العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ما معنى شعار «لكي لا ننسى»؟!

بقلم: فاروق يوسف {

الاثنين ٠٥ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

كان‭ ‬العرب‭ ‬يخشون‭ ‬النسيان‭ ‬لذلك‭ ‬رفعوا‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬لكي‭ ‬لا‭ ‬ننسى‮»‬‭. ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬الشعار‭ ‬كان‭ ‬أشبه‭ ‬بـ«وذكر‭ ‬إن‭ ‬نفعت‭ ‬الذكرى‮»‬‭. ‬كانوا‭ ‬يتذكرون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألا‭ ‬تغيب‭ ‬فلسطين‭ ‬وهو‭ ‬حق‭ ‬مشروع‭. ‬هل‭ ‬تكفي‭ ‬الذكرى‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬المرء‭ ‬حيا؟

واقعيا‭ ‬نسيت‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬الأهوال‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬انسداد‭ ‬الأفق‭ ‬السياسي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬انهيارات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عطل‭ ‬إمكانية‭ ‬الاتصال‭ ‬بالعالم‭ ‬الخارجي‭ ‬بحيث‭ ‬تحولت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬جزر‭ ‬تقع‭ ‬خارج‭ ‬العصر‭.‬

قبل‭ ‬أن‭ ‬يُحتل‭ ‬كان‭ ‬العراق‭ ‬غائبا‭ ‬ومغيبا‭ ‬عن‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭. ‬كانت‭ ‬سوريا‭ ‬منفية‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬وجد‭ ‬فيها‭ ‬الأسد‭ ‬ملاذا‭ ‬مترفا‭ ‬له‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭. ‬صار‭ ‬لبنان‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬حجمه‭ ‬الجغرافي‭ ‬ومحيت‭ ‬حريته‭ ‬المغناج‭. ‬أما‭ ‬ليبيا‭ ‬فقد‭ ‬ظن‭ ‬عقيدها‭ ‬أن‭ ‬دفع‭ ‬تعويضات‭ ‬لوكربي‭ ‬هو‭ ‬قارب‭ ‬نجاته‭ ‬وستظل‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬يحكمها‭ ‬نائمة‭ ‬تحت‭ ‬عباءته‭. ‬غُدرت‭ ‬مصر‭ ‬بكثرة‭ ‬أهلها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يغدر‭ ‬بها‭ ‬عجز‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬مد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬لها‭. ‬ظل‭ ‬السودان‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬عبثية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬عبثا‭ ‬وسلة‭ ‬الغذاء‭ ‬مثقوبة‭.‬

عبر‭ ‬سنوات‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الخراب‭ ‬واللهو‭ ‬الكئيب‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬اليمنيون‭ ‬والعراقيون‭ ‬والسوريون‭ ‬واللبنانيون‭ ‬وسواهم‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬حريصين‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬نسيان‭ ‬فلسطين‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬يفعلونه‭ ‬هو‭ ‬أشبه‭ ‬بلعبة‭ ‬الكلمات‭ ‬المتقاطعة‭.‬

لا‭ ‬فائدة‭ ‬إذاً‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬نسيان‭ ‬فلسطين‭ ‬والفشل‭ ‬يحيط‭ ‬بالمحاولة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يخطئ‭ ‬اللاعب‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الكلمة‭ ‬المناسبة‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬تنتهي‭ ‬اللعبة‭ ‬بالخسارة‭.‬

نتذكر‭ ‬مذبحة‭ ‬دير‭ ‬ياسين‭ ‬فيما‭ ‬تشق‭ ‬‮«‬صور‭ ‬من‭ ‬المعركة‮»‬‭ ‬العقول‭ ‬قبل‭ ‬العيون‭ ‬بجثث‭ ‬القتلى‭ ‬المنسيين‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬ثمانينات‭ ‬العراق‭. ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬بحر‭ ‬البقر‭ ‬قتل‭ ‬الطيران‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أطفالا‭ ‬مصريين‭ ‬فيما‭ ‬تمتلئ‭ ‬الشوارع‭ ‬العربية‭ ‬بالأطفال‭ ‬المشردين‭ ‬الذين‭ ‬ستكون‭ ‬الجريمة‭ ‬مستقبلهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تسربوا‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬أصلا‭. ‬نفزع‭ ‬إذ‭ ‬نرى‭ ‬صور‭ ‬آرييل‭ ‬شارون‭ ‬وهو‭ ‬يتبختر‭ ‬بين‭ ‬شوارع‭ ‬بيروت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فلسطينيو‭ ‬صبرا‭ ‬وشاتيلا‭ ‬فيه‭ ‬يُذبحون‭ ‬بسكاكين‭ ‬عربية‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتذكر‭ ‬أهل‭ ‬دارفور‭ ‬فيما‭ ‬صار‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬طُويت‭ ‬صفحته‭.‬

كم‭ ‬طوينا‭ ‬من‭ ‬الصفحات‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬ونحن‭ ‬أمة‭ ‬مصابة‭ ‬بداء‭ ‬التلفت‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭. ‬خطوة‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬وأخرى‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬أيضا‭. ‬سيضحك‭ ‬الباندا‭ ‬الصيني‭ ‬والحمار‭ ‬الأمريكي‭ ‬والكنغر‭ ‬الاسترالي‭ ‬والدب‭ ‬الصيني‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬نستعيد‭ ‬رواية‭ ‬جورج‭ ‬أورويل‭ ‬‮«‬مزرعة‭ ‬الحيوانات‮»‬‭.‬

وصلتني‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬دعوة‭ ‬للتوقيع‭ ‬على‭ ‬بيان‭ ‬يعبر‭ ‬الموقعون‭ ‬فيه‭ ‬وكلهم‭ ‬عرب‭ ‬والبعض‭ ‬منهم‭ ‬فلسطينيون‭ ‬عن‭ ‬وقوفهم‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتأييدهم‭ ‬لحقه‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬شعرت‭ ‬بالإهانة،‭ ‬بل‭ ‬بالخزي‭. ‬لقد‭ ‬نسي‭ ‬كتبة‭ ‬البيان‭ ‬المناضلون‭ ‬أنني‭ ‬عربي‭ ‬وأن‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬قضيتي‭ ‬وأن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬هو‭ ‬حقي‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬لكي‭ ‬لا‭ ‬ننسى‮»‬‭ ‬نافعا‭ ‬إذن‭.‬

لولا‭ ‬أننا‭ ‬نسى‭ ‬لما‭ ‬حدث‭ ‬لنا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬سنة‭ ‬وهي‭ ‬عمر‭ ‬إسرائيل‭. ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬المشؤوم‭ ‬الذي‭ ‬أُعلن‭ ‬فيه‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يتقدم‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭. ‬كنا‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للارتداد‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭. ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬كانت‭ ‬ممكنة‭ ‬دائما‭. ‬

حتى‭ ‬مثقفونا‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬استغفالنا‭ ‬حين‭ ‬يزايدون‭ ‬على‭ ‬قلوبنا‭ ‬ويسرقون‭ ‬عقولنا‭. ‬أهو‭ ‬سباق‭ ‬على‭ ‬غسل‭ ‬العقول‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬السوداء‭ ‬مهنة‭ ‬رائجة؟

يخشى‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يوقع‭ ‬على‭ ‬البيان‭ ‬المذكور‭ ‬أن‭ ‬يُتهم‭ ‬بالتخاذل‭ ‬والتطبيع‭ ‬أي‭ ‬بالخيانة‭. ‬لعبة‭ ‬ماكرة‭. ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬ذكاء‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬المهمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للمثقف‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬ارتجال‭ ‬مواقف‭ ‬آنية‭ ‬يفرضها‭ ‬الظرف‭ ‬السياسي‭ ‬المتغير‭. ‬المثقف‭ ‬هو‭ ‬ابن‭ ‬ثوابته‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬والحق‭ ‬والكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬يفكر‭ ‬فيه‭ ‬الآخرون‭ ‬البعيدون‭ ‬الذين‭ ‬يقفون‭ ‬مع‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حين‭ ‬يجدون‭ ‬أني‭ ‬صرت‭ ‬مثلهم‭ ‬أوقع‭ ‬بيانات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نصرة‭ ‬قضيتي؟

رفضت‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬ذلك‭ ‬المجنون‭. ‬ولكنني‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أدعو‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬تلك‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬يؤكد‭ ‬موقعوها‭ ‬أننا‭ ‬أمة‭ ‬تنسى‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا