العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

الوحش الذي ربوه وأطلقوه

قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬كتبت‭ ‬تحليلات‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬تفاقم‭ ‬ظاهرة‭ ‬العداء‭ ‬للعرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬وسط‭ ‬صمت‭ ‬الحكومات،‭ ‬وقلت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬إنه‭ ‬سيأتي‭ ‬يوم‭ ‬وتدفع‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ثمنا‭ ‬فادحا‭ ‬لهذا‭ ‬حين‭ ‬يستفحل‭ ‬خطر‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬وتنقلب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭.‬

هذا‭ ‬بالضبط‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مع‭ ‬التوحش‭ ‬الذي‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬والعنف‭ ‬السافر‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬استقرار‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وحكوماتها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬ذكرت‭ ‬أمس‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬حكومات‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬استفحال‭ ‬خطر‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬والجماعات‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬وما‭ ‬تمارسه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬بلادها‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬وإرهاب‭. ‬

الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بتربية‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭ ‬الكاسر‭ ‬وتغذيته،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬أطلقته‭ ‬ليفتك‭ ‬بها‭ ‬اليوم‭.‬

قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات،‭ ‬بل‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬وظاهرة‭ ‬‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬العداء‭ ‬والكراهية‭ ‬للعرب‭ ‬والإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬تتفاقم‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬وتتخذ‭ ‬مظاهر‭ ‬كثيرة‭ ‬وتكرس‭ ‬العنصرية‭ ‬بأقبح‭ ‬صورها‭.‬

على‭ ‬امتداد‭ ‬هذه‭ ‬السنوات،‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬التقارير‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتابع‭ ‬الظاهرة‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬تحذر‭ ‬من‭ ‬خطرها‭ ‬وتدعو‭ ‬الحكومات‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬لمواجهتها،‭ ‬وتطرح‭ ‬خطوات‭ ‬كثيرة‭ ‬مطلوبة‭ ‬لهذه‭ ‬المواجهة‭.‬

لكن‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬الحكومات‭ ‬تجاهلت‭ ‬هذا‭ ‬التحذير‭ ‬تماما‭ ‬ولم‭ ‬تفعل‭ ‬شيئا‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬قادة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أسهموا‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬إشعال‭ ‬هذا‭ ‬العداء‭ ‬للعرب‭ ‬والإسلام‭ ‬والمسلمين،‭ ‬بتصريحاتهم‭ ‬العنصرية‭ ‬الفجة‭. ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬الحالي‭ ‬مثلا‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬الإساءة‭ ‬للرسول‭ ‬الكريم‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وتهجم‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬وأساء‭ ‬إليه؟

وتركت‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬أجهزة‭ ‬إعلامها‭ ‬تشعل‭ ‬هذا‭ ‬العداء‭ ‬ولم‭ ‬تفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ردعه‭ ‬أو‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬مواقفه‭.‬

الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬كرست‭ ‬العنصرية‭ ‬وقيم‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬ولكن‭ ‬ضد‭ ‬المهاجرين‭ ‬والأقليات‭ ‬الأخرى‭.‬

وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬الطبيعة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم،‭ ‬وما‭ ‬شهدته‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬موجة‭ ‬اعتداءات‭ ‬وعنف‭ ‬وتخريب‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين‭ ‬والمهاجرين‭ ‬عموما‭ ‬وإثارتها‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬كرست‭ ‬العنصرية‭ ‬والكراهية‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬بأبشع‭ ‬الصور‭ ‬بممارستها‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وشن‭ ‬العدوان‭ ‬الهمجي‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬واحتقارها‭ ‬لحياة‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

من‭ ‬أفغانستان‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬راح‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬الأبرياء‭ ‬ضحية‭ ‬العدوان‭ ‬الهمجي‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬تبرير‭ ‬هذه‭ ‬الهمجية‭ ‬أمام‭ ‬شعوبها،‭ ‬وكرست‭ ‬لديها‭ ‬بالتالي‭ ‬قيم‭ ‬الاحتقار‭ ‬للبشر‭ ‬وأبشع‭ ‬صور‭ ‬العنصرية‭ ‬والتمييز‭.‬

هذه‭ ‬الهمجية‭ ‬الغربية‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الذروة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬غزة‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬ولا‭ ‬تزال،‭ ‬شريكا‭ ‬كاملا‭ ‬للكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يرتكبه‭ ‬من‭ ‬جرائم،‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬تبرر‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المشين‭ ‬لشعبها،‭ ‬وتصور‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ضحايا‭ ‬الحرب‭.‬

هناك‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬لمسؤولية‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬منها‭ ‬مثلا‭ ‬الظلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬لمناقشتها‭ ‬تفصيلا‭ ‬هنا‭.‬

لكن‭ ‬عموما،‭ ‬كما‭ ‬نرى،‭ ‬فإن‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بمواقفها‭ ‬وسياساتها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬الطويلة‭ ‬الماضية‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬سوى‭ ‬خدمة‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬العنيف‭ ‬وخدمة‭ ‬برامجه‭ ‬وأجندته‭ ‬السياسية‭ ‬العنصرية‭ ‬العنيفة‭ ‬والمتطرفة‭. ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬حق‭ ‬أن‭ ‬تشكو‭ ‬اليوم‭ ‬مما‭ ‬تفعله‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬بها‭.‬

والأمر‭ ‬العجيب‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ورغم‭ ‬إعلان‭ ‬حكوماتها‭ ‬نفسها‭ ‬خوفها‭ ‬الشديد‭ ‬مما‭ ‬يجري‭ ‬ومن‭ ‬احتمالات‭ ‬تصاعد‭ ‬الوضع‭ ‬بشكل‭ ‬خطير‭ ‬يهدد‭ ‬البلاد،‭ ‬فإنها‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬إنكار‭ ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تعترف‭ ‬بالأسباب‭ ‬الحقيقية‭ ‬لتوحش‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬اليمينية‭ ‬ولا‭ ‬بمسؤوليتها‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

وطالما‭ ‬استمر‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬توقع‭ ‬استفحال‭ ‬الخطر‭ ‬اليميني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مستقبلا،‭ ‬وسيبقى‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬مفتوحا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاحتمالات‭ ‬الخطيرة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا