حتى قبل انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن من السباق يوم 21 يوليو 2023، فقد أصبحت الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر القادم بمثابة رحلة مثيرة.
ففي الفترة التي سبقت هذه الانتخابات، فشل الحزب الديمقراطي في النظر في التأثير الذي قد يحدثه جو بايدن الضعيف على الناخبين، وافترض أن الخوف من الرئيس السابق دونالد ترامب سيكون كافيا للفوز على حساب الحزب الجمهوري.
لكن في الأسابيع القليلة الماضية فقط، ظهر عاملان جديدان، أحدثا دمارًا إضافيًا على أساس هذين الافتراضين: إطلاق النار المروع على تجمع حاشد لدونالد ترامب في بتلر بولاية بنسلفانيا، والجوقة المتزايدة من الديمقراطيين البارزين الذين يحثون بايدن على التنحي كمرشح رئاسي لحزبهم.
وحتى قبل انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري خلال الأيام القليلة الماضية، كانت استطلاعات الرأي تظهر أن ترامب يحظى بدعم أنصار حزبه. وفي أعقاب إطلاق النار، تعزز موقفه وصعدت أسهمه، حيث رأى البعض أن نجاته من محاولة الاغتيال مثل علامة على العناية الربانية.
هذا التأليه لترامب والحماس الجامح الذي شهده المؤتمر الجمهوري جعل الديمقراطيين أكثر قلقا بشأن آفاقهم الانتخابية فيما زادت المخاوف التي تساورهم بشأن نقاط الضعف الواضحة لدى الرئيس جو بايدن.
لقد كانت هشاشة جو بايدن تمثل مشكلة بالفعل، وقد برزت بوضوح خلال المناظرة التي جرت يوم 27 يونيو الماضي. ومع إظهار استطلاعات الرأي أن ما يقرب من ثلثي الديمقراطيين غير راضين عن جو بايدن، حث كبار المسؤولين المنتخبين في الحزب الرئيس علنًا على تسليم الشعلة إلى مرشح أصغر سنًا.
والآن وبعد أن سحب بايدن ترشيحه وأيد نائبته كامالا هاريس لتكون مرشحة حزبه، أصبحت الانتخابات مفتوحة على مصراعيها مرة أخرى. فالسيدة هاريس ليست المرشحة حتى الآن، حيث من المحتمل أن تتنافس فصائل مختلفة في الحزب الديمقراطي على السلطة، لكنها ستكون المرشحة الأوفر حظًا قبل المؤتمر الوطني الديمقراطي الذي سيلتئم في مدينة شيكاغو في شهر أغسطس المقبل.
من العدل إذن أن نقول إن الدورة الانتخابية الحالية كانت مقلوبة رأسا على عقب، خاصة خلال الأسبوع الماضي. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه في السياق السياسي الأمريكي الأوسع، لا يزال الأمر يسير كالمعتاد والمألوف في الساحة السياسية الأمريكية. بادئ ذي بدء، يجب القول بأنه لا تزال المخاطر مرتفعة كما كانت منذ انطلاق الحملات الانتخابية قبل أكثر من عام من الآن. هذا ما حدا بأخي جون زغبي إلى القول بأن هذه الحملات الانتخابية بمثابة «معركة هرمجدون». وبغض النظر عمن سيصبح المرشح الديمقراطي، فإن هذا سوف يكون بمثابة منافسة بين رؤيتين مختلفتين جوهرياً للولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من تصريح الرئيس دونالد ترامب بأن الوقت قد حان لتوحيد البلاد، فإن خطابه في المؤتمر واختياره لمنصب نائب الرئيس والخطاب الذي استخدمه العديد من المتحدثين في مؤتمر الحزب الجمهوري أوضح أن الفهد لم يغير مكانه.
كذلك يواصل الحزب الجمهوري بقيادة مرشحه دونالد ترامب استغلال مخاوف وإحباط نسبة كبيرة من الناخبين من الطبقة العاملة، باستخدام نفس الاستغلال للقضايا الاجتماعية والثقافية واستياء «النخب» الذي ظلوا يزرعونه سنوات.
وفي الوقت نفسه، سوف يستمر الديمقراطيون في الدعوة إلى قدر أكبر من العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وكان الرئيس جو بايدن قد أشار في السابق إلى اتساع فجوة الدخل بين أغنى الأمريكيين وأولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم.
كما سيظل الديمقراطيون يدعون إلى تكريس نظام ضريبي أكثر عدالة، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وحماية النقابات وحقوق العمال.
وعلى الرغم من حملتهم الرامية إلى الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين، فإنهم سيطالبون باتباع نهج إنساني تجاه الفارين من الاضطهاد، كما أنهم سيدعون إلى توسيع نطاق الرعاية الصحية، وخفض أسعار الأدوية، ودعم حقوق المرأة في اتخاذ قرارات الرعاية الصحية الخاصة بها، ومواصلة التقدم نحو العدالة العرقية.
وأخيرا، سيواصل الديمقراطيون تركيز هذه الانتخابات على ضرورة حماية الديمقراطية وسيادة القانون، محذرين من التهديد الذي يشكله تهديد أنصار ترامب المحتمل برفض نتيجة هذه الانتخابات باستخدام التكتيكات الإدارية وحتى العنف كما فعلوا في سنة 2020 في محاولة لتعطيل التداول السلمي للسلطة. ولعل من العوامل الإضافية التي ستظل على حالها هو التهديد الذي يشكله العنف المسلح وفشل الحزب الجمهوري في دعم حتى الإصلاحات المتواضعة للسيطرة على الأسلحة ــ على الرغم من محاولة اغتيال دونالد ترامب.
تشهد أمريكا الآن أكثر من حادث إطلاق نار جماعي كل يوم، حيث يفقد عشرات الآلاف حياتهم دون داع في هذه الحوادث وغيرها. ولم تتمكن إدارة بايدن من معالجة هذه القضية الصعبة كما أنها لم تعالج حتى الآن هذا الهوس المرضي ولم تواجه حقيقة أن العنف السياسي ليس انحرافاً، في حين أنه في الواقع يمثل هويتنا كأمريكيين.
عندما تكتب صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها بعنوان «الهجوم على ترامب متناقض مع أمريكا»، أو عندما يؤكد بايدن أن العنف السياسي ليس هو ما نحن عليه أو أنه انحراف، فإنهم يتجاهلون حقيقة أن العنف السياسي «هو» أمريكي مثل فطيرة «الكرز».
إن العيش في حالة إنكار لا يعني تجاهل العشرات من محاولات الاغتيال التي حدثت على التاريخ الأمريكي فحسب، بل يعني أيضًا أن البلاد ليست مستعدة لتعلم الدروس واتخاذ الخطوات العلاجية التي تشتد الحاجة إليها لإنهاء هذا الطاعون.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك