العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

جائزة الملك حمد للتعايش السلمي.. المبادرة الرائدة

بقلم: د. محمد بن أحمد آل الدريبي الشهري

الأربعاء ٢٨ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يموج‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬بالنزاعات‭ ‬الدينية‭ ‬والعرقية،‭ ‬والحزبية،‭ ‬والطائفية‭ ‬تقف‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لتسجل‭ ‬في‭ ‬نضالها‭ ‬العالمي‭ ‬وحِراكها‭ ‬الدولي‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬والتألف‭ ‬ونبذ‭ ‬الفرقة‭ ‬والتخالف‭. ‬

داعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬والفكر‭ ‬المعتدل‭ ‬إلى‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الدعة‭ ‬والعيش‭ ‬الرغيد،‭ ‬ويبعث‭ ‬فيه‭ ‬الأمل‭ ‬إلى‭ ‬الاستقرار‭ ‬الديني‭ ‬والسياسي‭ ‬والمجتمعي‭ ‬على‭ ‬أبوابه‭ ‬المختلفة‭.‬

لست‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬وآثاره‭ ‬القويمة؛‭ ‬فالتعايش‭ ‬حقيقة‭ ‬يدركها‭ ‬عقلاء‭ ‬الناس‭ ‬ويتفقون‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ضرورة‭ ‬يدعو‭ ‬إليها‭ ‬الشرع،‭ ‬والعقل،‭ ‬والفطرة‭. ‬

لكنني‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬جائزة‭ ‬ملكية‭ ‬موفقة‭ ‬في‭ ‬توقيتها،‭ ‬سامية‭ ‬في‭ ‬معانيها،‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬فكرتها،‭ ‬ثمينة‭ ‬في‭ ‬رسالتها‭.‬

فاليوم‭ ‬تتزين‭ ‬المنامة‭ ‬بصفتها‭ ‬إحدى‭ ‬عواصم‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بهذه‭ ‬الرسالة‭ ‬العالمية؛‭ ‬لتعلن‭ ‬تحفتها،‭ ‬وتوضح‭ ‬للعالم‭ ‬عن‭ ‬عظيم‭ ‬رسالتها‭ ‬ومهمتها‭ ‬التي‭ ‬تليق‭ ‬بمكانتها‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬المجيد‭ ‬الضارب‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬التاريخ‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬صوتًا‭ ‬للسلم‭ ‬والسلام،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬صوت‭ ‬قلم‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الأحرف‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬البحرين‭ ‬ملك‭ ‬وجائزة‮»‬‭.‬

حيث‭ ‬توجهت‭ ‬الإرادة‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬جائزة‭ ‬عالمية‭ ‬للتعايش‭ ‬مسماها‭ ‬جائزة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي‭.‬

أُعلنها؛‭ ‬لتكون‭ ‬جائزة‭ ‬دولية‭ ‬عالمية‭ ‬في‭ ‬اتساعها،‭ ‬ممنوحةً‭ ‬للأفراد،‭ ‬والمنظمات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬التميز‭ ‬والتفرد‭ ‬والاسهام‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬دعمًا‭ ‬وتشجيعًا‭ ‬للاستقرار‭ ‬المجتمعي‭ ‬والسياسي‭ ‬العالمي؛‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭.‬

لقد‭ ‬سعى‭ ‬التطرف‭ ‬ورواده‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أفراده‭ ‬وجماعاته،‭ ‬ومؤسساته‭ ‬ومنظماته‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬الكراهية،‭ ‬والحزبية،‭ ‬والعنف‭ ‬متخذين‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬سلمًا‭ ‬لنشر‭ ‬أطروحاتهم‭ ‬المشبوهة،‭ ‬وأطروحاتهم‭ ‬الضالة‭. ‬

إن‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بحال‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬المعتقدات‭ ‬الصحيحة،‭ ‬ولا‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬المثل‭ ‬والثوابت‭ ‬القويمة؛‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬من‭ ‬التعايش‭ ‬وحسن‭ ‬المعاملة،‭ ‬ودوام‭ ‬المشاركة‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬الخلاف‭ ‬والمناكفة‭.‬

لقد‭ ‬أضحت‭ ‬اليوم‭ ‬جائزة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬هدية‭ ‬للعالم‭ ‬يهديها،‭ ‬ورسالة‭ ‬للسلام‭ ‬يُعليها؛‭ ‬لتسهم‭ ‬هذه‭ ‬الجائزة‭ ‬في‭ ‬نزع‭ ‬الصراعات‭ ‬العالمية،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تحكيم‭ ‬العقل‭ ‬والحكمة‭. ‬

جاءت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬تجسيدًا‭ ‬للأهداف‭ ‬والمبادئ‭ ‬المستخلصة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬وحضارة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬عصورها‭ ‬المجيدة،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الحضارات‭ ‬والأديان‭ ‬والثقافات‭ ‬وتعزيز‭ ‬قيم‭ ‬التعايش‭ ‬وانطلاقًا‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬السلم‭ ‬العالمي،‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬وتشجيعًا‭ ‬للأعمال‭ ‬والجهود‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات‭ ‬والتعايش‭.‬

إن‭ ‬أول‭ ‬أبجديات‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬هو‭ ‬منطق‭ ‬العدل‭ ‬وقيمه‭ ‬السامية،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬بهذه‭ ‬القيمة‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬صورها،‭ ‬وأكمل‭ ‬دلالاتها‭.‬

ولأن‭ ‬أرض‭ ‬البحرين‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عهودها‭ ‬الضاربة‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬التاريخ‭ ‬موطنًا‭ ‬يسكنه‭ ‬المسلمون‭ ‬وغيرهم؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الهدي‭ ‬النبوي‭ ‬الكريم‭ ‬لنبينا‭ -‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭- ‬رسخ‭ ‬قواعد‭ ‬العدل‭ ‬والتعايش‭ ‬بينهم‭ ‬كسائر‭ ‬بلاد‭ ‬الدنيا‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬دخلها‭ ‬الإسلام‭.‬

فقد‭ ‬جاء‭ ‬عن‭ ‬جعفر‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬عن‭ ‬أبيه،‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬أسيد‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ -‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭- ‬بسبي‭ ‬من‭ ‬البحرين،‭ ‬فنظر‭ ‬النبي‭ -‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭- ‬إلى‭ ‬امرأة‭ ‬منهن‭ ‬تبكي‭ ‬قال‭: ‬‮«‬ما‭ ‬شأنك؟‮»‬‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يبكيك؟‭ ‬قالت‭: ‬إنه‭ ‬باع‭ ‬ابني،‭ ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ -‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭- ‬لأبي‭ ‬أسيد‭: ‬‮«‬أبعتَ‭ ‬ابنها؟‮»‬‭ ‬قال‭: ‬نعم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬فيمن؟‮»‬‭ ‬قال‭: ‬في‭ ‬بني‭ ‬عبس‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬فرق‭ ‬بينهما،‭ ‬فقال‭ ‬النبي‭ -‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬اركب‭ ‬أنتَ‭ ‬بنفسكَ‭ ‬فأت‭ ‬به‮»‬‭.‬

وهنا‭ ‬يتجلى‭ ‬الهدي‭ ‬النبوي‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬رحمته‭ ‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه،‭ ‬وتتجلى‭ ‬صور‭ ‬التعايش‭ ‬والتجانس‭ ‬في‭ ‬أبَهى‭ ‬صورها‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬مغلظًا‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬اركب‭ ‬أنتَ‭ ‬بنفسكَ‭ ‬فأت‭ ‬به‭!‬‮»‬‭.‬

ختامًا‭ ‬مهمة‭ ‬كبرى‭ ‬يتولاها‭ ‬مجلس‭ ‬أمناء‭ ‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬العالمي‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي،‭ ‬رسمًا‭ ‬للسياسات،‭ ‬وبناء‭ ‬للأهداف،‭ ‬وتخطيطًا‭ ‬للأعمال،‭ ‬وتنظيمًا‭ ‬للأداء‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬جهود‭ ‬خليجية‭ ‬متميزة‭ ‬ودؤوبة‭ ‬تنشد‭ ‬السلام‭ ‬العالمي،‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬توثيق‭ ‬أطنابه،‭ ‬ونشر‭ ‬أسبابه‭.‬

ولقد‭ ‬سخرت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬أعمالها‭ ‬ونضالها‭ ‬‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬عاصمة‭ ‬العروبة‭ ‬والسلام‭ ‬‮«‬الرياض‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وبذلت‭ ‬جهودًا‭ ‬مباركة‭ ‬وكبيرة‭ ‬ليكون‭ ‬السلام‭ ‬العالمي‭ ‬صوتًا‭ ‬عاليًا،‭ ‬وخلقًا‭ ‬ساميًا،‭ ‬وما‭ ‬هذه‭ ‬الجائزة‭ ‬إلا‭ ‬أنموذج‭ ‬مشرق‭ ‬لهذه‭ ‬الجهود،‭ ‬سدد‭ ‬الله‭ ‬الخطى‭ ‬وبارك‭ ‬في‭ ‬الجهود‭.‬

 

{‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬الفكرية‭ ‬وقضايا‭ ‬السلم‭ ‬العالمي‭ ‬جامعة‭ ‬الإمام‭.‬

وزارة‭ ‬العدل‭ ‬بالرياض

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا