يعتبر سوق المنامة القديم من الأسواق التجارية المهمة في مملكة البحرين، لما له من تاريخ عريق يمتد عبر قرون عديدة، ولقد حرصت قيادتنا الحكيمة على الاهتمام والمحافظة على هذا التراث المميز في المملكة، حيث أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، الأمر السامي، بوضع خطة عمل تختص بالمحافظة على الهوية التاريخية والثقافية لمباني ومدن البحرين، وقد وجّه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، الجهات المعنية بإطلاق خطة متكاملة لإعادة تطوير المنطقة التاريخية لسوق المنامة للمحافظة على هويتها التاريخية والثقافية، وتلبية الاحتياجات والبنى التحتية اللازمة للمنطقة، وقد لاقى هذا الأمر السامي والتوجه الكريم الاستحسان والترحيب من محافظ محافظة العاصمة والمواطنين والمقيمين والقاطنين ورجال الأعمال والتجار، الذين صرحوا بأن هذه الخطة ستشكل دفعة كبيرة للسوق وزخما سياحيا وتسويقيا واسعا، لجعل سوق المنامة أحد العلامات الفارقة في السياحة المحلية في المملكة وإضافة نوعية للوجهات المرغوبة، لأنه يمثل الهوية والتراث البحريني ويدعم وينشط الحياة الاجتماعية والتجارية والسياحية، فمتعة التسوق في الأسواق القديمة والشعبية لا يضاهيها التسوق في الأماكن الأخرى، ما جعلها من الوجهات السياحية التي يحرص المقيمون والزوار وخاصة الأجانب منهم على زيارتها.
ومن المؤسف تعرض جزء من سوق المنامة القديم لحريق كبير عصر يوم الأربعاء 6 ذو الحجة 1445هـ الموافق 12 يونيو 2024، وأدى إلى احتراق العديد من المحلات التجارية والمباني الأثرية وقامت وزارة الداخلية مشكورة بالتعامل مع الحريق بصورة سريعة.
أنا وغيري كثيرون من المواطنين والمقيمين، تأثرنا بما حدث، لما لدينا من ذكريات وشجون كثيرة، تمس القلوب وتبقى محفورة في وجدانا والتصقت بنا عن السوق وتاريخ مدينة المنامة، التي كانت وما زالت بوتقة حضارية، حيث عرف عنها بأنها مدينة الاخاء والتسامح والتعايش وملتقى الحضارات، واحتضنت الكثير من السكان والمقيمين من مختلف الأجناس والأعراق والديانات ومن دون تمييز.
أتمنى من الجهات المختصة على ضوء الأمر السامي والتوجه الكريم، سرعة دراسة أوضاع السوق والبدء بتطويره ودراسة أسباب الحريق لمنع تكراره وإعادة إعمار المحلات والمباني المتضررة في وقت واحد بشكل جماعي متناغم وليس بشكل فردي أو عشوائي وتعيين لجنة من أصحاب الاختصاص تقوم بحصر الأضرار والخسائر وإنشاء صندوق يتكفل بإيجاد التمويل عن طريق الحكومة أو تمكين أو بأي طريقة أخرى لترميم ما يمكن ترميمه أو هدم ما لا يمكن ترميمه وإعادة بناء المحلات والمباني المتضررة بالتنسيق مع التخطيط العمراني والبلدية، ليكون موقع الحريق، بداية تطوير شامل لسوق المنامة تدريجيا، وان يتم البناء بالطرق الحديثة مع المحافظة على الطابع القديم للمحلات والمباني وتحديث البنى التحتية وتوفير بعض المحلات للتخزين المشترك للبضائع وإنشاء حمامات عامة وفتحات صرف مياه الأمطار والمجاري وتوفير تمديدات مياه لإطفاء الحرائق ومواقف سيارات وفحص تمديدات الكهرباء الحالية، وان تقوم اللجنة بعد إعادة الإعمار، بتأجير المحلات على التجار المتضررين وتقسيم العائد المالي الشهري بين ملاك العقارات وصندوق التمويل لتسديد تكاليف إعادة الإعمار.
وكما أتمنى من الجهات المختصة توعية الملاك والمستأجرين والموظفين والعمال بمختلف اللغات المستخدمة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والصحف والتلفزيون عن أهمية الالتزام باشتراطات وأنظمة وقوانين السلامة الصادرة من الدفاع المدني والبلدية والحث على التأمين الشامل للمباني والممتلكات والبضائع وتوفير طفايات الحريق والتدريب على استخدامها، لأن استخدامها بشكل صحيح وفوري يسهم في إخماد أغلب الحرائق أو حصرها، لحين وصول فرق الدفاع المدني وتحديد المساحة المسموح بشغل الطريق عند عرض البضائع خارج المحلات، لأن من الصعوبة منع عرضها لخصوصية الأسواق القديمة وصغر المحلات وافتقارها للحمامات وأماكن التخزين وأمور السلامة الأخرى، والحاصل الآن مع الأسف عرض أغلب البضائع خارج المحلات الموجودة في أزقة ضيقة يصعب المشي فيها، فما بالك عند حدوث حريق، حيث ستواجه فرق الدفاع المدني صعوبة كبيرة في سرعة الوصول إلى مكان الحريق والسيطرة عليه، وكذلك الاستعانة بالمختصين المرخصين من هيئة الكهرباء والماء عند إجراء التمديدات، حتى لو كانت بسيطة لأن تحميل الأسلاك الكهربائية الحالية بأكثر من طاقتها يؤدي إلى اشعال الحرائق، وتخصيص أماكن لوضع سلندرات الغاز وتهويتها وإلزام من يريد تظليل الطرق أو الأزقة من أشعة الشمس، استخدام أقمشة غير قابلة للاشتعال.
وفي الختام أتمنى أن تقوم الجهات المختصة بتدوين وتوثيق كل ما يشمل سوق المنامة، والأسواق الأخرى من أسماء التجار والبضائع المتوافرة، التي لم تكن متوافرة لدى الدول المجاورة في أماكن مخصصة لكل نوع من البضائع وعدم تداخلها مع البضائع الأخرى، فقد كان سوق المنامة قديما، عبارة عن مجموعة من الأسواق المتداخلة ومازال بعضها قائما ولكن بشكل محدود، وحملت الأسواق أسماء البضائع أو المهن، مثل: البز (الأقمشة)، المقاصيص (تعني المفلسين)، الذهب، القراشية (يطلق على سوق إخواننا العجم)، الحواويج (العطورات والأعشاب)، الطواويش (تجار اللؤلؤ)، الصفافير (تصفير النحاس)، التمر، الملح، اللحم، الخضرة وأشهرها «سوق الأربعاء» (وما أدراك ما كان عليه حال سوق المنامة من بيع وشراء وحركة في السابق)، وغيرها من الأسواق التي مازالت موجودة ولكن بشكل محدود أو اندثرت، كما وفرت الحكومة الحراسة بتعيين أمير لمدينة المنامة للإشراف على الأسواق وحفظ الأمن وفض المنازعات، وتوافرت مواصلات متقدمة منذ فترات طويلة عن طريق فرضة المنامة والمطار في مدينة المحرق، وهو ما أهل البحرين أن تكون سباقة في مختلف المجالات، وجعلها بحق تسمى «لؤلؤة الخليج»، ليكون ذلك مرجعا للباحثين والمهتمين بالأحداث الماضية وتحفظها من النسيان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك