يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
ماذا بقي من الديمقراطية الأمريكية ؟!
قبل أيام، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه غير واثق من أنه سيكون هناك انتقال سلمي للسلطة بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.
في مقابلة تلفزيونية سئل عما إذا كان واثقا من حدوث انتقال سلمي للسلطة في يناير 2025، قال بايدن: «إذا خسر ترامب، فأنا لست واثقًا على الإطلاق. إنه يعني ما يقوله».
كان بايدن يشير الى ما سبق ان قاله دونالد ترامب المرشح للرئاسة من انه إذا خسر انتخابات 2024، «فسيكون هناك حمام دم في البلاد».
هذا امر في منتهى الغرابة.
أعني ان يهدد مرشح للرئاسة بحمام دم إذا خسر في الانتخابات، وان يكون رئيس البلاد غير واثق من حدوث انتقال سلمي للسلطة بعد الانتخابات.
لماذا الأمر غريب؟
لأنه من المفروض ان نتائج الانتخابات ستأتي في النهاية معبرة عن إرادة الناخبين الأمريكيين. أيا كان المرشح الذي سيفوز، الناخبون الأمريكيون هم الذين اختاروه بإرادتهم، وان الكل يجب ان يحترم هذه الإرادة.
هذه ابسط قواعد الديمقراطية، وبالتالي من المفروض الا يكون هناك سبب يدعو إلى الخوف، والى اتخاذ هذ الموقف الغريب من ترامب وبايدن.
ما معنى هذا؟.. ما معنى ان تنتاب قادة كبار مثل ترامب وبايدن رئيس البلاد هذه الحالة من الخوف والفزع من الانتخابات القادمة وما قد تنتهي اليه أو تقود اليه؟
هل يعني هذا عدم اكتراث او احتقار للناخبين الأمريكيين واختياراتهم في انتخابات حرة.
هل يعني إرهابا للناخبين لإجبارهم او دفعهم الى اختيار أو عدم اختيار مرشح معين؟
هل يعني هذا انه لم تعد هناك ثقة في النظام السياسي الأمريكي برمته وفي الآليات الديمقراطية المتبعة وبعدم قدرتها او جدواها في تحقيق الاستقرار في البلاد.
هذا أخذا في الاعتبار ان الذين عبروا عن هذا الموقف الغريب، اي ترامب وبايدن، وغيرهم من كبار الساسة الأمريكيين، المفروض انهم هم الأمناء على النظام السياسي وعلى الديمقراطية الأمريكية.
الأمر لا يقتصر على قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري والساسة في أمريكا فقط. لو كانت هذه المخاوف والشكوك قاصرة عليهم لاعتبرنا انه تحكمهم اعتبارات دعائية انتخابية.
عدد كبير من المفكرين والباحثين والمحللين الأمريكيين يطرحون نفس المخاوف ونفس الأفكار بشكل أكثر توسعا وعمقا.
منذ سنوات، يطرح هؤلاء في تقارير ودراسات قضيتين كبيرتين:
الأولى: الأزمة العميقة للنظام السياسي الأمريكي بأبعادها المختلفة من وجهة نظر هؤلاء الباحثين والخبراء. هذ الأزمة التي جعلت النظام السياسي، وهيمنة الحزبين الكبيرين على الحياة السياسية، لم يعد قادرا على ضمان الاستقرار السياسي ولا استيعاب التحولات الكبرى التي تشهدها أمريكا اجتماعيا وسياسيا.
والثانية: الاحتمالات المتصاعدة لاندلاع اعمال عنف واسعة النطاق ووقوع مواجهات دامية، والى درجة تخوف الكثيرين من إمكانية اندلاع حرب أهلية.
بالطبع الباحثون والمحللون الأمريكيون لديهم أسباب كثيرة لهذا التخوف، وسبق أن تحدثنا عنها.
الأمر اذن يبدو ان الديمقراطية الأمريكية في مفترق طرق. والقضية ابعد بكثير من مجرد صراع حزبي على منصب الرئاسة او غيره من المناصب السياسية.
وبحسب تقديرات الأمريكيين أنفسهم فإن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات.
الأمر المثير ان ترامب المح في خضم حملته الانتخابية انه إذا فاز فإنه سيدخل تعديلات جذرية على النظام السياسي والتجربة الديمقراطية. ولا أحد يعلم بالطبع ماذا يقصد أو ماذا يعتزم ان يفعل بالضبط.
هذه الأزمة في أمريكا تهم العالم كله، فما يحدث داخل دولة عظمى كالولايات المتحدة بدورها العالمي يؤثر على العالم.
المهم ان المرء حين يتأمل هذا الجدل الدائر في أمريكا وهذه المواقف الغريبة التي يعبر عنها أمثال بايدن وترامب والطبقة السياسية الأمريكية عموما لا يملك الا أن يتساءل: اذا كان قادة أمريكا خائفين من الانتخابات الرئاسية بهذا الشكل، ويهدد بعضهم بإغراق البلاد في العنف، وليس لديهم ثقة في ان يحدث انتقال سلمي ديمقراطي للسلطة بعد الانتخابات.. فماذا يبقى من الديمقراطية الأمريكية اذن؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك