في 30 مايو، انعقد الاجتماع الوزاري العاشر في بكين في إطار «منتدى التعاون الصيني العربي». وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المنتدى تأسس في يناير (كانون الثاني) 2004 أثناء زيارة الرئيس الصيني هو جين تاو لمصر، وعقد اجتماعه الأول في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في سبتمبر من العام نفسه. وعلى مدار عشرين عامًا من تأسيسه أصبح المنتدى آلية دائمة للتفاعل العربي الصيني بشأن مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالسياسة والاقتصاد العالميين من دون استثناء أجندة الشرق الأوسط بطبيعة الحال.
تبين أن الاجتماع الأخير الذي ترأسه وزيرا خارجية جمهورية الصين الشعبية وموريتانيا كان تمثيليًّا: «وصلت وفود من جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، البالغ عددها 22 دولة، إلى عاصمة جمهورية الصين الشعبية. وهكذا، تمكنت الدبلوماسية الصينية من تجنب عدم المشاركة العربية الواسعة، كما حدث في منتدى الحزام والطريق الثالث الذي انعقد يومي 17 و18 أكتوبر 2023، وقد شارك في المؤتمر قادة دول الإمارات العربية المتحدة والبحرين وتونس ومصر، وبسبب اندلاع الحرب في غزة لم يحضر بقية الزعماء، حيث حضر وزراء خارجية الجزائر والعراق واليمن والمغرب والمملكة العربية السعودية وسوريا والسودان، ووزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، والأمين العام لوزارة الخارجية اللبنانية، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط.
وكان من المهم عقد عدد من الاجتماعات المتزامنة بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والقادة العرب على هامش المؤتمر؛ ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، والرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس الوزراء الليبي عبدالحميد الدبيبة. وكان ولى العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود يعتزم الحضور، لكنه لم يتمكن من الحضور بسبب التزامات داخلية حالت دون حضوره.
وليس من المستغرب أن يكون لماراثون المفاوضات الرفيعة المستوى تأثير دعائي ملموس؛ ما سمح لشي جين بينغ بإعلان التقدم نحو «حقبة جديدة» في العلاقات الصينية العربية، مبنية على المستقبل المشترك الذي تحدث عنه رئيس جمهورية الصين الشعبية خلال زيارته لمصر في ديسمبر 2022. وأعلن شي جين بينغ استعداده لاستضافة القمة الصينية العربية الثانية في بكين عام 2026، وتحدث عن التطور السريع لعلاقات الصين مع العالم العربي، وتعزيز نموذج التعايش المتناغم، وحوار الحضارات لصالح «الحكم الرشيد للعالم»، واقتراح إنشاء مركز عربي صيني يتماشى مع تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية التي تروج لها قيادة الحزب الشيوعي الصيني.
إلى جانب ذلك، ركزت بكين في الاجتماع مع القادة العرب على مبادرة الأمن العالمي، التي طرحها شي جين بينغ في منتدى بوآو الآسيوي، في 21 إبريل 2022؛ بهدف بناء بنية أمنية فعالة ومستدامة، وضرورة قيامها على مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة، الذي ينسجم تمامًا مع مبدأ الأمن المتساوي وغير القابل للتجزئة في أوراسيا، الذي دافع عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتحقيقًا لمصالح العرب، ربط الصينيون، خلال المؤتمر العاشر للمنتدى، هذه المبادرة بصيغة «حل الدولتين» فيما يخص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مستشهدين بتجربتهم الإيجابية في إطلاق عملية تطبيع العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية. كما أكدت الوثيقة الختامية بشأن القضية الفلسطينية التي اعتمدها المؤتمر موقفهم المبدئي الداعم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومنح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة، والدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة.
كل هذا يرتبط بالمبادئ التوجيهية لبرنامج اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن استخدام التقنيات والأدوات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية غير المواجهة في تعزيز مصالح بكين من أجل تعزيز الوجود الصيني في الجنوب العالمي، وزيادة إمكانات الصين الدبلوماسية من حيث القيام بدور الوساطة في حل حالات الصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أكد الرئيس الصيني ضرورة استمرار الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال زيارته للمملكة العربية السعودية عام 2022، وهو ما يبرز اهتمام بكين بتشكيل خمسة محاور للتعاون مع الشركاء العرب، وهذا يعنى زيادة ديناميكيات التعاون في مجال الابتكار، وتوسيع جدول الأعمال في مجال الاستثمار والتمويل، وحوارات أكثر تنوعًا بشأن الطاقة، والتجارة المتوازنة، والدبلوماسية العامة. وشملت المشروعات المحددة البناء المشترك لـ10 مختبرات في مجال الصحة ودعم الحياة، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر ومنخفض الكربون، والزراعة الحديثة، واستكشاف الفضاء، وتطوير تكنولوجيا المعلومات.
ورحب شي جين بينغ بربط البنوك العربية بنظام الدفع بين البنوك عبر الحدود، الذي أطلقه الجانب الصيني عام 2015 بديلًا لنظام سويفت الغربي. وعلى عكس الأخير، فهو لا يوفر تبادل المعلومات فحسب؛ بل يوفر أيضًا المقاصة والتسوية. وقد بدأت بعض البلدان العربية بالفعل في استخدام اليوان الصيني في التجارة مع الصين، نحن نتحدث -على وجه الخصوص- عن عقد توريد الغاز الطبيعي المسال الذي أبرمته دولة الإمارات العربية المتحدة في بورصة شنغهاي في مارس 2023، وتُنفَّذ المعاملات بالدرهم الإماراتي الرقمي مع بنك الشعب الصيني في وضع الاختبار. تتم دراسة مسألة الربط في (2024- 2025) بنشاط. أجزاء من المعاملات التي تتم عبر نظام الدفع الإماراتي عبر الحدود «بُنى» (Buna) إلى نظام الدفع الصيني «يونيون باي» (UnionPay).
{ باحث روسي، ومستشار دولة للاتحاد الروسي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك