يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
الوحش الذي ربوه وأطلقوه
قبل سنوات، كتبت تحليلات كثيرة عن تفاقم ظاهرة العداء للعرب والمسلمين في أمريكا والدول الأوروبية وسط صمت الحكومات، وقلت أكثر من مرة إنه سيأتي يوم وتدفع فيه هذه الدول ثمنا فادحا لهذا حين يستفحل خطر القوى والجماعات اليمينية المتطرفة وتنقلب على المجتمع والدولة.
هذا بالضبط هو ما يحدث اليوم في هذه الدول مع التوحش الذي وصلت إليه القوى والجماعات اليمينية المتطرفة والعنف السافر الذي تمارسه، الأمر الذي يهدد استقرار هذه الدول وحكوماتها على نحو ما ذكرت أمس.
حقيقة الأمر أن حكومات الدول الغربية هي المسؤولة عن استفحال خطر هذه القوة والجماعات اليمينية المتطرفة وما تمارسه اليوم في بلادها من عنف وإرهاب.
الحكومات الغربية هي التي قامت بتربية هذا الوحش الكاسر وتغذيته، وهي التي أطلقته ليفتك بها اليوم.
قبل كل شيء، على امتداد السنوات، بل العقود الماضية، وظاهرة «الإسلاموفوبيا»، أي العداء والكراهية للعرب والإسلام والمسلمين تتفاقم يوما بعد يوم وتتخذ مظاهر كثيرة وتكرس العنصرية بأقبح صورها.
على امتداد هذه السنوات، كانت حتى التقارير الرسمية في هذه الدول التي كانت تتابع الظاهرة بشكل دوري تحذر من خطرها وتدعو الحكومات إلى التدخل لمواجهتها، وتطرح خطوات كثيرة مطلوبة لهذه المواجهة.
لكن الذي حدث أن الحكومات تجاهلت هذا التحذير تماما ولم تفعل شيئا. ليس هذا فحسب، بل إن قادة هذه الدول أسهموا مباشرة في إشعال هذا العداء للعرب والإسلام والمسلمين، بتصريحاتهم العنصرية الفجة. ألم يكن الرئيس الفرنسي الحالي مثلا هو الذي اعتبر أن الإساءة للرسول الكريم جزءا من حرية التعبير، وتهجم على الإسلام وأساء إليه؟
وتركت الحكومات الغربية أجهزة إعلامها تشعل هذا العداء ولم تفعل أي شيء من أجل ردعه أو دفعه إلى تغيير مواقفه.
الحكومات الغربية كرست العنصرية وقيم العنف والتطرف ليس فقط ضد العرب والمسلمين، ولكن ضد المهاجرين والأقليات الأخرى.
وكانت النتيجة الطبيعة هي ما يحدث اليوم، وما شهدته دولة مثل بريطانيا من موجة اعتداءات وعنف وتخريب ضد المسلمين والمهاجرين عموما وإثارتها الفوضى في البلاد.
الأمر الآخر أن هذه الدول الغربية كرست العنصرية والكراهية في مجتمعاتها بأبشع الصور بممارستها هي نفسها الإرهاب في الخارج وشن العدوان الهمجي على دول وشعوب واحتقارها لحياة البشر في العالم.
من أفغانستان إلى العراق وغيرهما من الدول، راح ملايين البشر الأبرياء ضحية العدوان الهمجي للدول الغربية التي لم تتردد في تبرير هذه الهمجية أمام شعوبها، وكرست لديها بالتالي قيم الاحتقار للبشر وأبشع صور العنصرية والتمييز.
هذه الهمجية الغربية وصلت إلى الذروة مع ما فعلته في حرب إبادة غزة. كانت هذه الدول، ولا تزال، شريكا كاملا للكيان الإسرائيلي في كل ما يرتكبه من جرائم، ومرة أخرى هي تبرر هذا الموقف المشين لشعبها، وتصور له أن ما تسميه حماية إسرائيل والدفاع عنها أهم من حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين ضحايا الحرب.
هناك جوانب أخرى لمسؤولية الحكومات الغربية عما يجري منها مثلا الظلم الاجتماعي الذي تتعرض له قطاعات واسعة في مجتمعاتها لا يتسع المجال لمناقشتها تفصيلا هنا.
لكن عموما، كما نرى، فإن أمريكا والدول الأوروبية بمواقفها وسياساتها على هذا النحو على امتداد السنوات الطويلة الماضية وحتى اليوم لم تفعل سوى خدمة اليمين المتطرف العنيف وخدمة برامجه وأجندته السياسية العنصرية العنيفة والمتطرفة. وليس لها حق أن تشكو اليوم مما تفعله هذه القوى والجماعات بها.
والأمر العجيب أنه رغم كل ما يجري في هذه الدول ورغم إعلان حكوماتها نفسها خوفها الشديد مما يجري ومن احتمالات تصاعد الوضع بشكل خطير يهدد البلاد، فإنها مازالت في حالة إنكار ولا تريد أن تعترف بالأسباب الحقيقية لتوحش هذه الجماعات اليمينية ولا بمسؤوليتها عن ذلك.
وطالما استمر الوضع على هذا النحو، فليس من الصعب توقع استفحال الخطر اليميني في هذه الدول مستقبلا، وسيبقى هذا الخطر مفتوحا على كل الاحتمالات الخطيرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك