ذات يوم وأنا أبحث في صندوق جدي الحديدي وبين أوراقه الصفراء وجدت قصاصة ورقة صغيرة، فهو ليس من عادته –رحمه الله– أن يحتفظ بقصاصة ورقة صغيرة، فعادة حكاياته تتعدى الصفحة والصفحتين، ولكن هذه الورقة كانت صغيرة ومطوية، وكانت مخبأ بين كومة من الأوراق لذلك لم أجدها سابقًا، ففتحتها وإذ عنوانها (وصايا أبي الستة)، ولا أعرف إن كان يقصد والده أم غير ذلك.
عمومًا، أيًا من كان كاتب هذه القصاصة فدعونا نلقي نظرة عليها، وننقلها فهي تحوي بعض الأمور التي وجدتها رائعة ونحن اليوم في أمس الحاجة إليها، وسوف أنقلها اليكم بطريقتي الخاصة. تقول القصاصة:
إن كنت تريد أن تعيش في سعادة وهدوء وراحة بال، فعليك اتباع الأمور الستة التالية، وهي:
أولاً: التغاضي عن الأمس ونسيانه؛ تقول القصاصة «لا تعكر صفو يومك الجيد بالتفكير بيوم الأمس السيء». في الحقيقة كلنا تمر علينا أيام سيئة، أيام سيئة في العمل، وفي الأسرة وفي الحياة، مشاكل هنا ومشاكل هناك، فلا تخلو حياة إنسان من معاناة وجهد وتعب وإرهاق، وقد تصل في بعض الأحيان إلى اليأس، وعندها تقف الحياة أمام عينيك فلا تتحرك، وتصبح كل الأمور جامدة وإن تحركت فإنها تتحرك ببطء شديد، أو هكذا تشعر أنت وحدك، ولكن الحياة لا تتوقف إلا تحت قدميك أنت وحدك، إذ انها مستمرة.
قد يكون يومنا هذا يومًا سيئًا لأسباب كثيرة، وقد يكون الغد وبعد الغد كذلك، ولكن ازرع في نفسك فكرة أنه حتمًا سيأتي يوم ستسعد فيه لأسباب كثيرة أيضًا، فنحن لسنا في الجنة، ففي الجنة هناك الحياة المثالية، أما في الأرض وفي هذه الدنيا فالحياة عبارة عن صراع دائم للبحث عن السعادة بأي صورة كانت. وفي أحيان كثيرة تجد أن الحياة قد هزمتك، وأنك قد بدأت تتكسر، حينها تذكر قوله تعالى في سورة يونس – الآية 107 «وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». ولكن هذا لا يعني أبدًا أن نتغاضى عن الدروس التي نتعلمها من الأمس وأن يصيبنا اليأس، عندئذ يجب أن نستعد بصورة أفضل إلى الغد.
ثانيًا: التجاهل؛ تقول القصاصة «لا تستمع لسلبيات وإحباطات الآخرين، وإنما عش حياتًا تكون بها سعيدًا، وانطلق إلى الأمام». ربما هنا أستحضر قصة طريفة، تقول: ذات يوم كان هناك مجموعة من الضفادع يرغبون في الانتقال من بركتهم التي جفت بسبب الحر إلى بركة أخرى تحوي الكثير من المياه، وفي الطريق وهم يتقافزون سقطت ضفدعتان في واحدة من الآبار الجافة العميقة التي على الطريق، التفت جمع الضفادع حول البركة، بعضهم كان يصرخ ليشجعهم على القفز والخروج من البئر، لكن أغلبهم كان يصرخ ليحبطهم لأن البئر عميقة ولا يمكن الوصول إلى الحافة. واحدة من الضفادع التي كانت في البئر سئمت من المحاولة لذلك قبعت في مكانها في قعر البئر، أما الأخرى فاستمرت بالمحاولة، مرات ومرات حتى في النهاية بلغت حافة البئر ونجت، وعندما سألت عن السبب في هذه الإمكانية وتجاهل أصوات المحبطين وُجد أنها خرساء لا تسمع، لذلك كانت تشاهد الضفادع حول البئر وترى أيدهم وألسنتهم فحسبتهم يشجعونها للخروج، وكلما شاهدت ذلك قاومت وتشجعت أكثر فأكثر، حتى انتصرت.
هكذا نحن اليوم، نحتاج إلى تجاهل كل الأصوات المحبطة التي تقلل من قدراتنا ومن إمكانياتنا في التقدم، ضع كل تلك الأصوات خلفك ووراء ظهرك وتقدم.
ثالثًا: أعطي الأمر وقتًا؛ تقول القصاصة «الحياة دروس، ومن هذه الدروس وتلك الصعاب نتعلم، لتصبح تلك الدروس دليلنا إلى المستقبل، ولكن كن صبورًا». في حياتنا نقع في الكثير من الأخطاء والمصاعب، نواجه الكثير من الصعاب حتى نصل إلى لحظات اليأس، فنلتفت نحو اليمين ونحو اليسار لعل أحدهم أسقط لنا حبلاً أو مد يدًا، ربما تجد صديقا أو أخا حاول، وتمر الأيام وحتمًا سيفرجها الله سبحانه وتعالى في وجوهنا ذات يوم.
ولكل خلال كل تلك الفترات، سواء أثناء المرور بالأزمات وحالات اليأس حاول ألا تتذمر، فكر وحاول بهدوء، ولكن لا تستسلم فالمطلوب منك أن تحاول وأن تطرق الأبواب، فليس المطلوب منك أن تضع رأسك بين كيفيك وتتذمر وتسب وتشتم الحظ السيئ، فلا توجد حظوظ سيئة وحظوظ جيدة وإنما هي أقدار الله سبحانه وتعالى، والله يدعوك للعمل وبذل الجهد، وهو من سيقوم بإفراج كل تلك المعاناة.
والوقت التي تمنحه لنفسك حتى تجتاز كل تلك المهام وكل تلك المشكلات وقت ثمين، وتجارب رائعة ذات قيمة، فلا تهدرها وإنما حاول أن تتعلم منها حتى لو كانت معلومة صغيرة، اسأل نفسك: لماذا وقعت في هذه المشكلة؟ من الأطراف المشاركين في هذه المشكلة؟ كيف يمكن حل المشكلة؟ تعلم من كل هذا فربما تعود تلك المشكلة يومًا ما، ربما لك أو لصديقك الذي مد لك حبل الخروج أو لأحد أبنائك، حينها تكون أن مصدر الحل. فتعلم أن السقوط واليأس جزء من الرحلة فلا تهدرها في التذمر والإحباط وإنما تعلم من كل ذلك وطورك نفسك.
رابعًا: لا تقارن نفسك بالآخرين؛ تقول القصاصة «الشخص الوحيد الذي عليك محاولة أن تهزمه هو ما كنت عليه البارحة، فلا تفكر في الآخرين». مقارنة أنفسنا بالآخرين موضوع طبيعي جدًا، فليس بدعًا أن نقارن أو أن نفكر ونسأل أنفسنا: لماذا نجح فلان ولم أنجح أنا؟ لماذا فلان تمكن من بلوغ المرتبة أو الدرجة الفلانية ولم أتمكن أنا؟ ومثل هذه الأسئلة كثيرًا ما تراودنا.
ولكن، هل سألنا أنفسنا لماذا فشلت أنا؟ هل حاولت؟ وإذا حاولنا لماذا لم أتمكن من النجاح؟ هل واجهتني مشاكل؟ وما تلك المشاكل؟ حسنٌ، في المرات القادمة هل أستطيع تجاوز هذه المشاكل؟ وإن لم أحاول فهل سألت نفسك، لماذا لم تحاول؟
هل فكرنا وتساءلنا: كم بذل الآخرون من وقت وجهد وكم عانوا حتى يبلغوا النجاح؟ كم تألموا، كم عانوا، كم سهروا.. كم وكم؟ نحن نشاهد نجاحات كل هؤلاء ولكننا لا نرى ماذا يدور خلف الكواليس، لا نرى كم تعبوا وكم أحبطوا وكم يئسوا، ولكننا نرى النجاح لذلك نقارن أنفسنا بهم.
وكأننا أمام مسرحية، إننا نشاهد العرض النهائي، ولكن هذا العرض الذي يدور أمامك الآن أخذ من وقت المخرج والممثلين عدة أشهر حتى يبلغ هذه الدرجة من الكمال والرضا، ونحن في الصالة نضحك ونكركر، ولا نعرف ماذا جرى للممثلين والمخرج كل تلك الشهور.
وإن لا بد من المقارنة، فاتخذهم قدوة للانطلاق والتقدم، استطاع فلان أن أصدر كتابًا، لذلك قل لنفسك «أنك تستطيع أن تنتج كتابًا»، لذلك قم واعمل. فلان بنى منزلاً، قل لنفسك «أنك تستطيع أن تبني منزلاً»، قم اعمل حتى تبني منزلاً، لا تحسده وإنما اتخذه قدوة وأعمل، وتقدم.
خامسًا: ابق هادئًا؛ تقول القصاصة «ليس عليك إصلاح الكون أو إصلاح كل شيء دفعة واحدة، وإنما جزء الأعمال وتقدم بهدوء». وهذا يذكرنا بالحديث النبوي الشريف الذي روته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله، فقال (أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها وإن قَلَّ) رواه البخاري والمسلم. في حياتنا الكثير من التحديات والكثير من تلك التحديات والصعاب يمكن أن تؤدي بنا إلى فقدان أعصابنا والتهور في الكلام والتصرفات، وهذا أمر طبيعي.
ولكن من غير الطبيعي أن تسير حياتنا وفق هذا النهج، بمعنى أن يكون الغضب والتهور هو ديدننا، وأن يكون ضيق الصدر هو سبيلنا للحياة.
وإنما الحياة تحتاج إلى صدر كبير، يسع للكثير ويسع الكثيرين، فالبشر من حولنا أصناف وأنماط فلا يمكن أن نغضب من فلان لأنه تصرف بطريقة لا تعجبني، فهو ربما في وجهة نظره لم يخطئ وإنما هكذا تسير الأمور، ولكن في وجهة نظرك فهو خاطئ، إذن من القديس هنا؟
يقول الإمام الشافعي رحمه الله (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، فالآراء كلها تقبل الخطأ والصواب، وكذلك التصرفات، لذلك أن تكون هادئًا فهذا من صالحك أنت وليس من صالح غيرك، وحتى إن أخطأ عليك شخص ما في العمل أو في الطريق أو في أي مكان أبق هادئًا فلا تحرق أعصابك ولا تتلفها، لأنه هو ببساطة سيغادر ولن يفكر فيك.
سادسًا: الأمر متعلق بك؛ تقول القصاصة «أنت الوحيد المسؤول عن سعادتك، لا تدع الآخرين يتحكمون بحياتك، افعل ما أنت شغوف به وقدم كل طاقتك». دائمًا وأبدًا مؤشر الميزان يبلغ قمته بين يديك، فأنت وحدك الذي تستطيع أن تسعد نفسك، فلا تنتظر من يمد لك يد المساعدة لإسعادك، ويجب هنا أن نتذكر المثل العربي الذي يقول (ما حك جلدك مثل ظفرك)، ولكن هذا لا يعني أبدًا ألا تطلب المساعدة من الآخرين، فالأقرباء والأحباب والأصدقاء يساعدون ويقدمون لك يد المساعدة، ولكن تبقى أنت هو المحور والأساس.
هذه بعض الوصايا والدروس التي وجدتها في القصاصة مع بعض الإضافات التي تناسب الحياة اليوم.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك