بناء على نتائج المؤتمر، والقمة العاشرة لمنتدى التعاون الصيني العربي (CASCF) التي عقدت على هامشه، تم التوقيع على الوثائق التالية:
يدعو إعلان بكين إلى تسريع تنمية الشراكة الصينية العربية، كما يعكس المواقف المشتركة للأطراف بشأن الأزمات الإقليمية، ومنها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وضرورات التنسيق في مكافحة الإرهاب، وفى مجال حقوق الإنسان، وتغير المناخ العالمي، والذكاء الاصطناعي؛
خطة العمل للفترة من (2024- 2026) كمنصة عملية لتكثيف العلاقات الصينية العربية في مجال السياسة والاقتصاد، بما في ذلك التعاون القطاعي (البنية التحتية، والطيران، والتبادلات الثقافية، والتعليم، والرعاية الصحية، وما إلى ذلك)، اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والبحرين، اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع تونس.
ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من الانتقادات المعتادة «للصين الاستبدادية»، فإن المراقبين الغربيين والعرب الموالين للغرب (وخاصة المحلل البحريني حسن الحسن، الذي يمثل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره لندن) وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاعتراف بإنجازات بكين في تنفيذ استراتيجيتها في الشرق الأوسط. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تشكيل تحالفات من دول الجنوب العالمي في عالم متعدد الأقطاب كثقل موازن لسياسات الولايات المتحدة والدول المتقدمة في مجموعة السبع.
بالإضافة إلى ذلك، من لندن نفسها، وعلى مستوى الخبراء، هناك انتقادات مبطنة لواشنطن؛ لأنه بفضل سياساتها تمكن الصينيون من تحقيق نجاحات اقتصادية وسياسية خارجية مثيرة للإعجاب في الشرق الأوسط، ومن بين الأسباب القلق المشترك لجمهورية الصين الشعبية والعرب بشأن «تسليح» السياسة التجارية والتمويلية والتكنولوجية من جانب الأمريكيين في المواجهة مع روسيا، والمعايير المزدوجة للولايات المتحدة فيما يتعلق بالأزمات في أوكرانيا، وأوروبا، وغزة. ونتيجة لذلك، وكما يشير حسن الحسن، «فإن الاهتمام العربي بمجموعة (بريكس بلس) -بوصفها صيغة جديدة للتعاون مع القيادة الصينية- آخذ في الازدياد».
يمكننا اليوم أن نتوصل إلى استنتاج منطقي بشأن وجود أساس وآفاق جدية فيما يتعلق بتطوير التعاون متعدد الأوجه بين الصين والعالم العربي، وأطروحة شى جين بينغ الدعائية عن «حقبة جديدة» في العلاقات الصينية العربية، يتوافق هذا الرأي جزئيًّا مع الواقع. في الوقت نفسه، إلى جانب الفرص المتاحة للتطوير المتسارع لحوارات بكين مع الدول العربية الفردية، كانت هناك – ولاتزال – مشكلات وتحديات.
أولًا: على الرغم من التصريحات المبالغ فيها -إلى حدٍ ما- للخبراء الغربيين عن «تردد» الصينيين في شؤون الشرق الأوسط، فيما يتعلق بالإمكانات العسكرية، فإن بكين لا تزال غير قادرة على التنافس مع واشنطن، فضلاً عن القوات المتحالفة مع الناتو. يطرح حسن الحسن أطروحة مثيرة للجدل مفادها أنه: «على عكس الاقتصاد والدبلوماسية في مجال السياسة والأمن في الشرق الأوسط، فإن الصينيين ليسوا غير قادرين فحسب، بل غير راغبين أيضًا في التنافس مع الأمريكيين، الذين يحافظون على علاقة خاصة مع عدد من الدول العربية في مجال الدفاع والأمن»، وهذا يعني بوضوح (دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن). وفى تصنيف القوة العسكرية لعام 2024، تحتل الصين المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا. إن تخلف الصين عن الولايات المتحدة ملحوظ على نحو خاص في القوات البحرية والجوية، التي -كما هو معروف- هي الأكثر مشاركة في العمليات القتالية في الشرق الأوسط. ويبدو أن هذا هو السبب الذي يجعل الصينيين يمتنعون عن التدخل في الصراع بين الغرب والحوثيين اليمنيين في البحر الأحمر، على الرغم من وجود قاعدة بحرية في جيبوتي المجاورة، ويفضلون التفاوض مع الحوثيين بشأن عدم مهاجمة السفن الصينية.
ثانيًا: على خلفية الركود الاقتصادي في الصين، الذي على الرغم من تقارب الإحصاءات المحلية، يكاد يكون معترفًا به بالإجماع من جانب المحللين الروس والأجانب (في عام 2023، خفضت سيتي جروب توقعاتها للنمو الاقتصادي الصيني من 5,5% إلى 5%، ومورجان ستانلي من 5,7% إلى 5%، وجولدمان ساكس من 6% إلى 5,4%). ورغم وجود اهتمام متزايد من التجار والمستثمرين الصينيين بأسواق الشرق الأوسط – على سبيل المثال، مجموعة على بابا، وخدمة الحوسبة السحابية تينسنت كلاود، وشركة توصيل الأغذية ميتوان (Meituan) للمشروعات التجارية في السعودية – فإنها لا تلقى دائمًا تفاعلًا كافيًا هناك؛ غالبًا بسبب الضغوط الأمريكية القاسية على «الأصدقاء العرب». وينطبق هذا -على نحو خاص- على التفاعل في صناعات التكنولوجيا الفائقة التي تشكل أهمية بالغة لبكين. ويكفي أن نتذكر الحلقة غير السارة للشركاء الصينيين مع استعداد شركة تكنولوجيا المعلومات السعودية «آلات» (Alat) برأسمال 100 مليار دولار لرفض التعاون مع الصين لإرضاء واشنطن، أو قصة مماثلة مع شركة تكنولوجيا المعلومات الإماراتية الرائدة مجموعة «جي 42» (G42) التي وافقت على تقليص حجم تعاونها التكنولوجي مع الصين مقابل 1,5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة مايكروسوفت.
ثالثًا: على الرغم من اهتمام العرب بالانضمام إلى مبادرة الحضارة العالمية الصينية، فإن الحواجز الثقافية بين الصينيين والعرب لاتزال قائمة. ويشير هذا إلى الاختلافات العميقة في النظرة العالمية والفلسفة والدين (الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية في الصين، والإسلام في العالم العربي)، التي تستقر على أخلاقيات الأعمال التجارية، والمواقف تجاه الفساد، والاقتصاد غير الرسمي، وكثير من الجوانب الأخرى الاجتماعية والسياسية، والحياة الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن الوضع في سياق سيادة السياسات الاقتصادية الخارجية لدول الجنوب العالمي على خلفية التحول التاريخي من نظام عالمي أحادي القطب إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب لايزال يتغير. ووفقًا للخبراء، بحلول عام 2037 قد يتفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الأمريكي، ليصبح الأكبر في العالم، ومن ثم لا يمكن استبعاد أنه على المدى المتوسط (في غضون من ثلاث إلى خمس سنوات) ستنتقل بكين إلى إجراءات أكثر نشاطًا؛ مما يدفع الولايات المتحدة إلى الخروج من الشرق الأوسط، وبعد ذلك سيبدأ حقًّا «العصر الجديد» الذي أعلنه شى جين بينغ في الشراكة الصينية العربية.
{ باحث روسي، ومستشار دولة للاتحاد الروسي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك