بعد أدائه اليمين أمام البرلمان يكون الرئيس مسعود بزشكيان هو الرئيس الإصلاحي الرابع منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979م. الرئيس القادم من مدينة «تبريز» وأستاذ الطب في جامعتها سبقه إلى هذا المنصب من التيار الذي ينتسب إليه ثلاثة رؤساء أولهم الرئيس هاشمي رفسنجاني الذي حكم في الفترة (1989 -1997) ثم الرئيس محمد خاتمي الذي تولى السلطة خلال الفترة من (أغسطس 1997 إلى أغسطس 2005) وآخرهم الرئيس حسن روحاني الذي جاء إلى الحكم بعد الرئيس المحافظ أحمدي نجاد الذي حكم من 2013 إلى 2021 جميع هؤلاء الرؤساء السابقين كانوا يمثلون التيار الإصلاحي في إيران الذي يوصف بأنه أقل تشدداً من التيار المحافظ، وأنه أكثر مرونة على الأقل في السياسة الخارجية، والأكثر تفهماً لدول الجوار وتطبيع العلاقات معهم. ونتيجة لذلك كان من الطبيعي أن تتفاءل هذه الدول بوصول أحد رموز التيار الإصلاحي إلى كرسي الرئاسة، وتزيد توقعاتهم بشأن انفراج العلاقات الخليجية الإيرانية.
لذلك، تتابع دول الجوار المشهد الانتخابي الإيراني بعين الترقب والحذر والتمنيات بأن يكون الفائز في هذه الانتخابات من الإصلاحيين؛ ليقينهم بأنه سيكون أكثر اعتدالاً، وأقل تصلبا في سياسته الخارجية إزاء دول الجوار من الرؤساء المحافظين.
ونتيجة لذلك غالباً ما تكون ردة فعلهم إيجابية نحو الرئيس الإصلاحي؛ فيعبرون مباشرة عن الترحيب به ويساورهم الأمل في أن يتخذ الرئيس خطوات إيجابية نحو تطوير العلاقات الخليجية الإيرانية أساسها الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولهم.
السؤال المهم الذي يطرح في هذا السياق هو: إلى أي مدى تكون هذه التوقعات منسجمة مع الواقع الإيراني؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نبين بعض الحقائق المتعلقة ببنية النظام الإيراني وأولها أن رأس السلطة في إيران ليس بيد الرئيس المنتخب وإنما بيد المرشد الأعلى وهو من يرسم السياسة الخارجية ويحدد العلاقات بين إيران ودول العالم؛ فدور الرئيس محدود في هذا المجال فهو في النهاية ينفذ الاستراتيجية التي يرسمها المرشد الأعلى.
إن مراجعة بسيطة لسياسة الإصلاحيين في الحكم في القضايا الرئيسية التي تهم دول الجوار والمنطقة العربية والعالم سنكتشف من دون أدنى مواربة أن الرؤساء الإصلاحيين كانوا متشددين مثلهم كمثل المحافظين خذ مثلا: المشروع النووي، التوسع السياسي والعسكري في دول المنطقة، بناء ترسانة الصواريخ وهي مسائل تثير القلق والتوتر لدول المنطقة والعالم؛ فالمشروع النووي انطلقت بدايته مع رئاسة هاشمي رافسنجاني الذي أحيا هذا المشروع بعد أن كان مغلقاً زمن الشاه عبر التعاون مع روسيا والصين.. وقد تطور المشروع النووي الإيراني سرا وعلانية على يديه خلال فترتي رئاسته ثم جاء خاتمي ليكمل المسيرة النووية التي بدأها سلفه رافسنجاني في الفترة من (1997 -2005). العجيب في الأمر هو أن هذين الرئيسين يصنفان على أنهما إصلاحيان ومنفتحان نحو دول الجوار والعرب والعالم.
أيضاً، لم يتخلف الإصلاحي حسن روحاني عن مواصلة الطريق على درب استكمال البرنامج النووي الإيراني فدخل في مفاوضات مع الأمريكيين والأوروبيين حول هذا البرنامج، وانتهت بالتوصل إلى اتفاق معهم في عام 2015.
خذ مسألة أخرى تثبت أن الإصلاحيين لا يختلفون عن المحافظين، وهي قضية التمدد السياسي والعسكري في المنطقة العربية، وهي مسألة لم نجد اختلافا بين من يكون في سدة الرئاسة سواء كان إصلاحيا أم متشدداً فكلاهما ينتهجان نفس السياسة الخارجية؛ ففي عهد الرئيسين رافسنجاني وبعده خاتمي واصلت إيران سياستها الخارجية تجاه القوى المتحالفة أو التابعة لها في كل البلاد العربية التي لها وجود على أراضيها فلم نلحظ أي تغيير إيراني تجاه هذه القوى بل نرى العكس من ذلك، حيث قامت إيران بتعزيز وجودها عبر التورط الإيراني العسكري المباشر في سوريا واليمن وقد حصل ذلك خلال الفترة الرئاسية الأولى للرئيس حسن روحاني الذي لم يتحرك في وقف نشاط الحرس الثوري الإيراني في تلك المناطق المذكورة عبر تقديم بديلا سياسيا أو سلميا.
بقيت مسألة أخيرة نستشف منها تساوي كفتي المتشددين مع الإصلاحيين فيها وهي مسألة امتلاك إيران منظومة صاروخية متطورة؛ ففي هذا السياق لم يتوان أي رئيس إيراني عن مواصلة السعي نحو امتلاك منظومة صاروخية متقدمة، وقد تم إعلان هذا المشروع في عهد الرئيسين رافسنجاني وخاتمي ثم في الفترة الرئاسية الأولى لحسن روحاني عام 2013 وما هو جدير بالذكر أن أبرز أنواع الصواريخ التي تضمها ترسانة الصواريخ الإيرانية كلها صنعت في عهد الرؤساء الإصلاحيين الثلاثة رافسنجاني وخاتمي وروحاني. وكان الأخير يتباهى بما وصلت إليه إيران في هذا المجال ويُعد ذلك مفخرة لبلاده.
في اعتقادي، لن يختلف الرئيس بزشكيان عن الذين سبقوه في مقاربة الملفات الثلاثة السابقة؛ لأنها باختصار شديد تمثل استراتيجية إيرانية معتمدة من قبل المرشد الأعلى، وعليه لن يحيد بزشكيان عن تنفيذ تلك الاستراتيجية، وهذا ما أكده في خطابه أمام البرلمان حين قال: «إنه ملتزم بالدستور والسياسات العامة للمرشد الإيراني علي خامنئي. وبالرغم من تأكيده أثناء الخطاب حاجة بلاده إلى إعادة قراءة الرؤية وتصميم الحلول على أساس السياسات العامة فإنه في نهاية المطاف يعي جيداً الدور المرسوم له، ويدرك أنه لا يستطيع تجاوز الخطوط التي يرسمها المرشد الأعلى ؛ لأنه هو الحاكم الفعلي في إيران حسب نظرية «الولي الفقيه». وبناء على ذلك يتساوى الإصلاحيون والمحافظون في التمسك بهذه النظرية التي تُعد الركن الأساسي في منظومة الحكم في إيران.
خلاصة القول، يجب على دول الخليج العربية ألا تذهب بعيداً في تفاؤلها في قراءة خطاب بزشكيان بشأن توجهاته وأولوياته في السياسة الخارجية لأنه باختصار لا يملك هذا الحق حالياً؛ فهي بيد المرشد الأعلى لكن ربما في المستقبل - وقد لا يكون بعيداً - تتبدل الأحوال نتيجة الظروف التي تعيشها إيران في الوقت الراهن ويتنازل صاحب الحق (خامنئي) عن بعض صلاحياته ويمنحها للرئيس المنتخب. في هذه الحالة فقط يمكن لدول الخليج أن تراهن على تغيير السياسة الخارجية الإيرانية لكن هذا مرهون بإدخال تعديلات على النظام الإيراني وهذا لم يحدث حتى الآن، لكن من غير المستبعد أن يحدث في المستقبل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك