رغم أن مشاهد الأولمبياد يُفترض أن تكون فقط أو أساسًا مشاهد رياضية، فإنها باتت أيضًا مشاهد ثقافية مرتبطة بحفلي الافتتاح والختام، وأيضًا سياسية تتعلق بكثير من المشاهد والمواقف.
وقد أثار حفل افتتاح أولمبياد باريس جدلًا وانتقادات كثيرة، على عكس حفل الختام، الذي جاء مبتكرًا، ولم يقدم أي مشاهد جدلية، وظلت مشكلة رد فعلنا على المظاهر المخالفة لثقافتنا وقيمنا الحضارية أنها لم تخرج عن المواقف التقليدية، التي تبنتها مدرسة الدعاة الجدد وبعض رجال الدين عقب أي إساءة إلى الدين أو عملية إرهابية تلصق أسبابها بالإسلام بالترويج لمقولة إنه يجب أن نقنع الغرب أو على الأقل نشرح لهم «الإسلام الصحيح»، وهو مفهوم يدل على عدم فهم العقلية الغربية لأن منظومة قيمها لا تنطلق من قاعدة دينية، إنما علمانية.
ويصبح المطلوب هو مناقشة الغرب على أرضية احترام التنوع الحضاري والثقافي في العالم، الذي تتأذى فيه معظم شعوب العالم من أي إساءة إلى الدين سواء كانت في لوحة العشاء الأخيرة التي عُرضت في افتتاحية أولمبياد باريس، واعتُبرت فيها إساءة إلى السيد المسيح، أو نشر رسومات مسيئة إلى الرسول الكريم على صفحات بعض الصحف الفرنسية والأوروبية. وتصبح أرضية أي نقاش لمنع الإساءة إلى الأديان ليست «هداية الغرب» للإسلام أو المسيحية أو القيم الدينية، إنما احترام التنوع الحضاري والثقافي في العالم.
المشهد الثاني فتمثل في منع العَلَم الفلسطيني من دخول الملاعب كما يجري في كثير من البلاد العربية باعتباره يحمل رسالة سياسية، ويجب الفصل بين الرياضة والسياسة، في حين أن منع روسيا من المشاركة في دورة الألعاب الأوليمبية مثّل موقفًا سياسيًّا صارخًا لأنه جاء في أعقاب رفض هجومها على أوكرانيا والسيطرة على جانب من أراضيها بالقوة، وهو الهجوم الذي اعتبرته روسيا دفاعًا عن أمنها القومي وعن الأقليات العرقية الروسية، التي تعيش في الأقاليم الأربعة التي سيطرت على معظمها، وهو ما ترفضه أمريكا وأوروبا.
منع روسيا من المشاركة تسييس للرياضة لأنه حضر فيه «الأداء الأمريكي» في المعايير المزدوجة، فإذا كنا سنضع احترام قرارات الأمم المتحدة معيارًا لقبول مشاركة الدول في الأولمبياد، فإن روسيا لم تلتزم بقرار الأمم المتحدة الذي أدان الهجوم وطالب بوقفه، كذلك إسرائيل التي يُعتبر تاريخها هو تاريخ حافل من عدم الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، ومع ذلك شاركت في كل الأولمبياد.
وبقي المشهد الثالث، وهو المشهد الأهم، أي الرياضي، حيث ظلت هناك علاقة قوية بين الدول المتقدمة صناعيًّا، والتي تتبنى قيم المهنية والعمل، وبين التقدم في الرياضة، لذا علينا ألّا نندهش من تقدم دول تؤسس نظمها على العلم والإنتاج، رغم اختلاف نماذجها السياسية، فكانت أمريكا عادة في المقدمة، وخلفها الصين وروسيا (الممنوعة)، ثم أوروبا واليابان، وخلفها الدول الصاعدة مثل كوريا الجنوبية والبرازيل وتركيا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك