العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

صعود اليمين العنصري ومستقبل الصراع السياسي في الغرب

بقلم: محمد بدر الدين زايد

الثلاثاء ١٣ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

يرصد‭ ‬العالم‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬بروز‭ ‬ظاهرة‭ ‬صعود‭ ‬اليمين‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬بصورة‭ ‬عامة،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬مشهد‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬واحتدام‭ ‬المنافسة‭ ‬بين‭ ‬اليمين‭ ‬الأمريكي‭ ‬بقيادة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬والقوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬عن‭ ‬مجمل‭ ‬مواجهة‭ ‬محتدمة‭ ‬وحرجة‭ ‬تشهدها‭ ‬مجتمعات‭ ‬غربية‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬عناصر‭ ‬يمينية‭ ‬وجدوا‭ ‬من‭ ‬يتصدى‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬شعبية‭ ‬مضادة‭.‬

ويتحدث‭ ‬بعضهم‭ ‬بمبالغة‭ ‬عن‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدولة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬نكسة‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬اليمين‭ ‬البريطاني‭ ‬بوصول‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬بغالبية‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬فبدت‭ ‬الأمور‭ ‬وكأنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬عكس‭ ‬تيار‭ ‬صعود‭ ‬‮«‬اليمين‮»‬‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وقبلها‭ ‬احتشد‭ ‬‮«‬اليسار‮»‬‭ ‬و«الوسط‮»‬‭ ‬الفرنسي‭ ‬لوقف‭ ‬صعود‭ ‬‮«‬اليمين‭ ‬الفرنسي‮»‬‭.‬

يخوض‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقبلة‭ ‬شاحذاً‭ ‬كل‭ ‬قوته‭ ‬ومدركاً‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬المعركة،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬دليل‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬توقع‭ ‬قيام‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬بدور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬لكاميلا‭ ‬هاريس،‭ ‬وأن‭ ‬يلقي‭ ‬بكل‭ ‬ثقله‭ ‬ومعه‭ ‬كل‭ ‬قيادات‭ ‬الحزب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬وكأنها‭ ‬معركة‭ ‬بقاء‭ ‬ومستقبل‭ ‬الحزب،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬كثيرون‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تحمل‭ ‬تهديدات‭ ‬حقيقية‭ ‬لمستقبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ذاتها‭.‬

وعلى‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الاستقطاب‭ ‬السياسي‭ ‬ظاهرة‭ ‬معتادة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وظاهرة‭ ‬تقليدية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فإن‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الذي‭ ‬تبلور‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬ويمثل‭ ‬تحدياً‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع،‭ ‬وكما‭ ‬أشرنا‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬سابقة‭ ‬فقد‭ ‬تجاوز‭ ‬الأبعاد‭ ‬التقليدية‭ ‬بين‭ ‬الحزبين‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والجمهوري‭.‬

بدايات‭ ‬هذا‭ ‬الاستقطاب‭ ‬تبلورت‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬إذ‭ ‬يمثل‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬المكون‭ ‬المهيمن‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬منذ‭ ‬نشأته،‭ ‬أي‭ ‬المكون‭ ‬الأنجلو‭-‬سكسون‭ ‬الإنجيلي‭ ‬البروتستانتي،‭ ‬بينما‭ ‬تذهب‭ ‬معظم‭ ‬أصوات‭ ‬المكونات‭ ‬الإثنية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬كاثوليك‭ ‬أوروبيين‭ ‬وذوي‭ ‬الخلفيات‭ ‬اللاتينية‭ ‬ويهود‭ ‬وأفارقة‭ ‬أمريكيين‭ ‬وأقليات‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬ليست‭ ‬هناك‭ ‬حدود‭ ‬جامدة،‭ ‬فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الأقليات‭ ‬المختلفة‭ ‬يميلون‭ ‬للتصويت‭ ‬لمصلحة‭ ‬الجمهوريين،‭ ‬كما‭ ‬يتبوأ‭ ‬عدد‭ ‬ليس‭ ‬قليلاً‭ ‬منهم‭ ‬مواقع‭ ‬قيادية‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬ومواقعه‭.‬

وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬ثمة‭ ‬قادة‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الخلفية‭ ‬الأنجلو‭-‬سكسونية‭ ‬والمذاهب‭ ‬البروتستانتية،‭ ‬مع‭ ‬بقاء‭ ‬التركيبة‭ ‬الرئيسة‭ ‬لأنماط‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬الذكر‭.‬

لكن‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الراهن‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬تحولات‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الأميركية‭ ‬أوصلت‭ ‬الغالبية‭ ‬السابقة،‭ ‬أي‭ ‬المكون‭ ‬الأنجلو‭-‬سكسون‭ ‬المحافظ‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬متراجع،‭ ‬وصحب‭ ‬هذا‭ ‬نمو‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬تحررية‭ ‬منفتحة‭ ‬تجاوزت‭ ‬تيارات‭ ‬الوسطية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسود‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وسمح‭ ‬نمو‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬بوصول‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬إفريقية‭ ‬إلى‭ ‬مقعد‭ ‬الرئاسة،‭ ‬أي‭ ‬أوباما،‭ ‬وكان‭ ‬مجرد‭ ‬وصوله‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متصاعدة‭ ‬داخل‭ ‬اليمين‭ ‬الأمريكي‭ ‬وأوصل‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬الحكم،‭ ‬مع‭ ‬حال‭ ‬التعبئة‭ ‬والحشد‭ ‬لدى‭ ‬هذا‭ ‬اليمين‭ ‬لمنع‭ ‬استمرار‭ ‬حكم‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬أو‭ ‬وصول‭ ‬مرشحة‭ ‬سيدة،‭ ‬هيلاري‭ ‬كلينتون،‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬تحولات‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬وحدّة‭ ‬هذا‭ ‬الاستقطاب‭.‬

ورداً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬احتشدت‭ ‬كل‭ ‬الأقليات‭ ‬لتمنع‭ ‬مواصلة‭ ‬ترامب‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬فترة‭ ‬ثانية،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬مشهد‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2021‭ ‬حين‭ ‬اقتحم‭ ‬أنصار‭ ‬ترامب‭ ‬مواقع‭ ‬رموز‭ ‬الدولة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬تهديد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ومواصلة‭ ‬ترامب‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬اتهام‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬بتزوير‭ ‬الانتخابات،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬قمة‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬حال‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الحادة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فـ«اليمين‮»‬‭ ‬يخوض‭ ‬معركة‭ ‬صعبة‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬استنفار‭ ‬وغضب‭ ‬لم‭ ‬يهدأ‭ ‬بعد‭.‬

كانت‭ ‬السردية‭ ‬الغربية‭ ‬قبل‭ ‬احتشاد‭ ‬‮«‬اليسار‮»‬‭ ‬و«الوسط‭ ‬الفرنسي‮»‬‭ ‬تقضي‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬اليمين‭ ‬الأوروبي‮»‬‭ ‬يتقدم‭ ‬بصورة‭ ‬حثيثة‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬غربية،‭ ‬ونجح‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عدة‭ ‬وأهمها‭ ‬إيطاليا،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الإيطالية‭ ‬أثبتت‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬الحصافة‭ ‬وعدم‭ ‬الاندفاع،‭ ‬فإنها‭ ‬عبرت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬صعود‭ ‬المد‭ ‬اليميني‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬المفاجأة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والبريطانية،‭ ‬وفي‭ ‬الحالين‭ ‬تكتلت‭ ‬قوى‭ ‬اليسار‭ ‬والوسط‭ ‬لمنع‭ ‬وصول‭ ‬‮«‬اليمين‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬البلدين،‭ ‬وكان‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬التشابه‭ ‬الرئيس‭ ‬بينما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬المشهدين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬صعود‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬التيارين‭ ‬وتبنيه‭ ‬توجهات‭ ‬حادة‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬واستثارة‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬ففي‭ ‬الحال‭ ‬الأمريكية‭ ‬جاء‭ ‬وصول‭ ‬أوباما‭ ‬عاكساً‭ ‬للتطورات‭ ‬البنيوية‭ ‬والفكرية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬ممثل‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬أو‭ ‬ظاهرة‭ ‬ترامب‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬تخيل‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬قليلة،‭ ‬بما‭ ‬يمثله‭ ‬فكرياً‭ ‬وسلوكياً،‭ ‬والشيء‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬فتصاعد‭ ‬مفاهيم‭ ‬الليبرالية‭ ‬والتعددية‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر‭ ‬واستقبال‭ ‬المهاجرين‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬الدنيا‭ ‬والعليا‭ ‬على‭ ‬السواء‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬تيارات‭ ‬مضادة‭.‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬السردية‭ ‬الغربية‭ ‬اليمينية‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬مزاحمة‭ ‬المهاجرين‭ ‬للوظائف‭ ‬مليئة‭ ‬بالمغالطات،‭ ‬ونظرة‭ ‬بسيطة‭ ‬على‭ ‬الفِرق‭ ‬الرياضية‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬تزدحم‭ ‬بالأفارقة‭ ‬وغيرهم،‭ ‬والذين‭ ‬يعودون‭ ‬بعوائد‭ ‬مالية‭ ‬ضخمة‭ ‬للدول‭ ‬المستضيفة،‭ ‬تكشف‭ ‬حجم‭ ‬هذه‭ ‬المغالطات‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬توجد‭ ‬نظم‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬تقدم‭ ‬مزايا‭ ‬لأصحاب‭ ‬التخصصات‭ ‬الرفيعة‭ ‬أو‭ ‬المميزين‭ ‬وتسهل‭ ‬هجرتهم‭ ‬بل‭ ‬واجتذابهم،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬حاجة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬العمالة‭ ‬الرخيصة‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬الدنيا،‭ ‬وقد‭ ‬صحب‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التبلور‭ ‬لمنظومة‭ ‬الأفكار‭ ‬الليبرالية‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬متصاعدة‭ ‬خلقت‭ ‬مناخاً‭ ‬مؤاتياً‭ ‬للتعددية‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر،‭ ‬كما‭ ‬خلقت‭ ‬مساحة‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬الحريات‭ ‬والترويج‭ ‬لأفكار‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬الفجوة‭ ‬مع‭ ‬التيارات‭ ‬اليمينية‭ ‬المحافظة،‭ ‬وخاصة‭ ‬المثلية‭ ‬وحق‭ ‬الإجهاض‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬سمحت‭ ‬بتبلور‭ ‬اتجاهات‭ ‬قوية‭ ‬انعكست‭ ‬سياسياً‭ ‬وأنشأت‭ ‬أيضاً‭ ‬علاقة‭ ‬جدلية‭ ‬معقدة‭ ‬مع‭ ‬‮«‬اليمين‭ ‬المحافظ‮»‬،‭ ‬وكل‭ ‬تصاعد‭ ‬لأي‭ ‬من‭ ‬التيارين‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استنفار‭ ‬الآخر‭ ‬وتحفزه‭.‬

لكن‭ ‬الخطورة‭ ‬الراهنة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تصاعد‭ ‬احتمالات‭ ‬العنف،‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬بريطانيا‭ ‬ينذر‭ ‬بعواقب‭ ‬خطرة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬ارتباطه‭ ‬بتنظيمات‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬اضطرابات‭ ‬منفلتة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تصدي‭ ‬المعارضين‭ ‬لهذه‭ ‬العناصر‭ ‬اليمينية‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬انتشار‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتظل‭ ‬ذكرى‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2021‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أنصار‭ ‬ترامب‭ ‬حية‭ ‬في‭ ‬الأذهان،‭ ‬وبخاصة‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬ألمح‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يقبل‭ ‬نتيجة‭ ‬انتخابات‭ ‬لن‭ ‬يفوز‭ ‬بها،‭ ‬وربما‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬تربك‭ ‬السياسة‭ ‬والمجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬حال‭ ‬الاستنفار‭ ‬والقلق،‭ ‬لو‭ ‬أضفنا‭ ‬إليها‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬ترامب‭ ‬الفاشلة،‭ ‬ربما‭ ‬تجعل‭ ‬العنف‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الرافضين‭ ‬لـ‮«‬اليمين‭ ‬الأمريكي‮»‬‭ ‬أيضاً‭ ‬أمراً‭ ‬محتملاً،‭ ‬وبالنهاية‭ ‬يصب‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬توقع‭ ‬مستقبل‭ ‬محفوف‭ ‬بالأخطار‭.‬

{ مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا