يقول صلوات ربي وسلامه عليه: «الحلال بَيِّنْ والحرام بَيِّنْ، وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذًا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» رواه الإمام البخاري في صحيحه.
إذًا، فالحلال بَيِّنْ والحرام بَيِّنْ وبينهما سياج من المجال المغناطيسي وهي المتشابهات إذًا اقترب منها المسلم جذبته إليها، ولهذا فقد نهى الله تعالى آدم عن أن يقترب من الشجرة المنهي عنها فضلًا عن الأكل منها، قال تعالى: «وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين» البقرة / 35.
وما دام الأمر كذلك، فالسؤال الذي نطرحه على العَلْمانيين، وحق لنا أن نطرحه هو: لماذا ينكرون علينا أن ننادي بإقامة دولة يكون الإسلام فيها هو المرجعية التي نرجع إليها في كافة شؤوننا بينما يحق لهم أن يقيموا دولهم على ما شاءوا من المرجعيات، ومنها دول تقوم على أسسٍ دينية مثل: الفاتكان ودولة الكيان الصهيوني، وأن في الدول العَلْمانية يؤسسون أحزابًا دينية، كل ذلك مباح لهم ومحرم علينا.!
ومن حقوق المسلمين التي يجب مراعاتها هي أن يكون مبدأ الحلال والحرام هو القاعدة التي تقوم عليها الدول الاسلامية، وذلك لأن العمل الصالح لا يتحقق إلا بشرطين رئيسيين، وهما: الإيمان بالله تعالى والعمل الخالص له تعالى، وهذا لن يكون، ولن يتحقق إلا أن تضبط حياة المؤمن على أساس الحلال والحرام، وفِي حالة تعذر الحلال من الطعام والشراب يبيح الحق سبحانه وتعالى للمؤمن أن يأكل شيئًا من الحرام ليدفع الهلاك عن نفسه، والعَلْمانية لا تقيم وزنًا للحلال والحرام من الطعام والشراب، يقول تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون(172) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم(173)» البقرة.
لقد تضمنت هاتان الآيتان الحلال من الطعام، والحرام منه، وصنف ثالث هو طعام الاضطرار، وهو أن يأكل المسلم شيئًا من الحرام حفاظًا على حياته حتى ييسر الله تعالى له شيئًا من الحلال، وبهذا أصبح لا عذر للمسلم أن يأكل مما لم يبحه له الشارع الحكيم سبحانه.
إذاً، فإقامة دولة على أسسٍ دينية، وعلى مبدأ من الحلال والحرام حق يجب أن ترعاه المنظمات الدولية التي تنادي بالدفاع عن حقوق الإنسان، وهذا لن يتحقق إلا حين تحكم الشريعة الإسلامية الدول التي تزعم أنها دولٌ إسلامية، وليعلم العَلْمانيون أن الحلال والحرام ليس مقصورًا في الإسلام فقط على الطعام والشراب، بل هناك حلال وحرام في الأقوال والأفعال.. وهناك حلال وحرام في القيم والأخلاق، فالكذب في الإسلام محرم، والغيبة والنميمة، والظلم، والسرقة والرشوة كل هذه الأفعال والأقوال محرمة في الإسلام، وفِي مجال المعاملات، الغش محرم، والتطفيف في الأوزان والمكاييل محرم أيضًا.
وشهادة الزور محرمة في الإسلام، ورمي المحصنات الغافلات المؤمنات محرم في الإسلام، بل هو شديد الحرمة، والزنا محرم، والتبني محرم أيضًا.
والحكم بغير ما أنزل الله تعالى محرم، والخوض في أموال المسلمين التي استأمنها الله تعالى من يتولى شئون المسلمين محرمة أيضًا، بل شديدة الحرمة.
إذًا، فهذه هي الدولة التي يسعى الإسلام إلى تأسيسها، ويحرص أشد الحرص على تحصينها بقيم العدل، والرحمة ويرسي دعائمها على قاعدة الحلال والحرام في كل شأن من شئونها، وهذا ما يزهد فيه الًعَلْمانيون ويحذرون منه لهذا هم يسعون جاهدين إلى فصل الدين عن دولة الإسلام التي تأسست في المدينة وفِي الخلافة الراشدة والتي حققت العدل ونشرت الرحمة والمساواة بين مواطني هذه الدولة، وحققت معنى المواطنة التي تفخر بها الدول الحديثة، والتي مضمونها المساواة التامة بين جميع المواطنين بغض النظر عن أديانهم وقومياتهم لأن الله تعالى في الدولة الإسلامية رب الجميع، وعطاء الربوبية حق لكل الناس، قال تعالى: «وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلًا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير» البقرة / 126.
هذه هي الدولة التي نريدها، وهذه هي الشريعة التي نريد أن تحكمنا لأنها الشريعة التي سوف نحاسب على أساسها، ويكون مصيرنا إما إلى الجنة أو إلى النار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك