بعد مواجهات وصدامات عنيفة استمرت على مدار أكثر من شهر بين طلاب الجامعات ورجال الشرطة في دكا العاصمة البنغلاديشية راح ضحيتها المئات من القتلى والآلاف من الجرحى احتجاجا على نظام الحصص في الوظائف الحكومية العامة والذي أقرته المحكمة العليا رغم المعارضة الشعبية الشديدة والذي بموجبه تم تخصيص 30% من الوظائف لعائلات المحاربين الذين قاتلوا من أجل الاستقلال ضد باكستان في بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث حولت هذه الاحتجاجات العاصمة دكا إلى ساحة للمنازلة بين الطلاب المحتجين وقوات الشرطة رغم قيام السلطات بتعطيل خدمة الإنترنت والرسائل النصية وإغلاق الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية العامة والخاصة وفرض حظر التجول في عموم البلاد على حد سواء، الا ان كل هذه الإجراءات لم تسهم في وقف الاحتجاجات وإعادة الهدوء إلى الشارع البنغلاديشي الذي انتفض ضد قرار المحكمة العليا فكانت إرادة الشعب أقوى من كل هذه الإجراءات التي تم اتخاذها، ما أجبر رئيسة الوزراء الشيخة حسينة إلى الهروب والفرار إلى الهند بطائرة هليكوبتر رغم فوزها بولاية رابعة على التوالي في الانتخابات الأخيرة التي جريت في يناير الماضي.
لقد تسبب قرار المحكمة العليا في 5 يوليو الماضي الذي قضى إلى العودة لنظام الحصص في الوظائف الحكومية العامة كما أسلفنا في إشعال فتيل الاحتجاجات حيث ان هذا النظام يلاقي معارضة شديدة من الأغلبية العظمى من المواطنين في بلد يعاني أصلا من البطالة باعتباره نظاما غير منصف يميز بين المواطنين، وخصوصاً ان الوظيفة الحكومية أكثر استقرارا وأعلى راتبا مقارنة برواتب القطاع الخاص.
كما ان تصريحات رئيسة الوزراء الشيخة حسينة التي ادلت بها، التي اعتبرت بمثابة موافقة حكومية على النظام، والتي قالت فيها «لماذا يشعر المحتجون بهذا القدر من الاستياء تجاه مقاتلين من أجل الحرية؟»، كما وصفت المحتجين على النظام بأنهم احفاد «رضا كار» وهو وصف يستخدم لوصف الأشخاص الذين تعاونوا مع الجيش الباكستاني فكانت هذه التصريحات التي زادت من غضب الشارع والاستياء بمثابة تحول في مسار الاحتجاجات والحشد ضد رئيسة الوزراء الشيخة حسينة انتهت بفرارها إلى الهند.
والآن بعد فرار رئيسة الوزراء وحل البرلمان واختيار محمد يونس لرئاسة الحكومة الانتقالية هل بإمكان هذا الخبير الاقتصادي البالغ من العمر 84 عاما والحائز جائزة نوبل للسلام والمعروف بمواقفه الإنسانية والمبدئية إخراج بنغلاديش من أزمتها مثلما استطاع اخراج الملايين من البنغلاديشيين من الفقر بفضل بنكه الإنساني «بنك الفقراء» الذي مول المشاريع الصغيرة؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة التي يعيشها الغالبية العظمى من المواطنين وهي تحديات كبيرة من أهمها:
1- التحدي الأمني وكيفية استعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد خصوصا بعد الاشتباكات التي وقعت بين الأقلية الهندوسية التي ساندت رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة والأغلبية المسلمة مما قد يؤدي إلى صراع ديني يهدد أمن البلاد واستقرارها.
2- دور الجيش خلال الفترة الانتقالية هل سيكون له دور في المرحلة القادمة إذا ما اخذنا بعين الاعتبار دوره في إزاحة الشيخة حسينة بعد ان رفض قمع المحتجين في ظل وجود حكومة مدنية.
3- التحدي الاقتصادي، رغم تحقيق بنغلاديش نموا قدره 6% خلال السنوات القليلة الماضية، فإن موجة الاحتجاجات ادت إلى اغلاق اعداد كبيرة من المصانع، وخصوصا مصانع الألبسة التي تشتهر بها بنغلاديش.
4- البطالة خصوصا بين الشباب والتي وصلت الى نسب عالية جدا 30% مما يتطلب تنفيذ مشاريع جديدة قادرة على استيعاب الشباب لان القطاع الحكومي مهما وظف فلن يستوعب كل العاطلين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك