العدد : ١٧٠٥٦ - الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٦ - الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن حبيبتي أحدثكم

رغم‭ ‬نزعاتها‭ ‬الديكتاتورية،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬حرماني‭ ‬من‭ ‬مشاهدة‭ ‬أي‭ ‬برنامج‭ ‬تلفزيوني‭ ‬تقدمه‭ ‬الكاسيات‭ ‬العاريات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬زوجتي‭ ‬تعلم‭ ‬أنني‭ ‬أحب‭ ‬السيدة‭ ‬بريدجيت‭ ‬موت،‭ (‬لماذا‭ ‬كلما‭ ‬أرد‭ ‬بعضنا‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬أمر‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬قلنا‭ ‬‮«‬أحب‭ ‬كذا‭ ‬موت»؟‭ ‬والشوام‭ ‬إذا‭ ‬أرادوا‭ ‬ان‭ ‬يتدللوا‭ ‬ويتدلعوا‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬شيء‭ ‬صاحوا‭: ‬تؤبرني‭/ ‬تقبرني،‭ ‬أي‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬موتي‭ ‬وتضعني‭ ‬في‭ ‬القبر‭!! ‬م‭ ‬هذا‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬وأنتم‭ ‬تعرفون‭ ‬ان‭ ‬الموت‭ ‬هو‭ ‬هادم‭ ‬اللذات‭ ‬ومفرق‭ ‬الجماعات‭ ‬والأحباب؟‭) ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭ ‬غير‭ ‬غاضبة‭ ‬مني‭ ‬بدليل‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬ترفع‭ ‬علي‭ ‬دعوى‭ ‬خلع‭ ‬أو‭ ‬تحرمني‭ ‬من‭ ‬‮«‬المصروف‮»‬،‭ ‬وبريدجيت‭ ‬هذه‭ ‬كانت‭ ‬ممرضة‭ ‬في‭ ‬بلفاست‭ ‬بإيرلندا‭ ‬الشمالية،‭ ‬عندما‭ ‬التقت‭ ‬بتوماس‭ ‬إرفين،‭ ‬وتزوجا‭ ‬وانتقلا‭ ‬إلى‭ ‬مقاطعة‭ ‬ساري،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬مانشستر‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‭ ‬حيث‭ ‬طاب‭ ‬لهما‭ ‬المقام‭ ‬ورزقا‭ ‬بصبي‭ ‬أطلقا‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬كولن،‭ ‬وبعد‭ ‬زواجهما‭ ‬بثمانية‭ ‬أعوام‭ ‬أصيب‭ ‬توماس‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬سيارة،‭ ‬وقال‭ ‬الأطباء‭ ‬إن‭ ‬احتمالات‭ ‬نجاته‭ ‬ضئيلة‭ ‬للغاية‭ ‬بسبب‭ ‬خطورة‭ ‬الإصابة‭ ‬في‭ ‬الرأس‭ ‬والدماغ،‭ ‬ولأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عظام‭ ‬جسمه‭ ‬تدشدشت‭ (‬كلمة‭ ‬غير‭ ‬فصيحة‭ ‬بل‭ ‬وغير‭ ‬دارجة‭ ‬ولكنها‭ ‬معبرة‭ ‬في‭ ‬تقديري،‭ ‬لأن‭ ‬معناها‭ ‬في‭ ‬لفظها‭)‬،‭ ‬وطوال‭ ‬أربعين‭ ‬سنة،‭ ‬ظل‭ ‬توماس‭ ‬يتنقل‭ ‬من‭ ‬مستشفى‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬الرابعة‭ ‬والسبعين،‭ ‬بينما‭ ‬بلغت‭ ‬حرمه‭ ‬بريدجيت‭ ‬الواحدة‭ ‬والسبعين،‭ ‬وطوال‭ ‬أربعين‭ ‬سنة،‭ ‬مضروبة‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬شهراً،‭ ‬مضروبة‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬يوماً‭ ‬مضروبة‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬ظلت‭ ‬بريدجيت‭ ‬تلازم‭ ‬زوجها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يصحو‭ ‬من‭ ‬غيبوبته‭ ‬إلا‭ ‬مرة‭ ‬كل‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬ليسألها‭: ‬من‭ ‬أنت؟‭ ‬وطوال‭ ‬40‭ ‬سنة‭ ‬وبريدجيت‭ ‬تجلس‭ ‬قرب‭ ‬زوجها‭ ‬وتتونس‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭: ‬تحكي‭ ‬له‭ ‬أحداث‭ ‬اليوم‭ ‬وتبثه‭ ‬همومها،‭ ‬وتخبره‭ ‬بنتائج‭ ‬مباريات‭ ‬القدم‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وهي‭ ‬تعرف‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يسمعها‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬يسمعها‭ ‬ولكنه‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬التفاعل‭ ‬معها،‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬كل‭ ‬عالمها‭ ‬ومحور‭ ‬حياتها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬زوجها‭ ‬نصف‭ ‬الميت‭ ‬توماس،‭ ‬وولدها‭ ‬كولن‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬الآن‭ ‬42‭ ‬سنة‭ ‬ولديه‭ ‬بنت‭ ‬ترى‭ ‬جدها‭ ‬توماس‭ ‬ولا‭ ‬يراها،‭ ‬وتبرر‭ ‬بريدجيت‭ ‬اهتمامها‭ ‬الشديد‭ ‬بزوجها،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬غيرها‭ ‬كان‭ ‬سيكتفي‭ ‬بزيارة‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬حالته‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬مرة‭ ‬أو‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬بأنها‭ ‬متأكدة‭ ‬أن‭ ‬توماس‭ ‬كان‭ ‬سيفعل‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬المريضة‭ ‬أو‭ ‬المعاقة‭!!‬

وددت‭ ‬لو‭ ‬التقيت‭ ‬بهذه‭ ‬السيدة‭ ‬النبيلة‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬لأهتف‭: ‬كيف‭ ‬حالك‭ ‬حبيبتي‭ ‬بريدجيت،‭ ‬ولأتولى‭ ‬شراء‭ ‬مستلزمات‭ ‬بيتها‭ ‬نيابة‭ ‬عنها‭ ‬حتى‭ ‬تجد‭ ‬وقتاً‭ ‬أطول‭ ‬لتجلس‭ ‬قرب‭ ‬توماس‭! ‬وقرأت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬أمريكي‭ ‬كانت‭ ‬إصابته‭ ‬خطيرة،‭ ‬وكان‭ ‬ولده‭ ‬مهتماً‭ ‬به،‭ ‬وظل‭ ‬هو‭ ‬وخطيبته‭ ‬يتبادلان‭ ‬السهر‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬تماثل‭ ‬للشفاء‭ ‬ثم‭ ‬غادر‭ ‬المستشفى،‭ ‬ثم‭ ‬اختفى‭ ‬الأب‭ ‬واختفت‭ ‬معه‭ ‬خطيبة‭ ‬ابنه،‭ ‬لأنهما‭ ‬قررا‭ ‬الزواج‭! ‬وقرأت‭ ‬عن‭ ‬الزوج‭ ‬العربي‭ ‬الشهم‭ ‬الذي‭ ‬أصيب‭ ‬بفشل‭ ‬كلوي،‭ ‬وشاءت‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬تطابق‭ ‬كلية‭ ‬زوجته‭ ‬المواصفات‭ ‬الطبية‭ ‬المطلوبة،‭ ‬فلم‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬التبرع‭ ‬له‭ ‬بإحدى‭ ‬كليتيها،‭ ‬ونجحت‭ ‬العملية‭ ‬واستأنف‭ ‬الرجل‭ ‬حياته‭ ‬وكافأ‭ ‬تلك‭ ‬الزوجة‭ ‬الوفية‭ ‬بأن‭ ‬تزوج‭ ‬عليها‭ ‬فرفعت‭ ‬دعوى‭ ‬قضائية‭ ‬تطالب‭ ‬فيها‭ ‬باسترداد‭ ‬كليتها‭!!‬

أين‭ ‬نحن‭ ‬رجالاً‭ ‬ونساء‭ ‬من‭ ‬بريدجيت؟‭ ‬الزوج‭ ‬أو‭ ‬الزوجة‭ ‬أحوج‭ ‬ما‭ ‬يكونا‭ ‬للرعاية‭ ‬والحنان‭ ‬وهما‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬حالاتهما‭ ‬الصحية،‭ ‬ولكن‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬زوجة‭ ‬أو‭ ‬زوج‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬البيت‭ ‬وكأنه‭ ‬مجرد‭ ‬محطة‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬صحراوي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تغيير‭ ‬الملابس،‭ ‬واستخدام‭ ‬الحمام‭ ‬وتناول‭ ‬وجبة‭ ‬سريعة‭ ‬للانطلاق‭ ‬مجدداً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭!!  ‬دعك‭ ‬من‭ ‬الأزواج‭: ‬كم‭ ‬منا‭ ‬ألقوا‭ ‬بآبائهم‭ ‬وأمهاتهم‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬ودور‭ ‬الرعاية‭ ‬ثم‭ ‬نسوا‭ ‬أمرهم؟‭ ‬وقبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬توفيت‭ ‬سيدة‭ ‬عربية‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬شقية‭ (‬وإن‭ ‬شئت‭ ‬قل‭ ‬شقيقة‭)‬،‭ ‬وبكاها‭ ‬أولادها،‭ ‬وطلب‭ ‬أحدهم‭ ‬أن‭ ‬يختلي‭ ‬بالجثمان‭ ‬ليبكيها‭ ‬بمفرده،‭ ‬وقام‭ ‬بوضع‭ ‬بصمات‭ ‬أصابعها‭ ‬في‭ ‬مستندات‭ ‬جهزها‭ ‬ليؤكد‭ ‬أنها‭ ‬تركت‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬ثروتها‭.  ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يستعد‭ ‬ليوم‭ ‬موتها‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أحس‭ ‬بأنها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬الموت‭! ‬وتطلب‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬جريمته‭ ‬نبش‭ ‬جثمانها‭ ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬دفنه‭!! ‬ألست‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬عندما‭ ‬أجاهر‭ ‬بحبي‭ ‬لبريدجيت؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا