حدثان أمريكيان لكل منهما دلالاته بالنسبة إلى فلسطين. أول الحدثين كان نجاح لوبي إسرائيل في هزيمة واحدة من أكثر أعضاء الكونجرس مناصرة لغزة وقضية فلسطين عمومًا. أما الثاني فكان اختيار كمالا هاريس لتيم والز لمنصب نائب الرئيس.
فهزيمة النائبة التقدمية كورى بوش خسارة حقيقية لفلسطين، فهي طوال فترة عضويتها بالكونجرس كانت مناصرة لحقوق الفلسطينيين، وضمن أقلية وصفت إسرائيل علنًا بـ«دولة فصل عنصري». وكانت أول مَن دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة، ودعمت بقوة احتجاجات الجامعات والشوارع ضد الإبادة الجماعية في غزة. ولذلك استهدفها لوبي إسرائيل، فقد وقع اختياره على منافس، وأقنعه بخوض المعركة لمنافسة «بوش» في دائرتها، مع وعود بمساندة قوية لهزيمتها. وبالفعل، أنفق اللوبي 9 ملايين دولار على حملة ذلك المنافس، ناهيك عن الأموال غير المعلنة. وقد أدار المنافس حملة تعمدت ألا تذكر غزة أصلًا، وركزت بالمطلق على سجل «بوش» في القضايا الداخلية، مستخدمة التلفيق العمدي لإقناع الناخبين بأن النائبة «بوش» لا تعبر عن مصالحهم، فالحملة استغلت تعقيدات العملية التشريعية بالكونجرس، والتي تنطوي على مفاوضات صعبة وتوفيقات، فضلًا عن أكثر من تصويت على مشروع القانون الواحد. وتلك التعقيدات معناها أن انتقاء واحدة فقط من تلك المراحل بمعزل عن الأخرى، واتهام النائبة بأنها فعلت كذا أو لم تفعل، يمثل تلفيقًا واضحًا. لكن لأن أغلبية الأمريكيين لا يفهمون أصلًا تلك العملية المعقدة، فإن التلفيق ينطلي عليهم. غير أن نجاح اللوبي في هزيمة بوش له دلالة أخرى، هي الأهم على الإطلاق، فلجوء اللوبي إلى عدم ذكر غزة أصلًا، بل لإنفاق مذهل لهزيمة نائبة واحدة، معناه أن قوته في انحسار لا في تزايد!
أما الحدث الثاني، فكان اختيار تيم والز لمنصب نائب الرئيس، فـ«والز» كان نائبًا بالكونجرس قبل توليه منصب حاكم ولاية مينيسوتا. واختيار هاريس لـ«والز» معناه أنها تعلم جيدًا أنه يستحيل فوزها بالرئاسة من دون القطاعات التي تمثل قاعدة الحزب الانتخابية، والتي خسر بايدن بعضها لأسباب شتى، منها موقفه من غزة. واختيار «والز» التقدمي رسالة إلى تلك القطاعات مؤداها أن «هاريس» تفهم أهمية أصواتهم وتسعى لجذبها، فهو من أكثر حكام الولايات دعمًا للحق في الانضمام إلى الاتحادات العمالية والمهنية. والعمال واتحاداتهم قطاع مهم للغاية، وإن لم يعد مضمونًا للحزب الديمقراطي بسبب اعتماد الحزب على أموال الشركات العملاقة وكبار الأثرياء. و«والز» مناصر للمرأة والأقليات، وبرز دعمه القوى لحقوق السود حينما قُتل جورج فلويد في ولاية هو حاكمها، فكان داعمًا للسود، بل لاحتجاجاتهم وقتها. أما بالنسبة إلى فلسطين، فمن بين مَن ذُكرت أسماؤهم لتولي المنصب، يظل «والز» أفضل الخيارات، فبينما أدان ما جرى في 7 أكتوبر فإنه، وعلى عكس أغلبية حكام الولايات الديمقراطيين، لا فقط الجمهوريين، قال علنًا إنه يحترم احتجاجات الطلاب، مؤكدًا أن ما يحدث في غزة «غير محتمل». وسِجِلّ «والز»، حين كان بالكونجرس، يشير إلى تكرار مناهضته حروب أمريكا عمومًا، إلا أنه لا يجوز مطلقًا القول إن أصوات المناصرين لغزة كانت العامل وراء اختيار «والز». صحيح أن الرجل تقدمي، إلا أنه كحاكم ولاية لم يكن مطالبًا بتفصيل موقفه من الإبادة. لكن تظل الدلالة الأهم على الإطلاق لاختيار «والز» أنه يكشف عن أن «هاريس» رضخت لضغوط التيار التقدمي في الحزب. وهي، بالمناسبة، المرة الأولى منذ نصف القرن التي يُختار فيها تقدمي لهذا المنصب، مما يمثل تحولًا نوعيًّا. ومن هنا، سيتوقف الكثير على حجم الضغوط التي سيمارسها أنصار غزة على حملة «هاريس» وانتزاع تعهدات بعينها، الآن وليس بعد فوزها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك