في 31 من يوليو عام 2024، تم إعلان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد «إسماعيل هنية» في مدينة طهران، وجاء هذا الاغتيال كجزء أساسي من طموحات إسرائيل لتحقيق «نصر كامل» في عدوانها المستمر على غزة، والتي تسعى لإنهائها -كما يبدو- من خلال سلسلة من الاغتيالات في صفوف خصومها وتحديدًا حركة «حماس» وجماعة «حزب الله». ليمثل الاغتيال كما وصفه «جيريمي بوين» مراسل شبكة «سي إن إن» في الشرق الأوسط، «ضربة قوية» لأي اتفاق سلام بين حماس وإسرائيل، كما أنه «استهانة من جانب إسرائيل بطهران.
لقد كان «إسماعيل هنية» هو المحاور الرئيسي لحماس في المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار، والزعيم الأكثر ترجيحًا داخل الحركة للتوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب. ويؤكد «جريج كارلستروم» مراسل مجلة «الإيكونوميست» في الشرق الأوسط، على أن مصرع هنية يعني أن «مدافعًا مؤثرًا حول وقف إطلاق النار قد رحل»، وخاصة مع رفض «يحيى السنوار» الزعيم السياسي لحماس في غزة، «أي اتفاق» مع إسرائيل؛ فليس غريبًا أن تُصبح حماس الآن «أكثر عنادًا» في أي مفاوضات مستقبلية.
وشكك المراقبون والخبراء فيما يراه الجانب الإسرائيلي وراء هذا الاغتيال، خاصة وأن هنية كان مقيمًا خارج الأراضي المحتلة، وأن هذا الاغتيال كما أشار «بلال صعب» بالمعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس»، «لا يضر حماس كثيرًا» وأنها ستعين قادة جدداً أكثر تطرفاً من أولئك الذين اغتالتهم إسرائيل»، وبالتالي فإن حكومة نتنياهو تعمل فقط على تفاقم مشاكلها الأمنية.
إن ممارسات إسرائيل قد قللت من أي احتمالية لوقف إطلاق النار في غزة، والذي يمثل ضرورة لإنهاء الحرب الحالية، ومحاولة إعادة بعض الاستقرار إلى المنطقة، وكتبت «باربرا سلافين» بمركز ستيمسون بواشنطن، حول التوقعات برد عنيف إما من النظام الإيراني نفسه، أو من حماس أو حزب الله - أو ربما من الثلاثة.
إن الطريقة التي جرت بها عملية الاغتيال، في العاصمة الإيرانية، كانت، وفقًا «لباتريك وينتور» من صحيفة الغارديان، عرضًا قدمته إسرائيل «أمام العالم لتثبت لهم عدم قدرة «الحرس الثوري» الدفاع عن قيادات سياسية هامة، حتى في عاصمته». بينما رأى «بوين» أن عملية الاغتيال تمثل «إذلالًا» للنظام الإيراني، بجانب اقترانها بالغارة الجوية التي قتلت «شكر» في بيروت واغتيال قائد عسكري كبير آخر في حزب الله.
فرغم توقع «وينتور» أن صعود الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في يوليو الماضي، سيفتح «سبلاً جديدة للتعاون مع الغرب»، بما في ذلك التوصل إلى نهاية دبلوماسية للحرب في غزة، خاصة وأن «باتريك كلاوسون» بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، أكد أن «أي فصيل سياسي إيراني لا يريد مثل هذه الحرب». إلا أنه في ضوء سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية الراهنة، أوضح «بانيكوف» أن المرشد الأعلى الإيراني هو الذي «سيوقع على أي رد» ضد إسرائيل، وأن هذا الإحراج للجيش الإيراني ودفاعاته الأمنية قد يدفع بزشكيان إلى «الوقوف مع أي رد يفضله الحرس الثوري».
وأفادت «ألكسندرا شارب» من مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أنه في اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي عقد بعد اغتيال هنية، أمر المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي» المسؤولين الإيرانيين بمهاجمة إسرائيل مباشرة»، إلا أنه «من غير الواضح ما قد يكون هذا الهجوم». وبدوره يتوقع «بانيكوف» أن تتبع القيادة الإيرانية في هذه الحالة «مسارها التقليدي في الرد»، من خلال استخدام حزب الله لمطالبتهم بالانتقام «فعليا على أرض الواقع».
وبالنسبة للمراقبين الغربيين فإن العواقب الأكثر إلحاحاً وخطورة المترتبة على «هذه الاغتيالات هي زيادة التصعيد الإقليمي إلى حد الصراع الكامل الشامل بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. وأكد «وليام ويكسلر» مدير برامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي، أن «لا أحد» يريد اندلاع مثل هذه الحرب، ولكن إسرائيل تبدو مع ذلك «مستعدة للمخاطرة بها بشكل متزايد».
فرغم حالة عدم اليقين بشأن ما سيحدث بعد الاغتيال، إلا أن الانتقام الإيراني بشكل مماثل لما شهدناه في أبريل من هذا العام مرجح تمامًا. وأفاد «تيسدال» إلى أن «أي سسيناريو متوقع ليس مستحيلًا»، وفي حالة أي ضربة إيرانية مضادة، فإن هجومًا إسرائيليًا مسلحًا آخر سوف يكون متوقعًا، وبالتالي إعادة إشعال فتيل حرب متبادلة، لن يخمدها سوى ضبط النفس من جانب كل من الحكومتين الإسرائيلية والإيرانية.
وردًا على تلك الاغتيالات، ناشد «تيسدال» المجتمع الدولي أن يتم مساءلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن «جرائمه» بالمحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى أنه مع استمرار مسار العنف المتبادل بين إسرائيل وإيران في التفاقم، فقد توقع أن يكون نتنياهو نفسه «مستهدفًا» في النهاية، وبالتالي يلقى مصيرًا مماثلاً لمسؤولي حماس وحزب الله، الذي أمر جيشه باغتيالهم دون أي اهتمام بالخسائر المدنية أو العواقب الاستراتيجية الأوسع نطاقا.
كما تم التنديد بعدم شرعية الاغتيالات التي تقوم بها إسرائيل على أراضي دولة أخرى، حيث أدان «تيسدال كيف» «القتل خارج نطاق القانون» والذي تقوم به إسرائيل سعياً إلى «العدالة» التي حددتها بنفسها، وأنها ستؤدي إلى استمرار تسارع دوامة الدمار في الشرق الأوسط«، وقد أوضح «خليل جهشان» المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن العاصمة، على أن حملة الاغتيالات المستهدفة التي تشنها إسرائيل، والتي خلفت أيضاً سقوط عشرات الضحايا من المدنيين، «غير قانونية وغير مدروسة» من الناحية الاستراتيجية، لأنها تعادل «فتح لباب هائل» من العواقب.
وفيما يتصل بالجهود الدبلوماسية اليائسة لإنهاء الحرب في غزة وتخفيف معاناة أكثر من مليوني مدني فلسطيني خاضعين للقصف والاحتلال الإسرائيلي، أشار «بوين» إلى أن حملة الاغتيالات والجرائم الإسرائيلية جعلت مثل هذا الاتفاق يبدو «بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى». وفي ظل حالة الإحباط والاستياء ليس فقط من قبل المراقبين والصحفيين والخبراء الغربيين، بل وأيضاً شعوب الدول الغربية التي تريد إنهاء الحرب، أعرب «تيسدال» عن أسفه لأن جلب السلام إلى غزة والشرق الأوسط «أصبح أمرًا معقدًا»، ويتلخص الحل حسب قوله: «أوقفوا الحرب. أوقفوا القتل. أنقذوا الأطفال. وافقوا على وقف إطلاق النار وحرروا الأسرى. وبعد ذلك، قد تصبح جميع المشاكل الأخرى، أسهل قليلاً في معالجتها».
وفي هذا الصدد أشار «جيريمي بوين» أن «الابتعاد عن شفا» صراع أوسع نطاقًا في الوقت الحاضر ربما يؤدي إلى «بناء مسار دبلوماسي» للسلام في المنطقة، ولهذا السبب فإن «الخطوة الأولى الوحيدة القادرة على خفض حالة التصعيد هي وقف إطلاق النار في غزة». كما أوضح «سيمون تيسدال» أن «خيار وقف إطلاق النار في غزة» بين إسرائيل وحماس «يقدم فرصة حقيقية للسلام» في الأراضي المحتلة والمنطقة أيضًا.
على العموم، يُعد اغتيال «إسماعيل هنية» بمثابة صفعة هائلة للمفاوضات الناشئة لمحاولة الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة، وقد اعترفت «كيرستن فونتينروز» زميلة غير مقيمة في المجلس الأطلسي، بـ «الطاقة الدبلوماسية الدؤوبة» للدول العربية في الشرق الأوسط، أنه لاتزال هناك بعض المحاولة من قبل بعض الدول للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار-وأبرزها مصر وقطر-. فيما أكد «بوين» مرة أخرى كيف تُظهر الاغتيالات والاستفزازات ضد إيران رغبة نتنياهو في «إطالة أمد الحرب» لأطول فترة ممكنة وبالتالي «تجنب اللحظة التي يخضع فيها للمحاسبة» عن انتهاكاته العديدة للسلطة السياسية.
أدت تصرفات وممارسات الحكومة الإسرائيلية، في انتهاك واضح للقانون الدولي، إلى قتل أي أمل في تحقيق تقدم دبلوماسي لوقف الحرب وإنهاء القتال في غزة، وفي حين أن هذا الوضع المتفاقم يناسب بوضوح «بنيامين نتنياهو» وحلفائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين لا يريدون فقط مواصلة الدمار الذي فُرض على غزة، بل يريدون أيضًا توسيع نطاق حربهم ضد حزب الله في لبنان وإيران نفسها، فقد أوضح «جهشان» أن إسرائيل أصبحت «تثير عش الدبابير» الذي «سيعود في النهاية ويطاردها بشراسة أكثر من أي وقت مضى».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك