العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ماذا يكشف السجل الطويل لاغتيالات الموساد في إيران؟

بقلم: غدى قنديل {

الخميس ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

لم‭ ‬يكن‭ ‬اغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬المقاومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬حماس،‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية،‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أيام،‭ ‬أمرًا‭ ‬طارئًا‭ ‬أو‭ ‬مستحدثًا‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الإسرائيلية؛‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬له‭ ‬إرثًا‭ ‬طويلًا،‭ ‬وجذورًا‭ ‬ضاربة‭ ‬في‭ ‬العقلية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬منذ‭ ‬قيامها،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الظرف‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬المعقد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أشهر‭ ‬يلقى‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬خصوصية‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬هنية‮»‬،‭ ‬ورمزية‭ ‬مكان‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬طهران،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تستغله‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬دليلًا‭ ‬على‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬خطر‭ ‬يهدد‭ ‬دولتها‭ ‬المزعومة‭.‬

منذ‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬تمثلت‭ ‬سياسة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬والتصفية‭ ‬الجسدية‭ ‬ركنًا‭ ‬راسخًا‭ ‬في‭ ‬العقيدة‭ ‬الأمنية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬تضع‭ ‬به‭ ‬حدًّا‭ ‬لحياة‭ ‬مَن‭ ‬تراهم‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬أمنها،‭ ‬دون‭ ‬الاهتمام‭ ‬بأي‭ ‬تبعات‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬قانونية،‭ ‬إذ‭ ‬اشتقت‭ ‬عقيدة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬مقولة‭ ‬تلمودية‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬شخص‭ ‬لقتلك،‭ ‬فانهض‭ ‬واقتله‭ ‬أولًا‮»‬،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬مبدأ‭ ‬توجيهيًّا‭ ‬لأجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستخبارات‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

لكن‭ ‬منذ‭ ‬2002،‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬مئير‭ ‬داغان‭ ‬رئيسًا‭ ‬للموساد،‭ ‬فكَّكَ‭ ‬هيكل‭ ‬الموساد‭ ‬السابق،‭ ‬وأعاد‭ ‬تجميعه‭ ‬للتركيز‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬القابلة‭ ‬للتنفيذ،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬عمليات‭ ‬استباقية‭ ‬ووقائية،‭ ‬مثل‭ ‬التخريب،‭ ‬والكمائن،‭ ‬والقتل‭ ‬المستهدف،‭ ‬والاغتيالات،‭ ‬وكان‭ ‬هدفه‭ ‬تحويل‭ ‬الموساد‭ ‬إلى‭ ‬وكالة‭ ‬محاربة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬حاسمة‭ ‬ضد‭ ‬أعدائها‭ ‬خارج‭ ‬الحدود،‭ ‬وأعاد‭ ‬تنظيم‭ ‬الموساد‭ ‬لمعالجة‭ ‬هدفين‭ ‬رئيسين؛‭ ‬مواجهة‭ ‬الدول‭ ‬المعادية‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬إيران،‭ ‬ومواجهة‭ ‬الفصائل‭ ‬المسلحة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬مثل‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬وحماس،‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭.‬

وعلى‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬كانت‭ ‬غالبية‭ ‬الاستهدافات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تحدث‭ ‬‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أساسي‭ ‬‭ ‬عبر‭ ‬الطرق‭ ‬التقليدية،‭ ‬مثل‭ ‬القتل‭ ‬المباشر‭ ‬بأيدي‭ ‬عملاء‭ ‬استخبارات‭ ‬أو‭ ‬جواسيس،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التسميم،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬وحدات‭ ‬العمليات‭ ‬الخاصة‭ ‬للاغتيالات،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬سايرت‭ ‬ماتكال‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬شايطيت‭ ‬13‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬دوفدفان‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬معروفة‭ ‬بالاغتيالات‭ ‬السرية‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬استخدمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬العبوات‭ ‬الناسفة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاغتيال،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬أدوات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاغتيال‭ ‬ضد‭ ‬أعدائها‭ ‬لتضمن‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬بدقة،‭ ‬وخاصةً‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬الاغتيال‭ ‬تحقق‭ ‬نجاحات‭ ‬تكتيكية‭ ‬قصيرة‭ ‬الأجل،‭ ‬لكنها‭ ‬تفشل‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬انتصارات‭ ‬استراتيجية‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل،‭ ‬ويُعد‭ ‬أبرز‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬عملية‭ ‬الاغتيال‭ ‬الأخيرة‭ ‬لـ«هنية‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تشير‭ -‬على‭ ‬نحو‭ ‬قاطع‭- ‬إلى‭ ‬ضعف‭ ‬رصيد‭ ‬إنجازات‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية،‭ ‬وعجزه‭ ‬عن‭ ‬علاج‭ ‬الهشاشة‭ ‬التي‭ ‬كشفها‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬وانكشاف‭ ‬دور‭ ‬إسرائيل‭ ‬الوظيفي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

يُلقي‭ ‬اغتيال‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الإجرامي‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الإيرانية،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬سلسلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاستهدافات‭ ‬والاغتيالات‭ ‬طالت‭ ‬علماء‭ ‬الطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬والنووية،‭ ‬وعسكريين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬أجنبية‭ ‬مهمة،‭ ‬نفذتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬إعلان‭ ‬قيامها،‭ ‬فمنذ‭ ‬سنوات،‭ ‬تخوض‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬حربًا‭ ‬خفية‭ ‬تتضمن‭ ‬عمليات‭ ‬استخباراتية،‭ ‬واغتيالات،‭ ‬وهجمات‭ ‬برية‭ ‬وبحرية،‭ ‬وفقًا‭ ‬لخطة‭ ‬مدير‭ ‬الموساد‭ ‬الأسبق،‭ ‬تامير‭ ‬باردو،‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬شاملة‭ ‬لوقف‭ ‬طموحات‭ ‬إيران‭ ‬النووية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التدابير‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة،‭ ‬وبناءً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخطة،‭ ‬أعدّ‭ ‬الموساد‭ ‬قائمة‭ ‬بأسماء‭ ‬15‭ ‬باحثًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬كأهداف‭ ‬للاغتيالات،‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬الأسماء‭ ‬كان‭ ‬مسؤولًا‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬والبرنامج‭ ‬الصاروخي‭ ‬الإيراني‭.‬

وكان‭ ‬أستاذ‭ ‬الفيزياء،‭ ‬المشارك‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬مسعود‭ ‬على‭ ‬محمدي،‭ ‬أول‭ ‬مَن‭ ‬اغتيل‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬يناير‭ ‬2010،‭ ‬حيث‭ ‬قُتل‭ ‬بقنبلة‭ ‬تم‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬زُرعت‭ ‬على‭ ‬دراجة‭ ‬نارية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬وفى‭ ‬29‭ ‬نوفمبر‭ ‬2010،‭ ‬اغتيل‭ ‬مؤسس‭ ‬الجمعية‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬مجيد‭ ‬شهرياري،‭ ‬بقنبلة‭ ‬مغناطيسية‭ ‬مثبتة‭ ‬بسيارته‭ ‬بواسطة‭ ‬راكبي‭ ‬دراجات‭ ‬نارية‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه،‭ ‬نجا‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬فريدون‭ ‬عباسي‭ ‬دواني،‭ ‬بأعجوبة،‭ ‬من‭ ‬مصير‭ ‬مماثل،‭ ‬إذ‭ ‬ثُبِّتَت‭ ‬قنبلة‭ ‬مغناطيسية‭ ‬في‭ ‬سيارته،‭ ‬لكنه‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬القفز‭ ‬منها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنفجر‭.‬

بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬اغتيل‭ ‬طالب‭ ‬الدكتوراة‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬الكهربائية،‭ ‬داريوش‭ ‬رضائي‭ ‬نجاد،‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬2011،‭ ‬حيث‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬مسلحون‭ ‬يستقلون‭ ‬دراجات‭ ‬نارية‭ ‬النار‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬خارج‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬وفى‭ ‬11‭ ‬يناير‭ ‬2012،‭ ‬قُتل‭ ‬المهندس‭ ‬الكيميائي،‭ ‬المشرف‭ ‬في‭ ‬منشأة‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم،‭ ‬مصطفى‭ ‬أحمدي‭ ‬روشان،‭ ‬ومعه‭ ‬سائقه،‭ ‬في‭ ‬انفجار‭ ‬قنبلة‭ ‬مغناطيسية‭ ‬وضعها‭ ‬راكبو‭ ‬دراجات‭ ‬نارية‭ ‬على‭ ‬سيارته‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬طهران‭.‬

لم‭ ‬تكتفِ‭ ‬إسرائيل‭ ‬باغتيال‭ ‬العلماء‭ ‬النوويين؛‭ ‬بل‭ ‬استهدفت‭ ‬شخصيات‭ ‬عسكرية‭ ‬مرموقة‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الإيرانية؛‭ ‬بهدف‭ ‬إضعاف‭ ‬القدرات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدفاعية‭ ‬لإيران،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬عملياتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬حسن‭ ‬طهراني‭ ‬مقدم،‭ ‬الذي‭ ‬يُشار‭ ‬إليه‭ ‬بـ«أبى‭ ‬البرنامج‭ ‬الصاروخي‭ ‬الإيراني‮»‬؛‭ ‬لدوره‭ ‬المحوري‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬قدرات‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬الإيرانية‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬محسن‭ ‬فخري‭ ‬زاده،‭ ‬كبير‭ ‬العلماء‭ ‬النوويين‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الموساد‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬نوفمبر‭ ‬2020‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬طهران،‭ ‬تُعد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬العمليات‭ ‬تعقيدًا‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الموساد‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬حيث‭ ‬استُهدِفَ‭ ‬‮«‬زاده‮»‬‭ ‬باستخدام‭ ‬مدفع‭ ‬رشاش‭ ‬تم‭ ‬التحكم‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬ثُبِّتَ‭ ‬على‭ ‬شاحنة‭ ‬صغيرة،‭ ‬وشُغِّلَ‭ ‬السلاح‭ ‬من‭ ‬مسافة‭ ‬كبيرة،‭ ‬مما‭ ‬يضمن‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬عملاء‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أثناء‭ ‬التنفيذ،‭ ‬واستخدمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الاغتيال‭ ‬تقنية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لتعزيز‭ ‬الدقة،‭ ‬وكانت‭ ‬العملية‭ ‬تتويجًا‭ ‬لسنوات‭ ‬من‭ ‬المراقبة،‭ ‬وجمع‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخبارية‭. ‬وبعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬على‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬زاده‮»‬،‭ ‬اغتال‭ ‬مسلحون‭ ‬على‭ ‬دراجات‭ ‬نارية‭ ‬العقيد‭ ‬حسن‭ ‬صياد‭ ‬خدايي،‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬مايو‭ ‬2022،‭ ‬بطهران،‭ ‬وكان‭ ‬‮«‬خدايي‮»‬‭ ‬شخصية‭ ‬عسكرية‭ ‬إيرانية‭ ‬بارزة،‭ ‬وعضوًا‭ ‬في‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬النخبوية،‭ ‬والذراع‭ ‬العملياتية‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬الإقليمية‭.‬

ماذا‭ ‬يعنى‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬هنية‮»‬‭ ‬في‭ ‬طهران؟‭ ‬حدثت‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬حماس،‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية،‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬يوليو‭ ‬المنصرم،‭ ‬نحو‭ ‬الساعة‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل،‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬إقامته‭ ‬بأحد‭ ‬المساكن‭ ‬الخاصة‭ ‬بقدامى‭ ‬المحاربين‭ ‬شمالي‭ ‬العاصمة‭ ‬طهران،‭ ‬بعد‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬حفل‭ ‬تنصيب‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬الجديد،‭ ‬مسعود‭ ‬بزشكيان،‭ ‬وتكاثرت‭ ‬التكهنات‭ ‬بشأن‭ ‬تفاصيل‭ ‬الاغتيال،‭ ‬وطريقة‭ ‬تنفيذه،‭ ‬والمسؤول‭ ‬عنه،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬نشر‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني،‭ ‬علي‭ ‬خامنئي،‭ ‬بيان‭ ‬تعزية‭ ‬باستشهاد‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية،‭ ‬واعتبر‭ ‬الحادثة‭ ‬انتهاكًا‭ ‬للأراضي‭ ‬الإيرانية،‭ ‬متهمًا‭ ‬النظام‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الإرهابي‭ ‬بالمسؤولة‭ ‬المباشرة‭ ‬عن‭ ‬عملية‭ ‬الاغتيال‭.‬

ولكشف‭ ‬ملابسات‭ ‬العملية،‭ ‬أرجعت‭ ‬بعض‭ ‬التحليلات‭ ‬سبب‭ ‬اختيار‭ ‬إسرائيل‭ ‬طهران‭ ‬لاغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬حماس،‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية،‭ ‬وليس‭ ‬الدوحة‭ ‬التي‭ ‬يقيم‭ ‬بها‭ ‬معظم‭ ‬وقته،‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبب؛‭ ‬أبرزها‭: ‬وضع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬معضلة،‭ ‬ومعرفة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬سترفع‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬العملية،‭ ‬فاختيار‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاغتيال‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬طهران‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هنية‮»‬‭ ‬كان‭ ‬تحت‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأمنية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬بؤرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬كمضيف‭ ‬ومدير‭ ‬ومورد‭ ‬للإرهاب‭. ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬هذا،‭ ‬فإن‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬يدركون‭ ‬طبيعة‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يتسع‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وبدأوا‭ ‬يخشون‭ ‬على‭ ‬مصيرهم،‭ ‬حيث‭ ‬بعث‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬هنية‮»‬‭ ‬رسالة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬استهداف‭ ‬إسرائيل‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬تريد‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬أمر‭ ‬سهل،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬عملية‭ ‬الاغتيال‭ ‬هذه‭ ‬منحت‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬الأمل‭ ‬لاسترجاع‭ ‬ثقة‭ ‬الشارع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بحكومته،‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬تمديد‭ ‬الهدنة،‭ ‬وفشل‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬أسراه‭ ‬لدى‭ ‬حماس،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬حملة‭ ‬شاملة‭ ‬من‭ ‬الاغتيالات‭ ‬على‭ ‬قادة‭ ‬حماس‭ ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لتحقيق‭ ‬الانتصار،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رموزها‭ ‬وقادتها،‭ ‬وإجبارها‭ ‬على‭ ‬الخضوع‭ ‬للمطالب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬صفقة‭ ‬تبادل‭ ‬الأسرى‭.‬

بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬القائمة‭ ‬الطويلة‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الاغتيال‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تنفيذها‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الإيرانية،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬أبرزها‭ ‬العملية‭ ‬الأخيرة‭ ‬لـ«هنية‮»‬،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬مهمتها‭ ‬الأساسية،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬البلاد،‭ ‬واتضح‭ ‬أن‭ ‬الفشل‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬الإيراني‭ ‬وراء‭ ‬مقتل‭ ‬‮«‬هنية‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬لماذا‭ ‬حدث‭ ‬هذا؛‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬تكرس‭ ‬معظم‭ ‬طاقتها‭ ‬لقمع‭ ‬المعارضين،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬استخدامهم‭ ‬كأوراق‭ ‬مساومة‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬انتزاع‭ ‬الاعترافات‭ ‬القسرية‭ ‬من‭ ‬عملاء‭ ‬الموساد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التعذيب‭ ‬يساعد‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أغراضه‭ ‬الدعائية،‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬أداة‭ ‬فعالة‭ ‬لمكافحة‭ ‬التجسس‭ ‬وردع‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬السهولة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بها‭ ‬إسرائيل‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬الإيرانية،‭ ‬والتي‭ ‬كشفت‭ ‬عنها‭ ‬ملابسات‭ ‬اغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬إيران،‭ ‬تستحق‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الدراسة،‭ ‬والتحليل،‭ ‬والتساؤل‭.‬

{‭ ‬باحثة‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية،‭ ‬كلية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا