في الوقت الذي يموج العالم اليوم بالنزاعات الدينية والعرقية، والحزبية، والطائفية تقف مملكة البحرين لتسجل في نضالها العالمي وحِراكها الدولي الداعي إلى السلام والتألف ونبذ الفرقة والتخالف.
داعية من خلال القوة الناعمة والفكر المعتدل إلى التعايش السلمي الذي يقود العالم إلى الدعة والعيش الرغيد، ويبعث فيه الأمل إلى الاستقرار الديني والسياسي والمجتمعي على أبوابه المختلفة.
لست هنا في معرض الحديث عن أهمية التعايش السلمي وآثاره القويمة؛ فالتعايش حقيقة يدركها عقلاء الناس ويتفقون على أنه ضرورة يدعو إليها الشرع، والعقل، والفطرة.
لكنني أتحدث عن جائزة ملكية موفقة في توقيتها، سامية في معانيها، رائدة في فكرتها، ثمينة في رسالتها.
فاليوم تتزين المنامة بصفتها إحدى عواصم السلام في العالم بهذه الرسالة العالمية؛ لتعلن تحفتها، وتوضح للعالم عن عظيم رسالتها ومهمتها التي تليق بمكانتها عبر تاريخها المجيد الضارب في عمق التاريخ حتى أصبحت مملكة البحرين صوتًا للسلم والسلام، مما يجعل صوت قلم كاتب هذه الأحرف لا يملك إلا أن يقول «البحرين ملك وجائزة».
حيث توجهت الإرادة الملكية في مملكة البحرين إلى إنشاء جائزة عالمية للتعايش مسماها جائزة الملك حمد للتعايش السلمي.
أُعلنها؛ لتكون جائزة دولية عالمية في اتساعها، ممنوحةً للأفراد، والمنظمات التي كان لها التميز والتفرد والاسهام في أحد أهم المجالات التي تخدم الإنسانية، دعمًا وتشجيعًا للاستقرار المجتمعي والسياسي العالمي؛ ألا وهو حوار الحضارات والتعايش السلمي.
لقد سعى التطرف ورواده من خلال أفراده وجماعاته، ومؤسساته ومنظماته عبر عقود طويلة إلى نشر الكراهية، والحزبية، والعنف متخذين من الإسلام سلمًا لنشر أطروحاتهم المشبوهة، وأطروحاتهم الضالة.
إن الدعوة إلى التعايش السلمي لا يعني بحال التنازل عن المعتقدات الصحيحة، ولا التخلي عن المثل والثوابت القويمة؛ لكنه لا يمنع في الوقت ذاته من التعايش وحسن المعاملة، ودوام المشاركة والبعد عن الخلاف والمناكفة.
لقد أضحت اليوم جائزة الملك حمد للتعايش السلمي هدية للعالم يهديها، ورسالة للسلام يُعليها؛ لتسهم هذه الجائزة في نزع الصراعات العالمية، والدعوة إلى تحكيم العقل والحكمة.
جاءت هذه المبادرة تجسيدًا للأهداف والمبادئ المستخلصة من تاريخ وحضارة مملكة البحرين عبر عصورها المجيدة، والمتمثلة في الانفتاح على جميع الحضارات والأديان والثقافات وتعزيز قيم التعايش وانطلاقًا من رؤية مملكة البحرين الرامية إلى تعزيز السلم العالمي، والعيش المشترك بين البشر، وتشجيعًا للأعمال والجهود الرائدة في مجال حوار الحضارات والتعايش.
إن أول أبجديات التعايش السلمي هو منطق العدل وقيمه السامية، وقد جاء الإسلام بهذه القيمة في أعلى صورها، وأكمل دلالاتها.
ولأن أرض البحرين كانت على مدى عهودها الضاربة في عصور التاريخ موطنًا يسكنه المسلمون وغيرهم؛ إلا أن الهدي النبوي الكريم لنبينا -صلى الله عليه وسلم- رسخ قواعد العدل والتعايش بينهم كسائر بلاد الدنيا المختلفة التي دخلها الإسلام.
فقد جاء عن جعفر بن محمد عن أبيه، أن أبا أسيد جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبي من البحرين، فنظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى امرأة منهن تبكي قال: «ما شأنك؟» أي ما الذي يبكيك؟ قالت: إنه باع ابني، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي أسيد: «أبعتَ ابنها؟» قال: نعم قال: «فيمن؟» قال: في بني عبس أي أنه فرق بينهما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: اركب أنتَ بنفسكَ فأت به».
وهنا يتجلى الهدي النبوي الكريم في رحمته صلوات الله وسلامه عليه، وتتجلى صور التعايش والتجانس في أبَهى صورها حتى أنه قال له مغلظًا عليه: «اركب أنتَ بنفسكَ فأت به!».
ختامًا مهمة كبرى يتولاها مجلس أمناء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، رسمًا للسياسات، وبناء للأهداف، وتخطيطًا للأعمال، وتنظيمًا للأداء.
كل ذلك في إطار جهود خليجية متميزة ودؤوبة تنشد السلام العالمي، وتدعو إلى توثيق أطنابه، ونشر أسبابه.
ولقد سخرت دول الخليج أعمالها ونضالها – ابتداءً من عاصمة العروبة والسلام «الرياض» إلى بقية دول الخليج العربي، وبذلت جهودًا مباركة وكبيرة ليكون السلام العالمي صوتًا عاليًا، وخلقًا ساميًا، وما هذه الجائزة إلا أنموذج مشرق لهذه الجهود، سدد الله الخطى وبارك في الجهود.
{ دكتوراه في الدراسات الفكرية وقضايا السلم العالمي جامعة الإمام.
وزارة العدل بالرياض
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك