في انتخابات الرئاسة الأمريكية المزمع إجراؤها في نوفمبر القادم، ستشهد الساحة السياسية تنافسًا مثيرًا بين «كامالا هاريس» نائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، و«دونالد ترامب» الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري. تأتي هذه الانتخابات بعد أقل من ثلاثة أشهر، وتكتسب أهمية بالغة ليس فقط فيما يتعلق بالاتجاهات المحلية التي قد تسلكها البلاد، بل أيضًا في كيفية إدارة علاقاتها الدولية. بينما تتقدم هاريس حاليًا بفارق يبلغ 4 نقاط في استطلاعات الرأي الوطنية، يجب على المراقبين الغربيين والحكومات حول العالم الاستعداد للتعامل مع أي من المرشحين، سواء هاريس أو ترامب، باعتبار أن أحدهما سيكون الرئيس الأمريكي المقبل في يناير 2025.
في وقت يتزايد فيه الاهتمام بمواقف السياسة الخارجية الأمريكية، خاصةً فيما يتعلق بمستقبل الصراع العربي -الإسرائيلي واحتمالات التصعيد مع إيران، تتزايد التساؤلات حول خبرة هاريس في الشؤون الدولية. وقد تركزت الأنظار على مستشاريها المقربين في هذا المجال، وعلى رأسهم فيليب جوردون، مستشار الأمن القومي. وقد وصفه ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية، بـ«الحكيم والحذر والمعتدل»، بينما أشارت لورا كيالي وكليا كولكوت من مجلة «بوليتيكو» الأمريكية إلى أن جوردون، البالغ من العمر 61 عامًا، يعتبر «عنصرًا نادرًا بشكل متزايد في واشنطن بفضل ولعه بتعزيز التعاون مع الدول الأوروبية.
أما في فترة رئاسة ترامب بين عامي 2017 و2021، والتي تزامنت مع شعار «لنجعل أمريكا عظيمة»، فقد انتهجت إدارته سياسة خارجية نفعية أثارت الكثير من الضغط على الحلفاء، وزادت من التحديات تجاه منافسي أمريكا، أشار جاك ديتش من مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أنه رغم أن ترامب ومجموعة مقربيه لم يكن لديهم خبرة كافية في الشؤون الدولية في البداية، فإن الإدارة الأولى لترامب ضمت مجموعة من «محور العقلاء»، بما في ذلك ريكس تيلرسون وزير الخارجية، وجيمس ماتيس وزير الدفاع، وهربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي، الذين كانوا يمثلون تيارًا أكثر دولية وتأيدا للتجارة وحلف شمال الأطلسي، وسعوا لتصحيح أخطاء ترامب الدبلوماسية.
لكن في النهاية، فقد مستشاري ترامب مكانتهم، وحل محلهم جمهوريون أكثر توافقًا مع توجهات ترامب السياسية، فبعد مرور نحو أربع سنوات من مغادرتهم، يظل هؤلاء الأفراد، الذين كان لهم دور رئيسي في السياسة الخارجية لترامب، مرشحين لتولي مناصب عليا في حال فوزه بولاية ثانية في 2025، وعلى صفحات «فورين بوليسي»، قام ديتش، إلى جانب زملائه روبي جرامر وأيمي ماكينون وكيث جونسون وكريستينا لو، برسم صورة لهؤلاء المؤثرين في سياسة الشؤون الخارجية للحزب الجمهوري.
تم تسليط الضوء على هؤلاء المؤثرين في السياسة الخارجية للحزب الجمهوري، مثل مايك بومبيو، مدير وكالة المخابرات المركزية ووزير الخارجية السابق، الذي قد يُختار لمنصب وزير الدفاع في إدارة ترامب الثانية. يُعتبر بومبيو من بين أبرز المدافعين عن أوكرانيا داخل الحزب الجمهوري، لكنه أيضًا «صقر متحمس» تجاه إيران، كونه كان من المحركين الرئيسيين لقرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق «خطة العمل الشاملة المشتركة».
بالإضافة إلى بومبيو، يوجد فريد فليتز، نائب سابق لرئيس مركز الأمن الأمريكي التابع لمعهد «أمريكا أولًا» للسياسة، الذي قد يكون من بين المعينين المحتملين في إدارة ترامب الثانية، وهو مؤيد بارز لأيديولوجية «أمريكا أولًا» ويعتبر من المقربين من صقر المحافظين الجدد المشاكس، جون بولتون، الذي كان مستشار الأمن القومي لترامب لفترة قصيرة قبل أن يترك منصبه في عام 2019.
من بين المؤثرين الآخرين المتوقع أن يلعبوا أدوارًا مهمة في إدارة ترامب الثانية «ريك جرينيل» السفير الأمريكي السابق في ألمانيا، الذي يُنظر إليه كـ«جندي فعال» في الحكومة، و«مبعوث» ترامب إلى الحكومات اليمينية المتطرفة، وأيضا هناك «جوني ماكنتي» مدير مكتب شؤون الموظفين الرئاسي في البيت الأبيض خلال إدارة ترامب الأولى، والذي ساعد في تعيين أفراد من مؤيدي سياسة «أمريكا أولًا» في المناصب العليا بالبيت الأبيض، وتنظيم عملية إعادة ترتيب كبار قادة الجيش الأمريكي في البنتاجون.
في جانب آخر، يشير «كيث جونسون: إلى أن «إلبريدج كولبي» نائب مساعد وزير الدفاع السابق في إدارة ترامب، يدعو إلى تحويل التركيز من أوروبا وحلف شمال الأطلسي إلى مواجهة التحديات المتزايدة من الصين. واقتصاديًا، من المتوقع أن يشغل روبرت لايتهايزر، الممثل التجاري السابق في إدارة ترامب، منصب وزير الخزانة، مما يشير إلى احتمال تعزيز إدارة ترامب المحتملة للحروب التجارية، بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية إلى الولايات المتحدة.
ووصفت «كريستينا لو» بمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية «ستيفن ميلر» بأنه قد يكون أحد مستشاري ترامب البارزين كونه «المهندس الراديكالي لسياسات الهجرة المتشددة» في إدارة ترامب السابقة، والتي تعلقت بتدابير «حظر المسلمين»، والمنع من دخول الولايات المتحدة، وعدم توطين اللاجئين من دول معينة، بما في ذلك إيران وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال. وأفاد تشارلي سافاج، وماجي هابرمان، وجوناثان سوان في صحيفة نيويورك تايمز إلى أن إدارة ترامب المعاد انتخابها والمتأثرة بـ«ميلر» تخطط لـ«تعليق برنامج اللاجئين»، و«إعادة فرض الحظر على المسلمين»، واستخدام «الوسائل القسرية» الدبلوماسية، لفرض التعاون من الدول الأخرى كشرط لأي اتفاق ثنائي بهذا الصدد.
وعلى العموم، في حال تولت إدارة ترامب الثانية السلطة، من المتوقع أن تركز التعيينات المحتملة في مجال السياسة الخارجية على الولاء الشخصي لترامب. بالنسبة للشرق الأوسط، من المحتمل أن تستمر الإدارة في نهجها المناهض لإيران، ودعمها الثابت لإسرائيل، ومن شأن تصريحات أوبراين حول إلقاء اللوم على إيران قد تشجع حكومة نتنياهو اليمينية والولايات المتحدة على تصعيد الهجمات ضد غزة وطهران وحلفائها، مما قد يضر بالأمن الإقليمي على المدى الطويل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك