العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«مشاريع الشهادة».. وعدالة القضية الفلسطينية

بقلم: أسعد عبدالرحمن

الأحد ١٨ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬سياسة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التكتيكية‭ ‬وبهذه‭ ‬الوتيرة‭ ‬المتسارعة‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬ومسألة‭ ‬موجهة‭ ‬للاستهلاك‭ ‬الداخلي،‭ ‬وتأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إنجازات‭ ‬ولو‭ ‬شكلية،‭ ‬تحتاج‭ ‬إليها‭ ‬حكومة‭: ‬نتنياهو‭-‬بن‭ ‬غفير‭- ‬سموتريتش‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬بحثها‭ ‬عن‭ ‬جوانب‭ ‬استعراضية،‭ ‬تجعلها‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬انتصار‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬الأرض‭!‬،‭ ‬ضاربة‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬والقوانين‭ ‬والأعراف‭ ‬الدولية‭ ‬بعرض‭ ‬الحائط،‭ ‬بدعم‭ ‬أمريكي‭ ‬وصمت‭ ‬غربي‭ ‬مريب‭. ‬سياسة‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬أي‭ ‬فائدة،‭ ‬ولا‭ ‬تخدم‭ ‬أي‭ ‬غرض‭ ‬سياسي،‭ ‬بل‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬العنف‭ ‬وتعقيد‭ ‬الأمور‭ ‬ووقف‭ ‬المفاوضات‭ ‬المتعثرة‭ ‬أصلا‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المقصود‭ ‬عند‭ (‬نتنياهو‭)‬،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬دفع‭ ‬الأمور‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬إقليمية‮»‬‭ ‬تخوض‭ ‬غمارها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نيابة‭ ‬ودفاعا‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭!‬

اغتيال‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬وتقوم‭ ‬بها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وبالطبع،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬الأخير‭! ‬وقد‭ ‬لجأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تتوهم‭ ‬بدافع‭ ‬غرورها‭ ‬وجبروتها‭ ‬وصلفها‭ ‬أنه‭ ‬يمكنها‭ ‬كسر‭ ‬إرادة‭ ‬المقاومة‭ ‬بواسطة‭ ‬هذا‭ ‬النهج؛‭ ‬لكن‭ ‬المقاومة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬دفعت‭ ‬بقادة‭ ‬جدد‭ ‬لا‭ ‬يقلون‭ ‬عن‭ ‬سابقيهم‭ ‬ذكاء‭ ‬ومهارة‭ ‬وتنظيما‭ ‬وبأسا‭.‬

هذه‭ ‬السلسلة‭ ‬من‭ ‬الاغتيالات‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬المتغطرس‭ ‬ورأيه‭ ‬العام‭ ‬المخدوع‭ ‬يصدقانها‭ ‬بسهولة‭ ‬ويؤمنان‭ ‬بنجاعتها،‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة،‭ ‬ليس‭ ‬أقلها‭ ‬انفصالهما‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭. ‬لذا،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬أي‭ ‬طائل‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬تصحيح‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬المغلوط‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬المتعصب‭ ‬بسبب‭ ‬أيديولوجيته‭ ‬الصهيونية‭ ‬المنحرفة‭ ‬المنتجة‭ ‬للأوهام؛‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬قتل‭ ‬القادة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬‮«‬الفكرة‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬قتل‭ ‬الأطفال‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخلصهم‭ ‬من‭ ‬عدو‭ ‬مستقبلي‭ ‬مفترض‭!‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬مثلت‭ ‬فيه‭ ‬سياسة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬الإسرائيلية‭ -‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬النادرة‭ ‬جدا‭- ‬نجاحا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬خارجا‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬تشمل‭ ‬قدرات‭ ‬استخباراتية‭ ‬وتنفيذية‭ ‬وترمم‭ ‬نسبيا‭ ‬سياسة‭ ‬الردع‭ ‬المتهالكة‭ ‬خاصتهم،‭ ‬وأدت‭ ‬أحيانا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬معينة‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬تنظيمات‭ ‬فلسطينية‭ ‬صغيرة‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬منظمة‭ ‬أيلول‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬السياسة‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬تاريخيا‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬جماعات‭ ‬لها‭ ‬حواضن‭ ‬اجتماعية‭ ‬وشعبية‭ ‬وجذور‭ ‬عميقة‭ ‬تتيح‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬ضم‭ ‬أعضاء‭ ‬جدد،‭ ‬وتقدم‭ ‬أصحاب‭ ‬الخبرة‭ ‬والكفاءات‭ ‬والتاريخ‭ ‬النضالي‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬إلى‭ ‬الصف‭ ‬الاول‭ ‬لتعويض‭ ‬هذا‭ ‬التغييب‭ ‬والفقدان،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬لدى‭ ‬حركتي‭ ‬فتح‭ ‬وحماس‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬أو‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يخلص‭ ‬رونين‭ ‬بيرغمان‭ ‬الصحفي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الموسوعي‭: (‬انهض‭ ‬واقتل‭ ‬أولاً‭: ‬التاريخ‭ ‬السري‭ ‬للاغتيالات‭ ‬الإسرائيلية‭) ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬نجحت‭ ‬آنيا‭ ‬في‭ ‬إزالة‭ ‬تهديدات‭ ‬مباشرة‭ ‬محددة‭ ‬لكنها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬حل‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬لمعضلة‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬يوما‭ ‬بديلاً‭ ‬عمليًا‭ ‬للمفاوضات‭ ‬والتسوية‭ ‬الدبلوماسية‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬التجارب‭ ‬أثبتت‭ ‬انه‭ ‬كلما‭ ‬أمعنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬قصيرة‭ ‬النظر‭ ‬أكثر،‭ ‬كان‭ ‬الخط‭ ‬البياني‭ ‬للمقاومة‭ ‬إلى‭ ‬صعود،‭ ‬كيف‭ ‬لا،‭ ‬وكل‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬واللبنانية‭ ‬وغيرهما‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬من‭ ‬الثبات‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬والإرث‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬والوجداني‭ ‬الكبير‭ ‬والقدر‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬المظلومية،‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬الاستعداد‭ ‬للتضحية‭ ‬والجلد‭ ‬والثبات‭ ‬والمثابرة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التحمل‭. ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يفهمه‭ ‬أعداء‭ ‬الأمة‭ ‬أن‭ ‬اغتيال‭ ‬الأبطال‭ ‬والقادة‭ ‬هو‭ ‬مثل‭ ‬تفجير‭ ‬قنبلة‭ ‬من‭ ‬الديناميت،‭ ‬سيزيد‭ ‬من‭ ‬تسعُّر‭ ‬نار‭ ‬الثورة‭ ‬بشكل‭ ‬تصاعدي‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الجيل‭ ‬الشاهد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الاستشهاد‭ ‬الذين‭ ‬يروون‭ ‬أرض‭ ‬النضال‭ ‬بدمائهم،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬وطن‭ ‬المقاومة‭ ‬أرضاً‭ ‬خصبة‭ ‬لنمو‭ ‬قادة‭ ‬جدد،‭ ‬فكل‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬عملية‭ ‬زرع‭ ‬لبذرة‭ ‬جديدة،‭ ‬تنبت‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬القادة،‭ ‬فالشهداء‭ ‬كانوا‭ ‬مشاريع‭ ‬شهادة‭ ‬وهم‭ ‬أحياء،‭ ‬وهم‭ ‬الآن‭-‬بقوة‭ ‬الانموذج‭ ‬الذي‭ ‬يرسخّونه‭- ‬أصبحوا‭ ‬أحياء‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬شهداء‭!‬

وعليه،‭ ‬ستظل‭ ‬عدالة‭ ‬القضية،‭ ‬ووجود‭ ‬الحواضن‭ ‬الفكرية‭ ‬والشعبية،‭ ‬عوامل‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الشخصيات‭ ‬المغتالة‭ ‬إلى‭ ‬رموز‭ ‬للنضال‭ ‬والمقاومة،‭ ‬والسير‭ ‬على‭ ‬نهجهم،‭ ‬حتى‭ ‬هزيمة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الاستيطاني‭/ ‬الاستعماري،‭ ‬وإعادة‭ ‬الحقوق‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬الشرعيين،‭ ‬طال‭ ‬الزمن‭ ‬أم‭ ‬قصر‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا