العنوان يشير إشارة واضحة الدلالة إلى ما يحمله الإسلام من قيم رفيعة، ومبادئ عالية يعرضها على الناس، فيؤمن بها حتى من لا تربطه بالإسلام رابطة العقيدة، ولكن لديه وشيجة حضارية إنسانية بالإسلام لأن الحكمة الإلهية اقتضت أن تتضمن دعوته قيمًا إنسانية يشترك فيها كل الناس، يقول تعالى: (يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجر/١٣.
ومن القيم التي عُنِي الإسلام بها أن في الإسلام كرامتين: واحدة موهوبة، والثانية مكتسبة، فأما الكرامة الموهوبة، فهي في قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (الإسراء/٧٠ ) ولقد أشرنا إلى الكرامة المكتسبة في الآية ١٣ من سورة الحجر.
إذًا فسورة الحجر تدل على الكرامة التي يستحقها جميع الناس بعد ذلك يستحقون الكرامة المكتسبة بجهدهم وجهادهم وهذه الكرامة: أعني المكتسبة ليس لها حد تقف عنده، وهذا من كرم الله تعالى ومن فضله، والكرامة الموهوبة يستحقها جميع الناس على اختلاف عقائدهم وانتمائهم وليست حكرًا على المسلمين وحدهم.
ومن القيم التي لا يحرِّمْ الإسلام أتباع الديانات الأخرى منها حتى من ليس لهم ديانات سماوية، فقد كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) يوصي المسلمين بهم خيرًا، ويقول لهم: سنوا فيهم سنة أهل الكتاب، ولهذا عندما أراد نبي الله إبراهيم (عليه السلام) أن يقصر عطاء الربوبية على المؤمنين فقط صحح له الحق سبحانه ذلك، وقال له: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنًا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلًا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) البقرة/١٢٦.
إذًا، فليطمئن الإنسان إلى عدل الله تعالى المطلق، ورحمته الواسعة، فالله تعالى يعاملنا بما هو أهله سبحانه ولا يعاملنا بما نحن أهله، فهو سبحانه لا يترك بابًا من أبواب الرحمة إلا فتحها، ولا نافذة من نواد الرجاء إلا جعلها مشرعة يتسلل من خلالها أنوار الهداية الربانية، وهو جل جلاله، وتقدست أسماؤه وصفاته لا يحاسبنا بعلمه بل بالدليل والبرهان، ولو عاملنا بعلمه ما ترك عليها من دابة، إنه سبحانه لا تنفعه طاعاتنا، ولا تضره معاصينا، هو مستغن بذاته عن خلقه.
لقد أرسل موسى وأخاه هارون إلى فرعون الذي طغى في الأرض وقال أنا ربكم الأعلى، وقال أيضًا ما علمت لكم من إله غيري، ورغم ذلك أمرهما أن يلينا له القول، قال تعالى: (اذهب أنت وأخوك بآياتنا ولا تنيا في ذكري(٤٢) اذهبا إلى فرعون إنه طغى (٤٣) فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى (٤٤)) طه.
وتساءلت فيما بيني وبين نفسي أن طغيان فرعون، وجبروته وظلمه واضح بَيِّنٌ، وأن الرجاء في هدايته ميؤوس منه، فما الفائدة المرجوة من إرسال النبيين الكريمين إليه خاصة أن الله تعالى في غير حاجة إليه -تعالى الله ذلك علوًا كبيرا- فارتاحت طلب نفسي إلى أن الله تعالى يريد إقامة الحجة على الطغاة المستبدين، ولهذا فهو سبحانه لا يحاسب الناس بًعلمه، بل بالدليل والبرهان، فقد يحتج فرعون كغيره بأن الدعوة لم تصله، إليه، ولو وصلته لآمن وصدق، بل إن الحق سبحانه يستجيب لمن معجزة خاصة بهم كما فعل أتباع نبي الله عيسى حين سألوا رسولهم أن ينزل الله تعالى عليهم مائدة من السماء تكون لهم عيدًا، فاستجاب الله لهم لكنه توعدهم بأنهم إذًا حقق لهم ما يطلبون فسوف يضاعف لهم العذاب، قال تعالى: (قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين) المائدة/١١٥.
ما أعظمك يا ألله، وما أوسع رحمتك مع المعاندين للحق، المجاهرين بالمعاصي.
وإليك عزيزي القارئ بعض نماذج من مطالبة الحق سبحانه بالدليل من خصوم الدعوة، يقول تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) البقرة/١١١.
وقال تعالى: (أَمَّنْ يبدؤا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) النمل/٦٤. وتأملوا العهد الوثيق، والعقد المتين الذي أخذه الله تعالى على نفسه في الحديث القدسي، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال تعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا) رواه الإمام مسلم في صحيحه.
ومن رحمة هذا الدين القويم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذر أتباعه وخاصة في الحروب ألا يتجاوزوا في الحروب وكانت وصاياه لقواد جيوشه ألا يقتلوا امرأة ولا طفلًا ولا شيخًا، وسوف يجدون قومًا قد فرغوا أنفسهم للعبادة فلا يتعرضوا لهم بسوء، وعليهم ألا يعقروا ناقة ولا جميلاً إلا لمأكلة ولا يفسدوا في الأرض، وعليهم أن يحسنوا إلى الأسرى!
هذا هو الإسلام الرحيم، العادل الذي وصف الله رسوله بقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء/١٠٧. وقال صلوات ربي وسلامه عليه عن الغاية النبيلة والمهمة الجليلة التي بعث من أجلها: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) الإمام مالك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك