يقول تعالى: «كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون» (الأنبياء/35).
إذًا، فالابتلاء امتحان، وقد يكون بالشر والخير، والغاية منه هو ما يفضي إليه من رضا أو سخط، والآن دعونا نتتبع ما يثمر من عطاء مبرور، ومن سعى مشكور، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي، يقول عز وجل يوم القيامة «يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني قال: يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!
قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلانًا، فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك، فلم تسقني، قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاء عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو أسقيته وجدت ذلك عندي» صحيح مسلم.
ولقد كانت أم المؤمنين عائشة (رضوان الله تعالى عنها) تنظف الدينار وتعطره، وحين يسألها ابن أختها عبدالله بن الزبير (رضي الله عنهما) عن السبب، فكانت تقول له: لأنه يقع بيد الله تعالى قبل أن يقع في يد الفقير!
ومعلوم أن الإخلاص في العمل يقرب العبد من ربه سبحانه، يقول تعالى: «كلا لا تطعه واسجد واقترب» (العلق/19).
والعمل أيًا كان نوعه لا يكون صالحًا ما لم يتوافر فيه شرطان، الأول: الإخلاص، والثاني أن يكون حلالًا طيبًا في كسبه وإنفاقه.
هذا ما يؤكده الحديث القدسي الذي رواه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ربه عز وجل، ومن بشائر قبول العمل الصالح عند الله تعالى تجدد الرغبة عند المؤمن إلى مزيد من العمل الصالح، والتقرب به إلى الله تعالى، وهذا أعظم عطاء يستشعره المسلم حين يقع به البلاء.
ومن عظمة البلاء وعطائه أنه مطهرة للذنوب، ولا يزال العبد يتصدق، ويثابر في الصدقة حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة. ومن عطاء البلاء أيضًا الرفعة في درجات العبد، وكلما اشتد البلاء بالمؤمن، فهذا دليل على صدق إيمانه، وقوة يقينه، وأنه من عباد الله المُخلصين.
ومن عطاء البلاء لصاحبه أنه دليل على حب الله تعالى له.
والله تعالى يعطي على القليل الكثير، يقول تعالى: «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم» (البقرة/261).
حبة واحدة تؤتي ثمارًا كثيرة لا عَدَّ لها ولا حصر، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى: «ألم تر كيف ضرب الله مثلًا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء (24) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون (25)» (إبراهيم).
وهناك عطاء من الله تعالى مع بقاء رأس مال العبد، ويتحقق هذا في القرض الحسن الًذي يحتفظ فيه العبد بماله مع تفريج كربة المؤمن عند الحاجة، يقول تعالى: «من الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون» (البقرة/245).
وتأملوا سعة العطاء الإلهي وعلو منزلة المؤمن عند الله تعالى حين يكون في حاجة أخيه المؤمن، يقول سبحانه وتعالى: «.. إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب» (الزمر/10).
وجملة «بغير حساب» التي ختمت بها الآية الجليلة (10) من سورة الزمر تفيد مرة بغير حساب أي بلا حَدَّ، وتأتي مرة بمعنى بلا محاسبة ولا مساءلة كل هذا العطاء للصابرين على البلاء، الشاكرين في السراء.
وبعد، فلا تشغل نفسك ووقتك بعَدِّ ما عند غيرك من النعم، بل اشغل وقتك بحصر ما لديك أنت من النعم، ثم أنظر إلى من هو دونك في السراء، وأنظر إلى من هو فوقك في البلاء، فلا تزدري نعمة الله تعالى، وأعلم أن لو كشفت لك الحجب لحمدت الله تعالى على ما حباك من استقامة في أولادك، وصلاح في أهلك، وصحة في بدنك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك