لماذا تقرر إسرائيل اغتيال كبير مفاوضي حماس أثناء زيارته لإيران؟ ولماذا اتخذت مثل هذا القرار في خضم المفاوضات الحاسمة لتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس وعدد كبير من الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل، والتحرك نحو التوصل إلى نهاية دائمة للصراع عن طريق التفاوض؟
كذلك، لماذا تتخذ إسرائيل قرارا بتصعيد الموقف باغتيال الرجل الثاني في حزب الله في الوقت الذي تقول فيه الولايات المتحدة الأمريكية إنها تعمل على تهدئة التوترات مع حزب الله في لبنان؟
نحن نعرف الإجابة عن كلا السؤالين: من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مهتم بالسلام، كما أنه لا يبدو أنه يريد التوصل إلى اتفاق تفاوضي لإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب على غزة.
فهو لا يريد وقف تصعيد الصراع في غزة أو في الشمال مع حزب الله. ومن المؤكد أيضا أنه لا يريد تطبيق «حل الدولتين» الذي من شأنه أن يمنح الشعب الفلسطيني الاستقلال في دولة ذات سيادة خاصة به.
هناك شيئان يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريدهما أكثر من أي شيء آخر، وفي هذه المرحلة، وكلاهما مرتبطان بشكل غريب.
وفي المقام الأول من الأهمية، يرغب بنيامين نتنياهو بشدة في البقاء في منصبه، لأنه في حالة خسارته لمنصبه كرئيس للوزراء، فإن الملاحقة القضائية لتهم الفساد الموجهة إليه سوف تستمر بكامل قوتها. وبما أن الاتهامات خطيرة للغاية والأدلة واضحة للغاية، فمن المحتمل أن تتم إدانته وإذلاله.
هذه ليست تكهنات. فقد تمت مناقشة هذا الأمر على نطاق واسع في إسرائيل، وقد ألمح إليها الرئيس بايدن في مقابلة أجريت معه في 28 مايو 2024 مع مجلة تايم. وعندما سُئل: «هل يقوم نتنياهو بإطالة أمد الحرب لأسباب سياسية؟»، أجاب بايدن: «هناك كل الأسباب التي تجعل الناس يتوصلون إلى هذا الاستنتاج».
والسبب الثاني هو أن نتنياهو يريد أن تستمر الحرب، بل وأن يتم تسريعها. وقد أوضح ذلك في تصريحاته أمام الكونجرس الأمريكي وفي خطابه أمام جمهوره الإسرائيلي قبل بضعة أيام. وهو يسعى إلى «النصر الكامل»، الذي يعرفه بأنه أكثر من مجرد الهزيمة العسكرية لأعداء إسرائيل.
ومن دون الاعتراف بأي ذنب أو جرم إسرائيلي، اتهم نتنياهو الفلسطينيين بأنهم خلقوا ثقافة مليئة بالكراهية والتي ستتطلب في فترة ما بعد الحرب إزالة التطرف على نطاق واسع - والتي من شأنها أن تؤدي نتائجها على ما يبدو إلى قبول الفلسطينيين للهيمنة اليهودية في إسرائيل وفهم مكانتهم كشعب خاضع للاحتلال.
هذه هي الرؤية الصهيونية-المسيحانية التي طالما دفعت نتنياهو والتي يراها الآن ممكنة، ولكن فقط إذا تم إخضاع جميع أعداء إسرائيل - أي الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال، وإيران ووكلائها. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا تمكنت إسرائيل من إشراك الولايات المتحدة الأمريكي في غزوها الإقليمي.
وتثير رؤية نتنياهو للعالم العديد من الأسئلة الإضافية التي يجب أخذها في الاعتبار. إذا كنا نعلم أن نتنياهو لم يقبل أبدًا شروط خطة بايدن، فلماذا استمر الرئيس الأمريكي في الإصرار على أنها «خطة إسرائيلية» ووضع العبء على حماس لقبولها؟
وإذا كنا نعلم أن نتنياهو غير راغب في التوصل إلى أي اتفاق سلام خوفا من خسارة شركائه المتطرفين الآخرين في الائتلاف (الذين هددوا بالتخلي عن حكومته إذا قبل أي شروط تؤدي إلى السلام)، فلماذا نستمر في الرقص حول هذه الحقيقة؟
لماذا لم تقم الإدارة الأمريكية بإدانة الاغتيالات التي حدثت في بيروت وإيران وهي تعلم أنها ستؤدي حتما إلى تقويض جهود المفاوضين؟ وعندما نعلم أن نتنياهو ليس لديه أي نية لإتمام صفقة لإطلاق سراح الأسرى، لماذا نستمر في السماح له باستغلال آلام عائلاتهم، والتظاهر بأن المفاوضات على وشك الانتهاء عندما نعلم أنها ليست كذلك؟
وعندما نعلم أن مطالب وأفعال شركاء نتنياهو المتطرفين في الائتلاف تعيث فساداً في الضفة الغربية والقدس - إرهاب السكان الفلسطينيين، وضم المزيد من الأراضي، وبناء المزيد من المستوطنات، ومحو إمكانية تقرير المصير الفلسطيني – لماذا نجد أن جزءا كبيرا من المجتمع الدولي سلبي ومتسامح في الرد؟
لنكن واضحين: حماس وحزب الله ليسا لاعبين جيدين. لقد ولد الأول من الاحتلال الإسرائيلي الوحشي والمستمر للأراضي الفلسطينية، وقد رعتها إسرائيل لخلق انقسام في صفوف الفلسطينيين، وتغذت بعد ذلك من الحصار الإسرائيلي الغاشم لسكان غزة على مدى عقود.
أما حزب الله اللبناني فد ولد بدوره من رحم الغزو الإسرائيلي للبنان، كما ولد أيضا من رحم النظام الطائفي الفاسد في ذلك البلد.
وقد ظل حزب الله يتغذى بعد ذلك من احتلال إسرائيل لجنوب لبنان الذي دام عقوداً من الزمن والدمار الهائل الذي لحق بالبنية الأساسية للبلاد في عام 2006. ومن المؤكد أن كلاً من حماس وحزب الله قد انخرطا في أعمال تستحق الإدانة، ولكن انتقادهما فقط، وتبرئة إسرائيل من جرائمها الكبيرة، إنما ينم عن نفاق كبير في المواقف.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية جادة حقا بشأن إنهاء الصراع في المنطقة، فبدلاً من غض الطرف عن سلوك إسرائيل المصمم عمداً لإثارة المزيد من الحرب، يتعين على أصحاب المصلحة الدوليين أن يتوقفوا عن ممارسة الألاعيب وأن يكونوا جادين في تحميل إسرائيل المسؤولية.
ويقودنا هذا إلى سؤال أخير: لماذا تتوقع سلطات واشنطن أن يتغير أي شيء، في ظل استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في تزويد إسرائيل بالأسلحة على نطاق واسع وعرقلة كافة الجهود لمعاقبة سلوكها المؤسف؟
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك