يتردد الآن بين الجالية العربية والإسلامية الأمريكية المقولة التالية «إذا عُرض على الناخبين الأمريكيين العرب والأمريكيين المسلمين أن يختاروا بين مرشحيْن؛ أحدهما سيمنع أقاربهم وجيرانهم وأصدقاءهم من القدوم إلى الولايات المتحدة، أو آخر أظهر لامبالاة بقتلهم ولا يزال يدعم شن إسرائيل إبادة جماعية على أهاليهم، فمن سيختارون؟».
خلال الانتخابات الأخيرة عام 2020، صوت ما لا يقل عن 30% منهم لصالح ترامب، وذهبت 70% من أصواتهم للمرشح الديمقراطي جو بايدن. ويرجع تصويت ثلث الناخبات والناخبين العرب والمسلمين لترامب بصفته المرشح الجمهوري، بسبب موقف الحزب المحافظ بشأن القضايا الاجتماعية مثل مكانة الدين في المجتمع، وحقوق مجتمع الميم LGBTQ، وقضية حق الإجهاض. جدير بالذكر أن غالبية العرب في الولايات المتحدة مسيحيون، كما أن الغالبية العظمي من المسلمين ليسوا عربا.
قبل حرب غزة، كان للجالية العربية والمسلمة بأمريكا أشياء مشتركة مع الحزب الديمقراطي، وأخري مشتركة مع الحزب الجمهوري. وحتى بدء الحرب الأمريكية على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، صوت أغلب هذه الكتلة الانتخابية لصالح الحزب الجمهوري، وذلك بسبب موقفه من القضايا الاجتماعية المحافظة، إلا أن نمط التصويت تغير بصورة كبيرة عقب غزو أفغانستان والعراق. ورغم التصويت لبايدن، لم يتم تعيين أي من العرب الأمريكيين في أي مناصب مرموقة في إدارته، وذلك على العكس من إدارة ترامب التي عين بها وزيران من أصول عربية هما مارك إسبر (وزير الدفاع السابق، الذي هاجرت عائلته من لبنان) وأليكس عازار (وزير الصحة والخدمات الإنسانية السابق، الذي جاءت عائلته أيضا من لبنان).
تبحث حملة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في كل السبل الممكنة لجذب أصوات الناخبات والناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين لجانبها، يتواصل عدد من كبار مساعدي ومستشاري ترامب بشكل متزايد مع الجالية العربية والمسلمة في محاولة لتأمين أصواتهم في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. كما يقود الملياردير اللبناني الأمريكي، مسعد بولس، صهر ترامب (إذ تزوج ابنه مايكل من تيفاني ابنة ترامب في عام 2022) جهدا جديدا لكسب أصوات لترامب بين الجالية العربية والمسلمة. في حين تراهن حملة هاريس على أن المجتمعات العربية والمسلمة بأمريكا ستنسي تصرفات ومواقف إدارة بايدن -هاريس تجاه غزة، ولن تجرؤ على التصويت لترامب.
يلعب الصوت العربي المسلم دورا كبيرا وقد يكون حاسما في ولايتين متأرجحتين هما ميشيجان التي بها أكثر من ربع مليون ناخبة وناخب مسجل منهم، وولاية جورجيا التي بها 60 ألف ناخبة وناخب مسجل منهم. فاز بايدن بالولايتين عام 2020 بهامش بسيط أقل من عدد الناخبين العرب والمسلمين، وعلى افتراض أن غالبية العرب والمسلمين ممن صوتوا في الولايتين عام 2020 صوتوا لصالح ترامب، فإن هذه الأصوات كانت تكفي لمنح الفوز المريح له.
قبل أيام فشلت محاولات حركة «غير ملتزمين» للدفع بمنح كلمة يلقيها متحدث فلسطيني على المنصة الرئيسية للمؤتمر العام للحزب الديمقراطي، بسبب رفض حملة كامالا هاريس لهذه الخطوة. كشف هذا الموقف أن هاريس ملتزمة بدعم إسرائيل، وغير مكترثة بمعاناة وآلام الشعب الفلسطيني، وخاصة بعدما تحدث أمام المؤتمر والدا أحد المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس.
كما تبنى المؤتمر رسميا برنامجا صارما في دعمه لإسرائيل يعكس بصراحة رؤية إدارة كامالا هاريس للنزاع حال فوزها بالبيت الأبيض، وهو ما لا يختلف على الإطلاق مع موقف إدارة جو بايدن. خلص البرنامج إلى خمس نقاط تعكس سياسة هاريس الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، جاءت كلها محبطة للجانب الفلسطيني، على الرغم من رشاقة لغتها وخبث صياغتها. تشير النقطة الأولى إلى إيمان الحزب الديمقراطي بأن كون إسرائيل قوية وآمنة وديمقراطية هو أمر حيوي لمصالح الولايات المتحدة، والتزام واشنطن بأمن إسرائيل، وتفوقها العسكري النوعي، وحقها في الدفاع عن نفسها.
ثانيا، يدعم الحزب الديمقراطي حل الدولتين عن «طريق التفاوض» بما يضمن مستقبل إسرائيل بصفتها دولة «يهودية وديمقراطية» ذات حدود معترف بها، ويدعم حق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وأمن في دولة قابلة للحياة خاصة بهم. ثالثا، يوافق الحزب الديمقراطي على أن القدس مسألة تخضع لمفاوضات الوضع النهائي، ومع ذلك ينبغي أن تظل عاصمة موحدة لإسرائيل. رابعا، تعهد الحزب الديمقراطي بعودة العلاقات الدبلوماسية الأمريكية الفلسطينية وتقديم المساعدات الحيوية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يتفق مع القانون الأمريكي، وهذه النقطة تحديدا وعد بها بايدن عام 2020 ولم ينفذ منها أي شيء سواء فتح مكتب دبلوماسي فلسطيني في واشنطن، أو إعادة فتح قنصلية الولايات المتحدة في القدس الشرقية. خامسا، معارضة أي جهد لاستهداف إسرائيل ونزع الشرعية عنها بشكل غير عادل، ومن ذلك الجهود في الأمم المتحدة أو من خلال حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات أو فرض العقوبات عليها.
على الجالية العربية والمسلمة بأمريكا معاقبة الحزب الديمقراطي على ما اتخذته إدارة بايدن -هاريس من دعم لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وذلك بالتصويت لصالح ترامب، وعليهم معاقبة هاريس على ما تنوي القيام به حال فوزها في الانتخابات. بعض العرب والمسلمين يرون أنهم سيمتنعون عن التصويت و/أو أنهم سيصوتون لمرشح الحزب الثالث سواء كانت جيل شتاين مرشحة حزب الخضر، أو المرشح المستقل كورنيل ويست، وكلاهما من داعمي الحقوق الفلسطينية، إلا أنني أرى ذلك إهدارا مجانيا للصوت العربي المسلم، بدلا من أن يستغل هذا الصوت لضمان التواجد والتأثير في أحد الحزبين.
الخيار واضح، كلا الحزبين لا يقترب من الآمال العربية والإسلامية، فكلاهما يدعم إسرائيل بشدة بصورة أو بأخرى، إلا أنه، وعلى المدى المتوسط والطويل، يمكن للصوت العربي المسلم أن يحدث بعض التأثير في أجندة ومواقف الحزب الجمهوري، لكن هذا السيناريو مستحيل في حالة الحزب الديمقراطي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك