تشمل أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي أقرتها الأمم المتحدة، سبعة عشر هدفًا عالميا كالقضاء على الفقر والجوع، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتوفير الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. ورغم طموح هذه الأهداف، أشار الباحثان «جلادا لان وباتريك شرودر» بالمعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس»، إلى أن الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية قد أثرت بشكل كبير على التقدم نحو تحقيقها، مما يجعل الأمل في تحقيق هذه الأهداف بحلول نهاية العقد ضئيلًا.
وأشار «شرودر» و«لان» إلى أن سد الفجوة الاقتصادية البالغة 3.9 تريليون دولار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب أقل من 1% من التمويل العالمي. وأكدا على ضرورة أن تتبنى بنوك التنمية متعددة الأطراف إصلاحات أساسية، ووافقه على ذلك «أمين محسني شيراغلو» خبير الاقتصاد الكلي لدى المجلس الأطلسي، بأن الاقتصاد العالمي بحاجة إلى إعادة تنشيط «مؤسسات بريتون وودز» مثل: (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) لمواجهة التهديدات المتعددة التي تواجهها في التمويل والتنمية العالمية.
وكتبت «تانا جونسون» أستاذة بجامعة ديوك، في مقال لها لمؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي» ومقرها واشنطن، أن الإصلاحات في (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية) تواجه تحديات كبيرة، خاصة من حيث تخصيص المزيد من السلطات والصلاحيات والموارد لدول ذات اقتصادات نامية، والتي تفتقر إلى النفوذ في اتخاذ القرارات. وأضافت أن فشل الإصلاحات السابقة في تعزيز تأثير البلدان النامية أدى إلى بحث بعض الدول عن بدائل مثل القروض من الحكومة الصينية بشروط مختلفة.
تأسست مؤسسات «بريتون وودز» بعد الحرب العالمية الثانية للهيمنة على النظام المالي العالمي، وضمان استقراره في إطار اقتصاد الدول الغربية. ومع مرور ثمانين عامًا، أشار «مايلز كاهلر» أستاذ فخري بالجامعة الأمريكية، إلى غياب عصر «بريتون وودز» وبروز «المؤسسات غير الرسمية» كمحركات تعاون أساسية بين الاقتصادات المتقدمة والنامية.
فأوضحت «جونسون» أن البنك الدولي أصبح أحد أبرز مؤسسات التنمية بسبب محاولاته الحفاظ على مصالحه الخاصة، وتهميش دوره الأصلي في مساعدة الدول الأوروبية على التعافي بعد الحرب. أما صندوق النقد الدولي، فقد نجح في إدارة معيار الذهب بعد الحرب العالمية الثانية ولكن دوره كمقرض رئيسي تراجع بسبب ظهور منافسين كالحكومة الصينية والبنك المركزي الأوروبي. وبالنسبة لمنظمة التجارة العالمية، التي نشأت عن توسعة الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة (الجات) في 1994، اعتبر كاهلر أنها «الأكثر عرضة للخطر» بسبب ضعفها المؤسسي وسجلها المخيب للآمال فيما يتعلق باتفاقيات التجارة الجديدة.
وتبقى الاقتراحات لإصلاح هذه المؤسسات تعكس الحاجة إلى مواكبة التغيرات العالمية. فرأت «جونسون» أن النظام الاقتصادي الذي تقترحه هذه المؤسسات ليس بجديد، وأنه قبل التفكير في الإصلاحات، يجب معالجة الشكوك الأساسية حول ما تريد هذه المؤسسات تحقيقه. وتساءلت عن مدى التزامها الفعلي بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الفقيرة، وإن كانت مجهزة بشكل فعال لتحقيق ذلك. وأشارت أيضًا إلى أن المؤسسات الثلاث اتجهت نحو التنمية ليس بدافع قناعة كاملة، بل للحفاظ على أهداف خاصة بها، مثل البنك الدولي الذي شكل «المؤسسة الدولية للتنمية» لتقديم منح وقروض لأفقر البلدان، وصندوق النقد الدولي الذي تبنى دور المقرض الرئيسي للبلدان الأكثر فقرًا بعد قرار إدارة نيكسون بوقف تحويل الدولار إلى الذهب في 1971.
وفيما يتعلق بمنظمة التجارة العالمية، رغم أن المنظمة تضع التنمية ضمن مبادئها الأساسية ولديها لجنة مخصصة لتحسين قطاعات التجارة والتنمية، لاحظت «تانا جونسون» أن المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية «مايكل مور» حاول إبراز هذا المبدأ لجذب الدول الفقيرة، وإظهار أهمية المنظمة أمام الدول الغنية.
وانتقدت «جونسون» المنظمة ووصفت تصرفها بالـ «نفاق» تجاه قضايا التنمية، مشيرة إلى تراجع تركيز المنظمة على تحرير التجارة لصالح الاهتمام بالاتفاقيات متعددة الأطراف والإقليمية، مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والتي أُبرمت خارج إطار المنظمة.
نتيجة لذلك، أكدت جونسون أن التفاني الفعلي للمنظمات الثلاث في قضايا التنمية مشكوك فيه، حيث لم تقم أي منها بإصلاح عمليات اتخاذ القرار لتعزيز التنمية في الدول النامية. ففي البنك وصندوق النقد الدوليين، يتمتع المانحون بصوت أقوى من المستفيدين الفقراء بسبب نظام التصويت الموزون، وهو نظام من نظم التصويت في المنظمات الدولية يسمح بوزن صوت كل دولة بحيث يعطى الصوت من الثقل ما يتوازى مع الأهمية الاقتصادية للدولة ومساهمتها في الموارد المالية للمنظمة. أما في منظمة التجارة العالمية؛ حيث يُمنح كل عضو صوت واحد، فإن القرارات تتخذ بالإجماع، مما يعني أن الدول النامية، رغم كونها الأغلبية، لا تستطيع تحقيق أهدافها ما لم توافق الدول الغنية.
وبخصوص كيفية إصلاح هذه المنظمات لمواجهة تحديات النظام الاقتصادي العالمي الجديد، أشارت «جونسون» إلى أن منظمة التجارة العالمية في وضع جيد لاستعادة أدوارها، بينما يظل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بحاجة إلى استكشاف طرق جديدة لإثبات قيمتهما. وبحسب «كلارا براندي ويابيبال والي» من المعهد الألماني للتنمية والاستدامة، هناك توافق على ضرورة توسيع صلاحيات البنك الدولي لتعزيز حماية الصالح العام العالمي، خاصة في قضايا تغير المناخ، مع العمل على إزالة الخلافات بين أعضائه حول زيادة قدرته على الإقراض بما يتجاوز 50 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة.
كما حذرا «براندي» و«والي» من أن زيادة المهام دون زيادة الموارد قد يؤدي إلى تقليص قدرة البنك على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مما يضطره لتقديم تنازلات غير مرغوب فيها. أما في صندوق النقد الدولي، فأكد «باولو نوجويرا باتيستا» المدير التنفيذي السابق للصندوق، ضرورة إدخال إصلاحات لتحسين جاذبية الصندوق للدول النامية، وتفادي اعتراضات المساهمين الرئيسيين على مقترحات التنمية. وشملت الاقتراحات تقليص الرسوم على القروض الكبيرة، وتعزيز التمويل التفضيلي للدول ذات الدخل المنخفض، وزيادة تمثيل الدول الصغيرة والإفريقية.
على العموم، يتضح أن العوامل التي جعلت هذه المنظمات مؤهلة للتعامل مع التنمية في الماضي قد لا تمنحها نفس المزايا في المستقبل. وينبغي أن تسعى الإصلاحات في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية إلى تعزيز التزامها بتطوير قضايا التنمية وتجهيز نفسها بشكل مناسب لذلك. وإذا فشلت هذه المؤسسات في تحقيق ذلك، فإنها قد تظل تكرر مهامًا يمكن أن تقوم بها كيانات أخرى، مما قد يجذب الدول النامية إلى البحث عن بدائل أكثر فعالية. كما أشار «كاهلر» إلى أن التغييرات ستكون تدريجية وجزئية، لكنها قد تواجه شكوكًا من الدول المتقدمة إذا لم تُثمر عن نتائج ملموسة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك