استعاد الديمقراطيون الأمريكان حضورهم المحترم في الانتخابات الرئاسية حين أجبروا جو بايدن على سحب ترشيحه وإحلال نائبته كامالا هاريس محله.
الديمقراطية عمياء حتى في الولايات المتحدة. أما بايدن أو نائبته. ألا يملك الحزب الديمقراطي خيارا أفضل؟ العودة إلى خيار أوباما هي عبارة عن لعبة مكشوفة.
في مواجهة شعبية ترامب التي تزايدت بعد محاولة اغتياله وكان قبلها متفوقا على بايدن في استفتاءات الرأي العام وجد الديمقراطيون في امرأة من أصول إفريقية ردا مناسبا.
امرأة ومن أصول إفريقية وسيلتان للترويج لنهج جديد في إدارة العالم. تلك محاولة تهريج تناسب العقل الاستهلاكي الأمريكي الذي يُعنى بالصورة أكثر من المعنى.
ولكنها محاولة شعبوية هي الأخرى. فإذا كانت الشعبوية كظاهرة سياسية قد أُلصقت بترامب باعتباره رمزها الأكثر وقاحة فإن خصومه فعلوا الأسوأ.
احتفظ الديمقراطيون بالرئاسة ولايتين متتاليتين بعنوان واحد هو باراك أوباما. شاب ثري من أصول افريقية كان أشبه بغلاف لمجلة موضة.
كامالا هاريس هي الشيء نفسه، لكن الظروف قد تغيرت. الخصم مختلف. شعبوية الديمقراطيين التي تتكتم على أسرارها لن تنتصر على شعبوية ترامب التي لا تخشى الفضائح، بل تذهب معها إلى النهاية.
ترامب هو أمريكا من غير مكياج فيما يصر الديمقراطيون على الترويج لأمريكا التي تخدع شعبها قبل أن تخدع المليارات التي تقع تحت هيمنتها.
كل الذين وقفوا ضد ترامب أثناء رئاسته الأولى يعرفون جيدا أنه يمثل صورة أمريكا الحقيقية. أمريكا التي يكرهون أن تمثلهم. ولكنها كانت موجودة دائما، بغض النظر فيما إذا كان الرئيس جمهوريا أو ديمقراطيا.
لقد ظُلم ترامب حين صار عنوانا للرذيلة والبذاءة والانحطاط الأخلاقي الأمريكي. كان الأسوأ لأنه قال الحقيقة. لم يخف ترامب شيئا من تفاهته. وهي تفاهة كل رئيس أمريكي. ربما كان أقل ميلا للجريمة من سواه. الجمهوريون الذين سبقوه. ليندون جونسون وجورج بوش الأب والابن.
غير أن اللعبة في إطارها الأمريكي قابلة للمفاجآت. قد تنتصر كامالا هاريس على دونالد ترامب. المزاج الأمريكي لا يعبر عن ضمير مرتاح. هناك نوع من السلوك المرضي الذي لا يجاريه أي سلوك عدواني في العالم.
وبغض النظر عما تسفر عنه الانتخابات الأمريكية فإن أحوال العالم ستزداد سوءا. لا ترامب ولا هاريس سيوقفان الحروب وبالأخص في عالمنا العربي. وليس هناك من أمل في أن تنحرف الولايات المتحدة قليلا عن سياستها في الشرق الأوسط. وهو ما يهمنا. ستبقى إسرائيل بمثابة الطفل المدلل الذي يفعل ما يشاء.
ولكن الأسوأ في فضائحيته وهو ترامب سيكون الأفضل بالنسبة للعالم العربي. لا لأنه يحب العرب، بل لأنه الرئيس الأمريكي الممكن والوحيد الذي هو على استعداد أن يشير إلى الخطر الذي تمثله إيران على العالم.
لقد فعل ترامب ما لم يفعله رئيس أمريكي آخر للمنطقة حين أمر بقتل قاسم سليماني. أما انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني فقد كان لطمة لكل سياسات أوباما التي ألحقت الخراب بالمنطقة.
وإذا ما عدنا إلى لعبة الديمقراطية الأمريكية فإن استبدال بايدن بهاريس يمثل لحظة استخفاف بجمهور الحزب الديمقراطي الذي لم يكن له رأي بالموضوع. لم يكن بايدن يفكر في شق الطريق أمام هاريس إلى الرئاسة حين اختارها نائبة له. ولكن المرأة صارت صالحة للصراع بحكم وجود ترامب. هناك مَن يفكر في أن الانتصار على ترامب لا يمكن أن يتم إلا عن طريق فكرة شعبوية تجمع بين النسوية والعرق الإفريقي. إنها فكرة لئيمة وخبيثة سيكون ترامب قادرا على فضحها بوسائله المبتذلة.
ولكن هل يحتاج العالم إلى ترامب مرة أخرى؟
لو أن العالم كان مبنيا بشكل صحيح لما احتاج أحد إلى سؤال من ذلك النوع. ولكن الخلخلة التي هي جزء من مظاهر الهيمنة الأمريكية على العالم تضع رئيس الولايات المتحدة في منصب رئيس العالم. فالعرب يفكرون في الرئيس الأمريكي القادم بالدرجة نفسها التي يفكر من خلالها خصومهم في إسرائيل. كما أن إيران تضع أذنها على الأرض لتنصت إلى تحركات الأرض في نيويورك.
بعيدا عما يفكر السياسيون به من نتائج، فإن نتائج صراع الثيران الديمقراطي في الولايات المتحدة كانت سيئة. لقد افتضحت الديمقراطية الأمريكية. في الملايين التي تناصر الحزب الديمقراطي لم يكن هناك أحد يخلف بايدن في الترشيح للرئاسة. ذلك وحده سبب لانتصار ترامب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك