صوت مؤخرا الكنيست الإسرائيلي بنسبة مرتفعة على قرار برلماني برفض إنشاء الدولة الفلسطينية لتقييد السلطة التنفيذية ومنعها في أي مفاوضات مستقبلية من أي موافقة مبدئية أو فكرة الدولتين، مناقضا بذلك القرارات الدولية ذات العلاقة بدءا من القرار 181 ومرورا بالقرار 193 ووصولا إلى القرارين 242 و338 وهي أساس الشرعية الدولية لحل الصراع العربي الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية في نفس الوقت إضافة إلى أن هذا القرار الفاشي وغير العقلاني وغير المنطقي يتناقض كلية مع جميع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي جرت بين الطرفين في تسعينيات القرن الماضي وأدت في النهاية إلى اتفاق أوسلو في عام 1993 والتي بنيت في الأساس على قاعدة الشرعية الدولية مع تنازلات فلسطينية كبيرة من أجل الوصول إلى حل وسط سياسي يمكن الشعب الفلسطيني من الحصول على الحد الأدنى من حقوقه الوطنية المشروعة في إنشاء دولته المستقلة ذات السيادة، متضمنا أيضا حلولا ظرفية لقضايا اللاجئين وتبادل الأراضي ووقف الاستيطان وإخلاء بعض المستوطنات في الضفة الغربية إضافة إلى العديد من الجوانب الأمنية والمالية والاقتصادية، ولكن كالعادة انقلبت القيادات الإسرائيلية بكل توجهاتها حتى عن اتفاقيات أوسلو التي لم تعط سوى أقل من 20% من الأراضي الفلسطينية، ومع ذلك فإن إسرائيل المرعوبة من فكرة الدولة الفلسطينية حتى إن كانت صغيرة ومخنوقة وتراجعت كليا عن هذه الاتفاقيات التي لم يبق منها سوى هيكل عظمي محدود في رام الله.
إن هذا القرار في الحقيقة لا جديد ولا مستغرب، فإسرائيل اليوم خاصة في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة والفاشية التي تشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة ترفض جملة وتفصيلا أي حلول سلمية وأي حلول وسط مهما كانت لصالحها وذلك لثلاثة أسباب:
أولا: الرعب والخوف من فكرة الدولة الفلسطينية التي مهما كانت مساحتها محدودة وحدودها فإن مواردها البشرية غير محدودة، وهذا ما يخيف اليمين الإسرائيلي الذي يخشى أن يرى بجواره خلال عشرين أو ثلاثين سنة 30 مليون فلسطيني على الأقل، وهذا لا شك أحد أوجه الرعب الذي يتم تغذيته يوميا عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية وعبر التحريض والخطط الفاشية لكل من وزير الدفاع يواف غالانت ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش وهما يلخصان بما لا يدع مجالا للشك الوجه الأكثر سوءا واستفزازا، حيث أظهرت حرب الإبادة على غزة ان هذا اليمين بأركانه المختلفة يؤيد بشكل مطلق إبادة الشعب الفلسطيني وإجباره على ترك أرضه وتاريخه.
ثانيا: حالة الضعف الكبير وغير المسبوق التي يعيشها العرب والقيادات الفلسطينية بمختلف أطرافها هذا العجز عن الفعل وردة الفعل من الطبيعي أن يشجع الصهاينة واليمين المتطرف على التمادي في الترجمة السياسية والتشريعية لشعار الإبادة والترحيل، ولذلك جاء القرار مترجما لتحدي العرب والضمير العالمي في نفس الوقت، بما في ذلك ما يسمى بالشرعية الدولية التي من الواضح أنه لم يعد لها أي أهمية.
ثالثا: إن الصراع الدولي القائم حاليا وحالة الانقسام التي يشهدها العالم خصوصا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على مختلف أوضاع العالم جعلت القضية الفلسطينية لا تحظى بأي اهتمام حقيقي من القيادات الغربية بالرغم من الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي شهدتها معظم دول العالم، فإن المنبر الرسمي الغربي المنخرط كلية في الحرب ضد روسيا الاتحادية والاستعداد للحرب مع الصين لم يعد يعبأ بالقضية الفلسطينية أو بحقوق الشعب الفلسطيني.
ومن خلال ما تقدم، فإن الأجواء والعوامل الأساسية أصبحت تشجع اليمين الإسرائيلي المتطرف على أن يفعل ما يريد بما في ذلك إبادة الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه وسلبه حقوقه وحرمانه حتى من الحقوق التي أقرها القانون الدولي في إنشاء دولته المستقلة على أرضه، ولذلك لا غرابة في أن يصدر الكنسيت الإسرائيلي مثل هذا القرار الجديد القديم للشعب الفلسطيني والعالم، ان إسرائيل دولة خارج القانون وتفعل ما تشاء لا يعنيها لا الشرعية الدولية ولا الحقوق الإنسانية الأساسية لهذا الشعب الفلسطيني المنكوب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك