ‬ضغوط‭ ‬محلية‭ ‬كبيرة،‭ ‬قررت‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‭ ‬تعليق‭ ‬تراخيص‭ ‬تصدير‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مع‭ ‬اعتراف‭ ‬ديفيد‭ ‬لامي‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية،‭ ‬بوجود‭ ‬خطر‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬

وبهذا‭ ‬الصدد،‭ ‬أشارت‭ ‬لوسي‭ ‬فيشر‭ ‬وأندرو‭ ‬إنجلاند‭ ‬وجيمس‭ ‬شوتر‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬فاينانشال‭ ‬تايمز،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬جعل‭ ‬بريطانيا‭ ‬أول‭ ‬حليف‭ ‬غربي‭ ‬رئيسي‭ ‬يعلق‭ ‬جزئيًا‭ ‬مبيعات‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬النطاق‭ ‬المحدود‭ ‬للتراخيص‭ ‬المعلقة‭ ‬والذي‭ ‬يشمل‭ ‬فقط‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬350‭ ‬ترخيصًا‭ ‬أثار‭ ‬انتقادات‭ ‬أيضًا‭. ‬كما‭ ‬اتجه‭ ‬الغضب‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬باتريك‭ ‬وينتور‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬الغارديان،‭ ‬ثغرة‭ ‬كبيرة؛‭ ‬ولهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬مجتمعة‭ ‬فإن‭ ‬التأثير‭ ‬الملموس‭ ‬لتعليق‭ ‬بريطانيا‭ ‬لبعض‭ ‬التراخيص‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تدميرها‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ضئيلًا‭.‬

فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تجديد‭ ‬بريطانيا‭ ‬لتمويل‭ ‬وكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإغاثة‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الأونروا‭ ‬وعدم‭ ‬اعتراضها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬الموجهة‭ ‬ضد‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬حكومة‭ ‬السير‭ ‬كير‭ ‬ستارمر‭ ‬تبقى‭ ‬محدودة،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب،‭ ‬أو‭ ‬دفع‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الأخرى‭ ‬لاتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭ ‬لوقف‭ ‬انتهاكات‭ ‬إسرائيل‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

وتؤكد‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬أن‭ ‬الصادرات‭ ‬العسكرية‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضئيلة‭ ‬مقارنةً‭ ‬بالصادرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬الأخرى‭. ‬فبينما‭ ‬تقدم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬مساعدات‭ ‬عسكرية‭ ‬بقيمة‭ ‬3.8‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا،‭ ‬تمثل‭ ‬صادرات‭ ‬الأسلحة‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬0‭.‬02%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬واردات‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والتي‭ ‬تتجاوز‭ ‬576‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬منذ‭ ‬2008‭. ‬وبجانب‭ ‬أجزاء‭ ‬الطائرات‭ ‬المقاتلة‭ ‬والدبابات‭ ‬والصواريخ‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬السيبرانية،‭ ‬تزوّد‭ ‬بريطانيا‭ ‬إسرائيل‭ ‬أيضًا‭ ‬بـبنادق‭ ‬هجومية‭ ‬وأجهزة‭ ‬متفجرة‭.‬

ومع‭ ‬تزايد‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬ريشي‭ ‬سوناك‭ ‬ثم‭ ‬حكومة‭ ‬السير‭ ‬كير‭ ‬ستارمر‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأشهر‭ ‬العشرة‭ ‬الماضية،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬تأكيد‭ ‬الأدلة‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مقتل‭ ‬ثلاثة‭ ‬عمال‭ ‬إغاثة‭ ‬بريطانيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وجه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬600‭ ‬محامٍ‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2024‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬سوناك،‭ ‬مطالبين‭ ‬بوقف‭ ‬بيع‭ ‬الأسلحة،‭ ‬كما‭ ‬طالب‭ ‬مسؤولون‭ ‬بريطانيون‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الأعمال‭ ‬والتجارة‭ ‬بوقف‭ ‬الصادرات‭ ‬فورًا‭ ‬لتجنب‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬المرتكبة؛‭ ‬فبدأت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬ذلك‭ ‬تحقيقًا‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية؛‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬عندما‭ ‬طلب‭ ‬لامي‭ ‬تقييم‭ ‬الأدلة‭ ‬بشأن‭ ‬انتهاك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل،‭ ‬توصل‭ ‬وزراء‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬إلى‭ ‬استنتاجات‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬سابقيهم‭ ‬بخصوص‭ ‬تعليق‭ ‬تراخيص‭ ‬الأسلحة‭.‬

ومن‭ ‬ثم،‭ ‬قررت‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬إبقاء‭ ‬30‭ ‬ترخيصًا‭ ‬قيد‭ ‬المراجعة‭ ‬وتقييم‭ ‬أي‭ ‬طلبات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬كل‭ ‬حالة‭ ‬على‭ ‬حدة‭. ‬وأوضحت‭ ‬جينيفر‭ ‬حسن‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬بوست،‭ ‬أن‭ ‬الأسلحة‭ ‬الممنوعة‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬التصدير‭ ‬تشمل‭ ‬عناصر‭  ‬يُعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تُستخدم‭ ‬في‭ ‬الاستهداف‭ ‬الأرضي،‭ ‬مثل‭ ‬مكونات‭ ‬للطائرات‭ ‬العسكرية،‭ ‬والمروحيات،‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيرة‭.‬

حظي‭ ‬قرار‭ ‬تعليق‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬10%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الصادرات‭ ‬العسكرية‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬بانتقادات‭ ‬حادة‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬فقد‭ ‬انتقدت‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭ ‬هذا‭ ‬القرار،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬تأخر‭ ‬كثيرًا‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬كافيًا،‭ ‬بينما‭ ‬أكدت‭ ‬هانا‭ ‬بوند‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬المشارك‭ ‬لمؤسسة‭ ‬أكشن‭ ‬إيد‭ ‬البريطانية،‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا‭ ‬ستظل‭ ‬متهمة‭ ‬بالتواطؤ‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الفظائع‭ ‬والانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬توقف‭ ‬جميع‭ ‬تراخيص‭ ‬الأسلحة‭ ‬الجديدة‭ ‬والقائمة‭.‬

كما‭ ‬انتقدت‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة،‭ ‬موضحة‭ ‬أن‭ ‬تعليق‭ ‬الصادرات‭ ‬شابه‭ ‬ثغرات‭ ‬كبيرة،‭ ‬حيث‭ ‬ستظل‭ ‬بعض‭ ‬المعدات‭ ‬مثل‭ ‬طائرات‭ ‬التدريب،‭ ‬والمعدات‭ ‬البحرية،‭ ‬والمواد‭ ‬الكيميائية،‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاتصالات‭ ‬السلكية‭ ‬واللاسلكية‭ ‬غير‭ ‬متأثرة‭ ‬بهذا‭ ‬التعليق‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أشار‭ ‬فيشر‭ ‬وإنجلاند‭ ‬وشوتر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التدابير‭ ‬لن‭ ‬تشمل‭ ‬مكونات‭ ‬برنامج‭ ‬الطائرات‭ ‬المقاتلة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬إف‭-‬35،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تبرره‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬بأن‭ ‬تعليق‭ ‬مكونات‭ ‬حيوية‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬الغيار‭ ‬قد‭ ‬يضر‭ ‬بصيانة‭ ‬وعمليات‭ ‬تلك‭ ‬الطائرات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭.. ‬وقد‭ ‬وصفت‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭ ‬تلك‭ ‬الطائرة‭ ‬بأنها‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للحملة‭ ‬الوحشية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬غزة،‭ ‬واعتبرت‭ ‬استثناءها‭ ‬من‭ ‬التعليق‭ -‬على‭ ‬يد‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر‭- ‬إما‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭ ‬للقانون‭ ‬الإنساني‭ ‬وإما‭ ‬تجاهلًا‭ ‬متعمدًا‭. ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬عضو‭ ‬البرلمان‭ ‬عن‭ ‬حزب‭ ‬الخضر‭ ‬البريطاني‭ ‬إيلي‭ ‬تشاونز،‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مبرر‭ ‬لاستمرار‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬تراخيص‭ ‬لقطع‭ ‬غيار‭ ‬طائرات‭ ‬إف‭-‬35‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬إسرائيل‭.‬

وعند‭ ‬التمعن‭ ‬في‭ ‬تصرفات‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬واستجابتها‭ ‬للتحقيقات‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ورد‭ ‬ستارمر‭ ‬ولامي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬يتضح‭ ‬وجود‭ ‬تناقض‭ ‬بين‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭ ‬لماذا؟‭ ‬فعندما‭ ‬أقر‭ ‬لامي‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تقييد‭ ‬بعض‭ ‬صادرات‭ ‬الأسلحة‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لم‭ ‬نفكر‭ ‬جديًا‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬خطرا‭ ‬واضحا‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬استخدامها‭ ‬لارتكاب‭ ‬أو‭ ‬تسهيل‭ ‬انتهاك‭ ‬خطير‭ ‬للقانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي،‭ ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬حكومة‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬لم‭ ‬تفرض‭ ‬حظرًا‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأسلحة‭ ‬والذخيرة‭ ‬الهجومية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬استخدمتها‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

بالعكس،‭ ‬أظهرت‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬تقاعسًا‭ ‬في‭ ‬إدانة‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬لامي‭ ‬الواجب‭ ‬القانوني‭ ‬لبريطانيا‭ ‬في‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬أشار‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬الحكم‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬انتهكت‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬وقد‭ ‬أفادت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية‭ -‬وفقا‭ ‬لما‭ ‬أكده‭ ‬فيشر،‭ ‬إنجلاند،‭ ‬وشوتر‭- ‬بأن‭ ‬التحقيقات‭ ‬وجدت‭ ‬نقصًا‭ ‬في‭ ‬الأدلة‭ ‬الكافية‭.‬

وقد‭ ‬أشار‭ ‬كريس‭ ‬ماسون‭ ‬محرر‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية‭ ‬بشبكة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كبار‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬يحاولون‭ ‬تحسين‭ ‬أفعالهم‭ ‬بكلماتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬تعليق‭ ‬30‭ ‬ترخيصًا‭ ‬للأسلحة‭. ‬كما‭ ‬سلط‭ ‬وينتور‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الدوافع‭ ‬السياسية‭ ‬وراء‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القرار؛‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬أن‭ ‬تصريحات‭ ‬لامي‭ ‬المدروسة‭ ‬بعناية‭ ‬بشأن‭ ‬تعليق‭ ‬بعض‭ ‬صادرات‭ ‬الأسلحة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬محاولة‭ ‬لمساعدة‭ ‬حزبه‭ ‬في‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬تمردًا‭ ‬مشحونًا‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬السنوي‭ ‬لحزب‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭. ‬وقد‭ ‬لاحظ‭ ‬نائب‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السابق‭ ‬أندرو‭ ‬ميتشل‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬شيء‭ ‬مصمم‭ ‬لإرضاء‭ ‬المقاعد‭ ‬الخلفية‭ ‬لحزب‭ ‬العمال‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬يسيء‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.‬

ووفقًا‭ ‬لتحليل‭ ‬آرون‭ ‬ديفيد‭ ‬ميلر‭ ‬بمؤسسة‭ ‬كارنيجي‭ ‬للسلام‭ ‬الدولي،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬ستارمر‭ ‬كان‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬توضيح‭ ‬موقفه‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التماسك‭ ‬داخل‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬دون‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭. ‬بينما‭ ‬رأى‭ ‬بعض‭ ‬المراسلين‭ ‬مثل‭ ‬لمارك‭ ‬لاندلر‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬يمثل‭ ‬تصعيدًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬البريطاني‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الوفيات‭ ‬بين‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬جهود‭ ‬لامي‭ ‬لا‭ ‬ترتقي‭ ‬إلى‭ ‬حظر‭ ‬شامل‭ ‬أو‭ ‬حظر‭ ‬على‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يدعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬سياسيًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬ودبلوماسيًا‭ ‬وعسكريًا،‭ ‬وأن‭ ‬تلك‭ ‬التصرفات‭ ‬تظل‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬لتغيير‭ ‬الوضع‭ ‬بشكل‭ ‬ملموس‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬زعمت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬سيوجه‭ ‬ضربة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬كبيرة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يشجع‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬المحدود‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أوروبية‭ ‬أو‭ ‬غربية‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬خاص‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬صادرات‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬الذي‭ ‬أوقف‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬شحنة‭ ‬من‭ ‬الذخيرة‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬مهاجمة‭ ‬رفح،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بحلول‭ ‬يوليو‭ ‬استأنف‭ ‬نقل‭ ‬القنابل‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬وزنها‭ ‬500‭ ‬رطل،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬ستستخدم‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وفي‭ ‬أغسطس،‭ ‬وافق‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬صادرات‭ ‬أسلحة‭ ‬جديدة‭ ‬بقيمة‭ ‬20‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬طائرات‭ ‬مقاتلة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬إف‭-‬15،‭ ‬وذخيرة‭ ‬دبابات‭ ‬120‭ ‬ملم،‭ ‬وصواريخ‭ ‬مضادة‭ ‬للطائرات،‭ ‬ومدافع‭ ‬هاون‭ ‬شديدة‭ ‬الانفجار‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬فإن‭ ‬النهج‭ ‬المتخذ‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬بقيادة‭ ‬السير‭ ‬كير‭ ‬ستارمر‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬سوى‭ ‬عدم‭ ‬فعالية‭ ‬تعليق‭ ‬30‭ ‬رخصة‭ ‬تصدير‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الأسف‭ ‬العميق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لامي‭ ‬وزملائه،‭ ‬فإن‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬نتنياهو‭ ‬وأعضاء‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شجب‭ ‬قرارهم‭ ‬المخزي‭ ‬تثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬لماذا‭ ‬تواصل‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬جهودهم‭ ‬لمناشدة‭ ‬الحكومة‭ ‬والجيش‭ ‬الذين‭ ‬يعلمون‭ ‬أنهم‭ ‬ينتهكون‭ ‬بوضوح‭ ‬القانون‭ ‬الدولي؟‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الحكومات‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية‭ ‬والفرنسية‭ ‬والألمانية‭ ‬والإيطالية‭ ‬وغيرها‭ ‬مهتمة‭ ‬فعلًا‭ ‬بدعم‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعنف‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين؟‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإدارات‭ ‬تفتقر‭ ‬ببساطة‭ ‬إلى‭ ‬الشجاعة‭ ‬السياسية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬الصارمة؛‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬متواطئة‭ ‬في‭ ‬المعاناة‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تواصل‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلحاقها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا