العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الاغتيالات وخسارة إسرائيل الاستراتيجية

بقلم: أسعد عبدالرحمن

السبت ١٠ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬العادة،‭ ‬يعطي‭ ‬صناع‭ ‬قرار‭ (‬نهج‭ ‬الاغتيالات‭) ‬الإسرائيلية‭ ‬الأولوية‭ ‬للاعتبارات‭ ‬التكتيكية‭ ‬والمكاسب‭ ‬الآنية‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬التي‭ ‬تحققها‭ ‬هذه‭ ‬الاغتيالات،‭ ‬خاصة‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬عملا‭ ‬استعراضيا‭ ‬لهدف‭ ‬سهل‭. ‬لكن،‭ ‬وبالتأمل‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأوسع‭ ‬ودروس‭ ‬التاريخ؛‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬لهذه‭ ‬الاغتيالات‭ ‬آثار‭ ‬استراتيجية‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني؛‭ ‬لأن‭ ‬عدالة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومظلوميتها‭ ‬ووجود‭ ‬حاضنة‭ ‬شعبية‭ ‬للمقاومة؛‭ ‬يؤديان‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬القيادات‭ ‬المغتالة‭ ‬إلى‭ ‬رموز‭ ‬للنضال،‭ ‬كما‭ ‬يدفعان‭ ‬باستمرار‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬دماء‭ ‬وعنفوان‭ ‬المقاومة‭.‬

مبكراً،‭ ‬حذر‭ ‬وزير‭ ‬‮«‬الحرب‮»‬‭ ‬الأمريكي‭ (‬لويد‭ ‬اوستين‭) ‬القيادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬‮«‬كسب‭ ‬الحرب‭ ‬تكتيكياً‭ ‬وخسارتها‭ ‬استراتيجياً‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭. ‬وعندما‭ ‬يرتكب‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬ما‭ ‬يرتكبه‭ ‬من‭ ‬مقارفات‭ ‬جماعية‭ ‬أو‭ ‬فردية،‭ ‬فإنه‭ ‬يخلق‭ ‬جيلا‭ ‬ذا‭ ‬ثأر،‭ ‬جيلا‭ ‬ماثلة‭ ‬أمام‭ ‬عينيه‭ ‬مشاهد‭ ‬العدوان‭ ‬والشهداء‭ ‬والدمار،‭ ‬جيلا‭ ‬لن‭ ‬يعرف‭ ‬للخوف‭ ‬سبيلاً‭ ‬ولم‭ ‬ولن‭ ‬تطفأ‭ ‬جذوة‭ ‬الوطن‭ ‬فيه،‭ ‬وتشكلت‭ ‬نفسيته‭ ‬على‭ ‬الثأر‭ ‬والانتقام‭ ‬من‭ ‬المحتل‭ ‬الصهيوني،‭ ‬جيلا‭ ‬مشحونا‭ ‬بالمظلومية‭ ‬الأكيدة‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬النضال‭. ‬فهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬أبناءهم‭ ‬وأحباءهم‭ ‬وأهليهم‭ ‬وممتلكاتهم‭ ‬داخل‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ومدن‭ ‬وقرى‭ ‬ومخيمات‭ ‬فلسطين،‭ ‬لا‭ ‬يمكنهم‭ ‬التسامح‭ ‬ولا‭ ‬الغفران‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الزمان‭ ‬ومهمــا‭ ‬اشتد‭ ‬إجرام‭ ‬المحتل‭. ‬وهذا‭ ‬‮«‬الاحتقان‮»‬‭ ‬هو‭ ‬‮«‬طاقة‭ ‬المظلومية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يحضر‭ ‬ذهنيتهم‭ ‬لحرب‭ ‬ثأرية‭ ‬طاحنة،‭ ‬وإن‭ ‬طال‭ ‬الزمن‭! ‬فعندما‭ ‬تواصل‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬سياساتها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬القتل‭ ‬والاغتيالات‭ ‬والاعتقالات‭ ‬والإعدامات‭ ‬والتوسع‭ ‬الاستعماري‭/‬‮«‬الاستيطاني‮»‬‭ ‬وإنكار‭ ‬الحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يشكل‭ ‬مصدراً‭ ‬للعنف،‭ ‬فماذا‭ ‬سيكون‭ ‬مطلوباً‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ (‬في‭ ‬مقابل‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬والإجراءات‭ ‬الغاشمة‭) ‬غير‭ ‬المقاومة‭ ‬والاستبسال‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وعن‭ ‬مقدساته؟‭!!‬

وحين‭ ‬تكتسب‭ ‬المواجهة‭ ‬بعداً‭ ‬دينيا‭ (‬كما‭ ‬هو‭ ‬حادث‭ ‬الآن‭) ‬يزداد‭ ‬الاقتناع‭ ‬بأن‭ ‬المعارك‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬يوما‭ ‬محسومة‭ ‬بالقدرات‭ ‬العسكرية‭! ‬فحلف‭ ‬الشيطان‭ ‬الذي‭ ‬يعتد‭ ‬بأعتى‭ ‬أسلحة‭ ‬العالم‭ ‬ويعتقد‭ ‬بأنه‭ ‬أمسك‭ ‬ناصية‭ ‬البشرية‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬كيد‭ ‬الشيطان‭ ‬الضعيف‭ ‬الواهن‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يراهنون‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬أسلحتهم‭ ‬وجيوشهم‭ ‬وطيرانهم‭ ‬وبوارجهم‭ ‬وحلفائهم،‭ ‬تراهن‭ ‬الشعوب‭ ‬المظلومة‭ ‬والمستهدفة‭ ‬على‭ ‬العنصر‭ ‬الإنساني‭ ‬المؤمن‭ ‬بأرضه‭ ‬وبدينه‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬أعظم‭ ‬أداة‭ ‬مقاومة‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭. ‬وقديماً،‭ ‬كان‭ ‬القائد‭ ‬المسلم‭ ‬يرهب‭ ‬أعداءه‭ ‬برسالة‭: ‬‮«‬جئتكم‭ ‬برجال‭ ‬يحبون‭ ‬الموت‭ ‬كما‭ ‬تحبون‭ ‬أنتم‭ ‬الحياة‮»‬‭! ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُخوَّف‭ ‬به‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬القتل،‭ ‬فماذا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الذي‭ ‬أمامك‭ ‬لا‭ ‬يعبأ‭ ‬بالموت‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬الاستعماري،‭ ‬بل‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الموت‭ ‬راحة‭ ‬واستمتاعا‭ ‬في‭ ‬الجنة،‭ ‬ولقاء‭ ‬بالأحبة‭!‬

لقد‭ ‬وُجِدت‭ ‬المقاومة‭ ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬حائط‭ ‬صد‭ ‬عنيدا،‭ ‬يتلقى‭ ‬ضربات‭ ‬موجعة‭ ‬بل‭ ‬مميتة‭ ‬يذهب‭ ‬فيها‭ ‬خيرة‭ ‬القادة،‭ ‬ويدفعون‭ ‬أحياناً‭ ‬أثمانا‭ ‬باهظة‭ ‬من‭ ‬دماء‭ ‬أبنائهم‭ ‬وأحفادهم‭ ‬وتضحيات‭ ‬عائلاتهم‭ ‬ليصنعوا‭ ‬مستقبلا‭ ‬للجميع‭. ‬وفي‭ ‬تجارب‭ ‬التاريخ،‭ ‬لا‭ ‬يهز‭ ‬المقاومة‭ ‬سقوط‭ ‬الشهداء‭ ‬لأن‭ ‬الشهداء‭ ‬وجدوا‭ ‬لكي‭ ‬يرحلوا،‭ ‬لكن‭ ‬المستهدف‭ ‬هو‭ ‬معنويات‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬لدفعها‭ ‬الى‭ ‬اليأس‭ ‬والتسليم‭ (‬‮«‬كي‭ ‬الوعي‮»‬‭ ‬بالعبارة‭ ‬الإسرائيلية‭) ‬لكن‭ ‬هيهات‭ ‬ان‭ ‬يحققوا‭ ‬ما‭ ‬يصبون‭ ‬اليه‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬الاحتلال‭ ‬يقصد‭ ‬حرق‭ ‬أعصاب‭ ‬أو‭ ‬قهر‭ ‬الشهيد‭ (‬هنية‭ ‬أو‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الآلاف‭ ‬المؤلفة‭ ‬التي‭ ‬سبقته‭ ‬أو‭ ‬ستلحق‭ ‬به‭) ‬فقد‭ ‬فشل‭ ‬بقهره‭ ‬بعائلته‭ ‬وأبنائه‭ ‬وأحفاده‭ ‬الذين‭ ‬سبقوه،‭ ‬والذي‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬استشهادهم‭ ‬أوسمة‭ ‬شرف‭ ‬تزيده‭ ‬قوة‭ ‬وإصرارًا‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬الطريق،‭ ‬وها‭ ‬إن‭ ‬حرب‭ ‬الأعصاب‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬لغايتها‭ ‬وذروتها‭ ‬في‭ ‬الشهادة‭ ‬التي‭ ‬طلبها‭ ‬ونالها‭.. ‬سواء‭ ‬بدوافع‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬القومية‭ ‬او‭ ‬غيرهما‭. ‬ألم‭ ‬ترسلونه‭ ‬إلى‭ ‬الجنة‭ (‬وفقاً‭ ‬للمعتقدات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬الوطنية‭)‬؟‭ ‬وما‭ ‬دماء‭ ‬الشهيد‭ ‬الا‭ ‬الزرع‭ ‬الذي‭ ‬ينبت‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة،‭ ‬وإن‭ ‬المقاومة‭ ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬للتحرر،‭ ‬ولطالما‭ ‬ألهب‭ ‬المقاوم‭ ‬باستشهاده‭ ‬مشاعرنا‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬المشارب،‭ ‬وأشعل‭ ‬جذوة‭ ‬التفكير‭ ‬لدى‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬بحقيقة‭ ‬الصراع‭ ‬الوجودي‭ ‬مع‭ ‬الصهاينة،‭ ‬وفتح‭ ‬بابا‭ ‬لا‭ ‬يسد‭ ‬أمامهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬حتمية‭ ‬النصر‭ ‬الذي‭ ‬آمن‭ ‬به‭ ‬الشهداء،‭ ‬ودفعوا‭ ‬حيواتهم‭ ‬ثمنا‭ ‬لذلك‭.‬

نعم،‭ ‬رحل‭ ‬آلاف‭ ‬الشهداء،‭ ‬ويرحل‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬شهيد‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬لكن‭ ‬روح‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬ستظل‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬فلسطين،‭ ‬تضيء‭ ‬الطريق،‭ ‬وتزرع‭ ‬فينا‭ ‬الأمل‭ ‬بالنصر‭ ‬والحرية‭. ‬وقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬غضّ‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬مظلومية‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬الذي‭ ‬تشكل‭ ‬قضيته‭ ‬جوهر‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬أما‭ ‬وقد‭ ‬وجد‭ ‬الشهيد‭ ‬أجوبته…ماذا‭ ‬عنا‭..‬؟؟

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا