الآيات ثلاث -كما يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي- آيات كونية، وآيات قرآنية، وآيات معجزات، أما الآيات الكونية، فنجدها في قوله تعالى: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (١٧) وإلى السماء كيف رفعت (١٨) وإلى الجبال كيف نصبت (١٩) وإلى الأرض كيف سطحت (٢٠)» سورة الغاشية. والسؤال بصيغة «كيف» يستفز العقل الراشد، فيصل من خلال تدبره لهذه الآيات إلى أن هذه أسئلة ليست بسيطة، بل هي أسئلة عميقة تقدم منهجًا في البحث العلمي يتوسل به الإنسان إلى معنى الوجود من حوله لإدراك مقاصد هذه الآيات، ويتساءل عن الحكمة من وراء خلق هذه المخلوقات على هذه الهيئة، فالشمس التي تضيئ هذه الأكوان، وتملؤها دفئًا ونورًا كيف رفعها الله تعالى على هذه الهيئة حيث جعلها سقفًا محفوظًا رُغمَ انها تبدو للناظر إليها كأنها بغير عمد، يقول تعالى: «وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا وهم عن آياتها معرضون» الأنبياء/٣٢.
والسؤال الذي قد يثور أمام هذا البيان الإلهي المعجز هو: ما الذي جعلها على هذه الهيئة حيث يشعر الإنسان فيها بالأمان والاطمئنان، فنتنبه إلى قوله سبحانه: «والسماء رفعها ووضع الميزان (٧) ألا تطغوا في الميزان (٨) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (٩)» سورة الرحمن.
هذا التلازم العجيب بين السماء في علوها وشموخها وبين الميزان كأداة لضبط العلاقات بين المخلوقات، والتي يستلزم السؤال عنها لمعرفة أسرارها، ويصبح السؤال بـ«كيف»، وليس بـ«لماذا» لأن السؤال بـ(لماذا) يفيد معرفة الغاية من خلق هذه المخلوقات، وهذه قد يفهمها كثير من الناس حتى من لهم شيء قليل من المعرفة أما السؤال بـ(كيف) فهو يحتاج إلى إرث علمي يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد.
أما الآيات القرآنية، فقد سبق أن قلنا: إنها تدور حول الأحكام الفقهية نجد ذلك واضحًا في سورة النور في قوله تعالى: «سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون» سورة النور/١. ثم تستفيض السورة الجليلة في ذكر الأحكام الفقهية في الحلال والحرام مما ينتج عنها، ويتحقق من خلالها نظامًا كاملًا يجعل الحياة أيسر لتحقيق نظام أسري سليم، وهناك الكثير من السور والآيات المبثوثة في هذا القرآن الكريم مثل سورة النساء وسورة الطلاق وسورة الأنعام، يقول تعالى: «الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون» الأنعام / ١. ثم يتلو ذلك الحديث عن حقيقة الإنسان وكيفية خلقه، ثم تتوالى الآيات عن معالم الصراط الذي تأمرنا السورة باتباعه وعدم التفريط فيه، يقول تعالى: «قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (١٥١) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسًا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون (١٥٢) وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (١٥٣)» سورة الأنعام.
أما عن أعلام الصراط الذين لم تفصلهم سورة الفاتحة بل أجملتهم في آيتين قد تكفلت واحدة أية في سورة النساء في قوله تعالى: «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أوليك رفيقا» النساء / ٦٩.
ونختم بحديثنا عن الآيات المعجزات التي أجراها الله تعالى على أيدي رسله الكرام لإثبات صدق بلاغهم عن الله تعالى، وسنكتفي بذكر ثلاث معجزات: معجزة نبي الله نوح الذي صنع السفينة وأنقذ بها قومه، أما معجزة نبي الله موسى، فهي شق البحر فجعل منه نبي الله موسى طريقًا في البحر يبسا، والمعجزة الثالثة، معجزة الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي تحدى بها الإنس والجن، ولا يزال التحدي بها قائمًا وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
لقد نجا الله تعالى نبيه إبراهيم حين ألقاه قومه في النار، ولقد نجا الله تعالى موسى وبني إسرائيل من الغرق وقضى على فرعون وجنده بالغرق، فأنقذ وأهلك بالماء، وتأملوا الإعجاز في نجاة إبراهيم في قوله تعالى «قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم» ولو لم يقل الحق سبحانه يا نار كوني بردًا لمات سيدنا إبراهيم من شدة البرد، وتأملوا كذلك في قصة موسى أن الحق سبحانه وتعالى لم يقل: فاضرب لهم طريقًا في البحر، بل قال: «طريقًا يبسا» لأن أصل الطريق أنه بحر وبالتالي لا بد أن يكون يابسًا حتى لا يهلك موسى وقومه في الطين، فكان لا بد أن يكون الطريق لا ليونة ولا رخاوة فيه!
أما معجزة نبي الله محمد (صلى الله عليه وسلم) فهي معجزة خالدة باقية خلود الزمان واللازمان، وسوف تكون مصدرًا من مصادر المعرفة، وقبسًا مشعًا من أنوار الوحي لا ينتهي عطاؤها بتعاقب الحدثان الليل والنهار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك