العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قانون الأحوال الشخصية في العراق - تعزيز للحقوق أم تراجع عن المكتسبات؟

بقلم: د. نبيلة رجب

الجمعة ١٦ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

أثارت‭ ‬سلسلة‭ ‬التعديلات‭ ‬المقترحة‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬جدلا‭ ‬واسعا‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأطياف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والقانونية‭. ‬بينما‭ ‬عبّر‭ ‬البعض‭ ‬عن‭ ‬قلقهم‭ ‬حيال‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬التعديلات‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬رأى‭ ‬آخرون‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تمثل‭ ‬تطوراً‭ ‬إيجابيا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تماسك‭ ‬الأسرة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتماد‭ ‬نصوص‭ ‬دينية‭ ‬والرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مرجعيات‭ ‬مذهبية‭ ‬لحل‭ ‬المسائل‭ ‬الأسرية‭. ‬جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭ ‬يعكس‭ ‬تباينا‭ ‬عميقا‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الأسرة‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬التعديلات‭.‬

من‭ ‬التعديلات‭ ‬المثيرة‭ ‬للجدل‭ ‬اعتماد‭ ‬سن‭ ‬البلوغ‭ ‬للفتيات‭ ‬عند‭ ‬تسع‭ ‬سنوات‭ ‬وإلغاء‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬لسن‭ ‬الزواج‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬عاما‭. ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬لزواج‭ ‬الفتيات‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬قلقا‭ ‬واسعا‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبلهن،‭ ‬ويتعارض‭ ‬مع‭ ‬التزامات‭ ‬العراق‭ ‬الدولية،‭ ‬وخاصة‭ ‬اتفاقية‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل‭. ‬ويرى‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬القانونيين‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يشكل‭ ‬تحديا‭ ‬لحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الفتيات،‭ ‬ويتطلب‭ ‬دراسة‭ ‬متأنية‭ ‬لضمان‭ ‬توافق‭ ‬التشريعات‭ ‬مع‭ ‬المعايير‭ ‬الإنسانية‭.‬

إحدى‭ ‬النقاط‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬التساؤلات‭ ‬هي‭ ‬ربط‭ ‬النفقة‭ ‬الزوجية‭ ‬بشروط‭ ‬محددة،‭ ‬مثل‭ ‬ضرورة‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬الزوجية‭ ‬وأخذ‭ ‬إذن‭ ‬الزوج‭ ‬للخروج،‭ ‬وأيضا‭ ‬شرط‭ ‬‮«‬الاستمتاع‮»‬‭ ‬لاستحقاق‭ ‬النفقة‭. ‬يُشير‭ ‬هذا‭ ‬الشرط‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬تلبية‭ ‬الزوجة‭ ‬واجباتها‭ ‬الزوجية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الطاعة‭ ‬والمساكنة‭ ‬الزوجية،‭ ‬حتى‭ ‬تستحق‭ ‬النفقة‭. ‬أي‭ ‬إذا‭ ‬امتنعت‭ ‬الزوجة‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬هذه‭ ‬الواجبات،‭ ‬قد‭ ‬تُحرم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭. ‬هذه‭ ‬المتطلبات‭ ‬قد‭ ‬تثير‭ ‬قلقا‭ ‬بشأن‭ ‬إنصاف‭ ‬المرأة‭ ‬واحترام‭ ‬إنسانيتها،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تحولات‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬نحو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭. ‬

توجه‭ ‬التشريع‭ ‬الجديد‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬المرجعية‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬الفجوات‭ ‬التشريعية‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭. ‬حيث‭ ‬ينبه‭ ‬بعض‭ ‬المختصين،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬أحكام‭ ‬فقهية‭ ‬مختلف‭ ‬عليها‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬مدني‭ ‬موحد‭ ‬قد‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تعقيد‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية،‭ ‬ويؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬الأفراد،‭ ‬خصوصا‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭. ‬لذلك‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬الى‭ ‬تحليل‭ ‬شامل‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬لتجنب‭ ‬أي‭ ‬تأثيرات‭ ‬سلبية‭ ‬غير‭ ‬محمودة‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬هذا‭ ‬السجال،‭ ‬شكلت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬البرلمان‭ ‬العراقي‭ ‬كتلة‭ ‬معارضة،‭ ‬تسعى‭ ‬لحماية‭ ‬الأسرة‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬التداعيات‭ ‬المحتملة‭ ‬لهذه‭ ‬التعديلات‭. ‬ورغم‭ ‬هذه‭ ‬الجهود،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬القانونية‭ ‬والبيانات‭ ‬الإحصائية‭ ‬لدعم‭ ‬مواقف‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭. ‬يساهم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬صورة‭ ‬متوازنة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬حول‭ ‬تأثيرات‭ ‬التعديلات‭ ‬المقترحة‭.‬

النائبة‭ ‬البرلمانية‭ ‬العراقية‭ ‬عالية‭ ‬نصيف،‭ ‬من‭ ‬الكتلة‭ ‬المعارضة‭ ‬للتعديلات،‭ ‬شددت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬رقم‭ ‬188‭ ‬لسنة‭ ‬1959،‭ ‬والمعمول‭ ‬به‭ ‬حالياً،‭ ‬يستمد‭ ‬جوهره‭ ‬من‭ ‬أحكام‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لكنه‭ ‬صُمم‭ ‬بعناية‭ ‬ليكون‭ ‬قانونا‭ ‬مدنيا‭ ‬موحدًا‭ ‬يعكس‭ ‬تنوع‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬ويحمي‭ ‬حقوق‭ ‬الأسرة‭. ‬وأكدت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬مواد‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬لحماية‭ ‬حقوق‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬مثل‭ ‬الوصية‭ ‬الواجبة‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬حقوق‭ ‬الأحفاد‭ ‬المتوفى‭ ‬والدهم‭ ‬في‭ ‬ميراث‭ ‬جدهم،‭ ‬وحق‭ ‬الزوجة‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لديها‭ ‬أبناء‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الضرورية‭ ‬لاستقرار‭ ‬الأسرة‭. ‬وأوضحت‭ ‬نصيف‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تراجع‭ ‬عن‭ ‬مكتسبات‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬سيكون‭ ‬نكسة‭ ‬خطيرة‭ ‬للحقوق‭ ‬التي‭ ‬ناضل‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬طويلا‭ ‬لتحقيقها،‭ ‬ويمثل‭ ‬خطوة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬العدالة‭ ‬والمساواة‭.‬

يظل‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬أمام‭ ‬العراق‭ ‬هو‭ ‬صياغة‭ ‬قوانين‭ ‬تعكس‭ ‬تطلعات‭ ‬المجتمع‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬يضمن‭ ‬الإنصاف‭ ‬للأسرة‭ ‬كاملة‭. ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تلبي‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬طموح‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬المتنوع،‭ ‬وتأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬التطورات‭ ‬والمراحل‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬ويمر‭ ‬بها‭. ‬فعليه‭ ‬فالتعديلات‭ ‬المقترحة‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬تتطلب‭ ‬نقاشا‭ ‬هادئا‭ ‬وجادا‭ ‬مستندا‭ ‬إلى‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تأثيرات‭ ‬تُعيده‭ ‬إلى‭ ‬ممارسات‭ ‬قديمة‭ ‬لا‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭.‬

حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬والطفل‭ ‬ليست‭ ‬أمراً‭ ‬هامشيا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬سليم‭ ‬ومستقر‭. ‬فأي‭ ‬تعديل‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يراعي‭ ‬ذلك،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تقدم‭ ‬حقيقي‭ ‬دون‭ ‬الاعتراف‭ ‬الكامل‭ ‬بإنصاف‭ ‬المرأة‭ ‬وضمان‭ ‬حريتها‭ ‬وكرامتها‭.‬

السؤال‭ ‬الجوهري‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬العراق‭ ‬الآن‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬يستطيع‭ ‬المجتمع‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬بحزم‭ ‬واتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬تعزز‭ ‬الحريات‭ ‬الفردية‭ ‬وكرامة‭ ‬جميع‭ ‬مكونات‭ ‬الأسرة؟‭ ‬أم‭ ‬ستؤدي‭ ‬التعديلات‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬يهدد‭ ‬المكتسبات؟‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬العراق‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الخيارات‭ ‬الحالية‭ ‬ومدى‭ ‬التزامه‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬الخيار‭ ‬واضح‭: ‬إما‭ ‬التقدم‭ ‬بثبات‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬يضمن‭ ‬حقوق‭ ‬الجميع،‭ ‬أو‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬وتفويت‭ ‬فرصة‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬أكثر‭ ‬عدلاً‭ ‬وقوة،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬بثقة‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا