إن الوعود بـتحقيق «النصر المطلق» في غزة ليست سوى «هراء»، بحسب وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. لم يكن المقصود من تصريحات غالانت أن تكون علنية، ولكن بطريقة ما تم تسريبها ونشرها من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية في يوم 12 أغسطس.
كان تفسير سبب سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لخوض حرب خاسرة في غزة محصوراً إلى حد كبير في المصالح الشخصية لرئيس الوزراء، وخاصة تجنب نتائج محاكماته بالفساد، والحفاظ على ائتلافه الحكومي المتطرف، وتجنب إجراء انتخابات مبكرة.
ومع ذلك، فإن أيًّا من هذه المبررات لا يفسر بأي عبثية الاستمرار في خوض هذه الحرب، والتي تعتبر، على حد تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، «أسوأ فشل في تاريخ إسرائيل».
ما الذي يمكن أن يفسر دوافع نتنياهو لخوض وراء الحرب؟ ولماذا يصر حلفاؤه الحكوميون الأكثر أهمية، ومنهم خاصة وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، على إطالة أمدها؟
قد لا يكمن الجواب في قطاع غزة، بل في الضفة الغربية.
بينما توسع إسرائيل حملتها العسكرية الفاشلة في القطاع من دون أي أهداف استراتيجية واضحة، فإن حربها على الضفة الغربية تحركها دوافع استراتيجية واضحة، ألا وهي ضم الضفة الغربية والتطهير العرقي لقطاعات كبيرة من السكان الفلسطينيين.
لا يتضح هذا الأمر فقط من خلال الأفعال والانتهاكات اليومية التي ترتكبها إسرائيل في الضفة الغربية، ولكن تتجلى أيضا في التصريحات الواضحة التي يدلي بها المسؤولون الحكوميون المتطرفون في إسرائيل.
ويتضمن هذا الأمر أيضا التزام حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو باستراتيجية «تعزيز وتطوير الاستيطان في كافة أنحاء أرض إسرائيل ــ في الجليل، والنقب، ومرتفعات الجولان، ويهودا والسامرة».
وقد نقل تسجيل صوتي، حصلت عليه جماعة «السلام الآن» الإسرائيلية، التصريحات التالية التي أدلى بها سموتريتش في مؤتمر عقد في يوم 9 يونيو: «هدفي هو استيطان الأرض وبنائها ومنع تقسيمها، في سبيل الرب».
وللقيام بذلك، كلف السياسي اليميني المتطرف نفسه بمهمة «تغيير الحمض النووي للنظام». لقد تم وضع هذا «النظام» منذ عقود.
في أعقاب احتلالها العسكري للضفة الغربية، بدأت إسرائيل عملية بطيئة ولكن حازمة للضم غير القانوني للأراضي الفلسطينية. وتضمنت هذه العملية إنشاء ما يسمى بالإدارة المدنية عام 1981.
وكانت هذه الإدارة المدنية في الأساس فرعًا من الجيش الإسرائيلي، ولكن تم تصنيفه على أنه «مدني» كجزء من جهد حكومي أكبر لتحويل الاحتلال العسكري المؤقت إلى استعمار دائم لفلسطين. وقد استلزم ذلك الضم العملي والتوسع المستمر للمستوطنات اليهودية الإسرائيلية غير القانونية المبنية على الأراضي الفلسطينية بعد الحرب.
منحت اتفاقيات أوسلو في الفترة 1993-1994 للفلسطينيين سيطرة إدارية اسمية على مناطق صغيرة في الضفة الغربية، تم تحديدها كمنطقتين (أ) و(ب). وقد استلزم ذلك نقل بعض مسؤوليات الإدارة المدنية إلى السلطة الفلسطينية المشكلة حديثًا، بناءً على أساس أن السلطة الفلسطينية ستستمر بشكل أساسي في إعطاء الأولوية لأمن إسرائيل.
سمح الترتيب الجديد لإسرائيل بتوسيع مستوطناتها غير القانونية في معظم أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، دون عوائق، ما أدى إلى مضاعفة حجم المستوطنات وعدد سكانها ثلاث مرات بين عامي 1993 و2023.
ومع وصول الخطة الاستعمارية الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى ذروتها، سعى بنيامين نتنياهو، في عام 2020، إلى تعزيز المكاسب الإسرائيلية بضم أكثر من 30% من أراضي الضفة الغربية.
ونظرا الى ازدياد الضغوط الدولية والمقاومة الفلسطينية المتزايدة، أرجأ نتنياهو خطته، على الرغم من أن «الضم لا يزال مطروحا على الطاولة».
ومع ذلك، فمن دون الكثير من الضجيج، بدلت إسرائيل أملها في الضم القانوني الشامل للضفة الغربية مع السيطرة الفعلية، من خلال الاستيلاء السريع على الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات.
ورغم تعثر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في العدوان العسكري الذي تشنه في قطاع غزة، فإن الحرب باتت تُستخدم اليوم كستار مثالي لوضع اللمسات الأخيرة على الخطط الاستعمارية القديمة في الضفة الغربية.
وهذا المخطط أطلق عليه سموتريش عام 2017 اسم «الانتصار بالتسوية». والآن، في موقع قوة ومع إمكانية الوصول إلى ميزانية ضخمة، فهو يجعل هدف حياته حقيقة واقعة.
ولكي يتحقق حلم سموتريتش، كان لا بد من العمل على تنشيط الدور المركزي الذي كانت تلعبه الإدارة المدنية. وفي شهر مايو الماضي، اخترع سموتريتش منصبًا جديدًا أطلق عليه اسم «نائب رئيس» الإدارة، ومنح المنصب لشريكه المقرب المدعو هيليل روث.
والآن يتمتع كلاهما بصلاحيات واسعة وغير مسبوقة لتوسيع المستوطنات. ومنذ بداية ولايتها في السلطة، وافقت حكومة نتنياهو على بناء 12 ألف وحدة سكنية جديدة للمستوطنات غير القانونية، في حين أمرت بهدم آلاف المنازل الفلسطينية وغيرها من مرافق البنية التحتية المدنية.
وفي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، أعلنت إسرائيل أن ما يقرب من 6000 قطعة أرض مملوكة للدولة، وبالتالي مؤهلة لبناء المستوطنات. ووصفت منظمة السلام الآن الإسرائيلية هذا القرار بأنه «أكبر عملية استيلاء على الأراضي في الضفة الغربية منذ 30 عامًا».
إن التطهير العرقي للفلسطينيين يجري بالفعل. وفقًا للمجلس النرويجي للاجئين، تم في النصف الأول من عام 2024 وحده، تهجير ما لا يقل عن 1000 فلسطيني قسراً بينما تأثر ما يقرب من 160.000 شخص بهدم المنازل.
لقد أدت الحرب الإسرائيلية على الضفة الغربية إلى إزهاق الأرواح وسفك الدماء. وحتى يوم 12 أغسطس، قُتل ما لا يقل عن 632 فلسطينيًا وجُرح 5400 آخرون في الضفة الغربية، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.
عندما تنتهي الحرب على قطاع غزة، ستصبح الحرب على الضفة الغربية أكثر حدة ودموية وعنفا وضراوة، غير أنها ستكون حربا ذات أهداف استراتيجية واضحة تتمثل في ضم الضفة الغربية بأكملها.
وفي يوم 19 يوليو الماضي، قضت محكمة العدل الدولية بأن «ضم إسرائيل و.. تأكيد سيطرتها الدائمة» في الضفة الغربية مسألة غير قانونية.
ولتجنب حرب أكبر وإبادة جماعية أوسع، يجب على المجتمع الدولي استخدام جميع الوسائل المتاحة لفرض القانون الدولي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
{ أكاديمي وكاتب فلسطيني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك