أصبح التصعيد الأخير للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي بدأ بعد هجوم الجماعات الفلسطينية المسلحة على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، هو الأكبر في تاريخ الصراع في الشرق الأوسط.
ويستمر القتال منذ 10 أشهر، ويتسبب يوميا في وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين في قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، لا يزال هناك احتمال كبير لتوسع الصراع بسبب تورط جماعة مسلحة أخرى غير تابعة للدولة - حزب الله اللبناني. ويسعى معظم اللاعبين الإقليميين والعالميين جاهدين إلى حل الصراع، لكن حتى الآن لا توجد نتائج واضحة.
أما الصين فهي ليست استثناءً، فهي تشارك بنشاط في الشؤون الدولية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. وعلى وجه الخصوص، في عام 2023، وبمشاركة سلطات بكين، تم التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران.
يشمل مشروع «حزام واحد، طريق واحد» دولًا في منطقة الشرق الأوسط، ويعتبر الاستقرار في هذه المنطقة أمرًا بالغ الأهمية للتنفيذ الناجح لخطط إنشاء طرق تجارية جديدة وتدفقات استثمارية.
إن تسوية القضية الفلسطينية ستوفر القدرة على التنبؤ السياسي والأمن الاقتصادي الضروريين، وهو أمر مهم لجذب الاستثمارات الصينية وحمايتها.
وفي أواخر شهر نوفمبر الماضي من العام الماضي، اقترحت الصين خطة سلام لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي تتلخص في إنشاء دولتين مستقلتين.
وفي شهر يناير من هذا العام، تقدمت الصين، بالتعاون مع جامعة الدول العربية، بمبادرة لتنظيم مؤتمر سلام واسع النطاق يهدف إلى استقرار الوضع في قطاع غزة.
ولا يختلف النهج الصيني عن النهج الروسي: فبكين، مثلها في ذلك كمثل موسكو، مقتنعة بأن الحل المستدام للصراع يتطلب تسوية تقوم على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ذات مركز سياسي واحد.
كما عقدت روسيا مراراً وتكراراً اجتماعات رفيعة المستوى بين حركتي حماس وفتح. ولا شك أن التمثيل السياسي الموحد للشعب الفلسطيني هو بالتحديد ما هو ضروري لصياغة الموقف الرئيسي وتمثيله في المفاوضات مع إسرائيل.
إن تورط الصين في الصراع الفلسطيني لا يسلط الضوء على طموحاتها العالمية فحسب، بل يساعد أيضاً في تعزيز مصالحها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، مما يمنح بكين الفرصة لتعزيز موقفها على الساحة الدولية.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تؤدي مبادرات الصين إلى تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتتمتع الصين بعلاقات وثيقة مع الحركات الفلسطينية، لكن علاقات بكين مع إسرائيل ظلت باردة إلى حد ما.
إن تعاون الصين مع إيران، الخصم الإقليمي الرئيسي للدولة اليهودية، وعلاقات إسرائيل المتنامية مع الهند ومشاركتها في ممر النقل IMEC، الذي تعتبره الصين منافساً لطرقها اللوجستية، يشكل عوائق أمام تعزيز الحوار الثنائي.
ولكن كما يظهر على أرض الواقع، فحتى العلاقات الوثيقة مع إسرائيل لا تسهم في وقف إطلاق النار. وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب مصر وقطر، حل الأزمة منذ بداية الصراع في غزة، ولكن لم يحدث أي تراجع في التصعيد.
في أوائل شهر يوليو 2024، أفادت التقارير بأن إسرائيل وحماس توصلتا إلى اتفاق مبدئي حول إطار الصفقة، التي تشمل هدنة وتبادل الرهائن في غزة. لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن أكد أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لتحقيق تأثير ملموس.
وتنقسم خطة الرئيس بايدن، التي اقترحها في أواخر شهر مايو الماضي، إلى ثلاث مراحل. تتمثل المرحلة الأولى في التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتبادل أولي للرهائن، وزيادة إمدادات المساعدات الإنسانية، وبدء المفاوضات بشأن الإنهاء الكامل للقتال.
وتشمل المرحلة الثانية سحب إسرائيل لقواتها العسكرية من غزة وإطلاق الجماعات الفلسطينية سراح الرهائن المتبقين.
أما المرحلة الثالثة من الخطة فتتمثل في البدء بتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في قطاع غزة بدعم من المجتمع الدولي، والتي ستتطلب عملاً واستثماراً مكثفاً في البنية التحتية والمؤسسات الحيوية في المنطقة.
وقد يشكل هذا الاتفاق بين إسرائيل وحركة حماس خطوة مهمة نحو تحقيق السلام الطويل الأمد في منطقة الشرق الأوسط، ولكن تنفيذه الناجح سوف يتطلب جهوداً مكثفة وتنسيقاً كبيراً على المستوى الدولي.
وفي الحقيقة، فإن تسوية الصراع لا تزال بعيدة المنال. في الأثناء تواصل إسرائيل شن هجمات واسعة النطاق. ففي يوم13 يوليو، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة بمقتل 71 فلسطينيا وإصابة 289 آخرين في هجوم إسرائيلي في منطقة المواصي بخان يونس.
وكان هدف الهجوم الإسرائيلي في منطقة المواصي بخان يونس هو زعيم الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية محمد الضيف، لكن لم يتم التأكد من مقتله في ذلك الهجوم العسكري الدموي.
والمشكلة هي أن عقوداً من الصراع أدت إلى تطرف كلا الجانبين. تنبع الخلافات الرئيسية بين إسرائيل وحماس من خلافات سياسية عميقة. وترفض حماس، التي تحكم قطاع غزة، شرعية إسرائيل التي تعتبر بدورها حماس منظمة إرهابية. وهذا الرفض الأساسي يخلق عقبات خطيرة أمام محادثات السلام.
ويتفاقم الوضع بسبب القضايا الأمنية، بما في ذلك الهجمات الصاروخية على إسرائيل، والإجراءات الانتقامية، مثل الحصار الإسرائيلي على غزة، والذي يؤدي إلى مشاكل إنسانية كبيرة في المنطقة. ويحد الحصار من إمكانية الوصول إلى الموارد الأساسية، بما في ذلك الإمدادات الطبية والغذاء والمياه النظيفة.
وتتعلق الخلافات أيضًا بالحلول السياسية طويلة المدى وآفاق السلام. وتصر إسرائيل على الضمانات الأمنية كشرط مسبق لأي تسوية سلمية، في حين تطالب حماس بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
ولا شك أن هذه الرؤى المتعارضة للمستقبل، وسبل تحقيقها، تجعل من الصعب التوصل إلى تسويات وحلول ترضي الطرفين.
إن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة متشددة في مواقفها وتريد تدمير حماس بالكامل. وقد تم الإعلان عن هذا كأحد الأهداف ذات الأولوية للجيش الإسرائيلي بعد بدء العملية العسكرية في غزة.
ولكن بعد ما يقرب من عشرة أشهر من القتال، لم تتمكن إسرائيل من القضاء على الحركة. وهذا ليس مفاجئاً، حيث إن حماس أصبحت في الأساس فكرة للمقاومة الراديكالية التي أصبحت ذات شعبية متزايدة بين الفلسطينيين. ويتأكد هذا من خلال العدد المتزايد من أنصار حماس في الضفة الغربية، حيث كانت فتح قوية تاريخيا.
لكن حدة الصراع هذه المرة تأثرت أيضًا بالأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل. وحاولت حكومة نتنياهو إجراء إصلاحات قانونية، الأمر الذي دفع خصومه لتنظيم مسيرات حاشدة ضد السلطات الإسرائيلية الحاكمة حتى قبل بدء الصراع في غزة.
كما أن الاقتصاد الإسرائيلي في وضع صعب، حيث لم يكن لديه الوقت للتعافي من الجائحة، وواجه مشاكل جديدة بسبب الصراع في غزة. فالاستثمارات آخذة في الانخفاض. وفقًا لمؤسسة CofaceBdi، بحلول نهاية عام 2024، من المتوقع أن تغلق 60 ألف شركة إسرائيلية أبوابها بسبب الحرب في غزة.
ولذلك، يتهم كثيرون بنيامين نتنياهو بأنه لا يريد حقاً أن ينتهي الصراع، لأنه حينها يتعرض هو وحكومته للتهديد بالاستقالة، ومن ثم بتكثيف التحقيقات القضائية التي تلاحقه.
ولحل هذه المشاكل، يحتاج بنيامين نتنياهو إلى انتصار واضح على الجبهة وتعزيز المواطنين الإسرائيليين، ودعم حليف في واشنطن، الذي فترت العلاقات معه في عهد بايدن.
وربما سيستمر الصراع حتى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. في الوقت الحالي، من المرجح أن تظل جميع محاولات التسوية عقيمة.
يعتبر ترامب سياسي مؤيد تماما لإسرائيل، من ناحية، كما أنه سيكون إلى جانب نتنياهو، ولكن من ناحية أخرى، سيكون له تأثير قوي عليه. والولايات المتحدة ليست مهتمة بحرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط، والتي قد تشمل دول المنطقة.
إن إسرائيل حليف مهم لواشنطن، وإذا تصاعد الصراع، فسيتعين على الولايات المتحدة الرد. ولا يحتاج ترامب ولا الجمهوريون إلى هذا.
{ رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط روسيا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك