«انسحاب جو بايدن من الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في نوفمبر القادم» هذا هو الخبر الذي تصدر عناوين الصحف المحلية منها والعالمية في الأيام القليلة الماضية؛ حيث جاء قرار الانسحاب ذلك بعد سلسلة من الزلات والأخطاء العامة التي أدت إلى تصعيد المخاوف بشأن قدرة بايدن العقلية على تولي المنصب الرئاسي، وهو ما أدى إلى اشتعال المنافسة بين الديمقراطيين والجمهوريين قبل ثلاثة أشهر ونصف من تحديد مئات الملايين من الناخبين الأمريكيين ما إذا كانوا سيعيدون انتخاب دونالد ترامب أم لا، أو قد يفضلون اختيار نائب الرئيس بايدن وخليفته المختارة، كامالا هاريس رئيسًا للولايات المتحدة.
فبعد دخوله البيت الأبيض عن عمر يناهز 78 عامًا في عام 2021، طغت المخاوف بشأن عمر بايدن ومدى لياقته لأداء مهام رئيس الولايات المتحدة والذي يتطلب جهدًا عقليًا وجسديًا طوال فترة ولايته في المكتب البيضاوي. وتم تأكيد تلك المخاوف بظهور تقرير المستشار الخاص للبيت الأبيض روبرت هور في وقت سابق من عام 2024، والذي وصف فيه بايدن بأنه رجل مسن ذو ذاكرة ضعيفة، بالإضافة إلى عقليته غير المرنة والرافضة للنظر في وجهات نظر متنوعة أو مناهج بديلة لحل الأزمات.
ومع وجود هاريس في سباق متقارب النقاط مع ترامب للفوز بمنصب الرئاسة اعتبارًا من عام 2025، فيجب من الآن أن يتحول التركيز إلى مواقفها السياسية. فمع خلفيتها كمدعٍ عام لولاية كاليفورنيا، وكونها أول عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي من أصول جنوب آسيوية، وكونها نائبة للرئيس منذ عام 2021، لم تظهر هاريس بعد بوضوح مواقفها في مجال السياسة الخارجية. ولهذا السبب، أكد جيم تاونسند بمركز الأمن الأمريكي الجديد، مدى اعتماد هاريس الكبير على مستشاريها في السياسة الخارجية، في مقدمتهم مستشارها الحالي للأمن القومي فيليب جوردون. الذي تحدث عنه كل من دان لوس وكورتني كوبي بشبكة إن بي سي نيوز، باعتباره مسؤولًا سابقًا في إدارة كلنتون وأوباما، والتي اعتمدت سياستهم على خبراء أصحاب تيار اليسار المعتدل الذين هيمنوا على الإدارات الديمقراطية الأخيرة.
لذلك ليس غريبًا أن يتوقع الكثيرون من هاريس أن تتبع منهجًا مشابهًا في السياسة الخارجية لنهج بايدن. وفيما يتعلق بأوكرانيا، على سبيل المثال، من الجدير بالملاحظة كيف تعهدت هاريس، في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير 2024، بأن الولايات المتحدة ستدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا بالأسلحة والتمويل بالقدر الذي تستغرقه لهزيمة موسكو.
ومع ذلك، فإن أحد نقاط الاختلاف المهمة بين رئاسة بايدن وهاريس يمكن أن تكون في ملامح السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل. ففي حين تعرض بايدن لانتقادات متكررة بسبب رفضه استخدام النفوذ الأمريكي ضد حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة لإجبارها على إنهاء حرب غزة أو رفضه دفع عملية السلام في الشرق الأوسط بشكل هادف، أشار دي لوس وكورتني إلى أن هاريس ستكون أكثر استعدادًا لانتقاد نتنياهو علنًا والتعبير عن التعاطف مع محنة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة إذا أصبحت أول سيدة تتولى رئاسة أمريكا عبر تاريخها.
ومن المهم أن نلاحظ كيف انضمت هاريس إلى القادة الغربيين الآخرين في إعلان الدعم القوي لإسرائيل في أعقاب هجمات 7 أكتوبر 2023 التي شنتها حماس، وكيف كررت منذ ذلك الحين التزام البيت الأبيض الحالي الصارم بأمن إسرائيل. ومع ذلك، علق آرون ديفيد ميلر بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، بأن هاريس لديها آراء معتدلة بشأن الدعم الأمريكي لإسرائيل مقارنة ببايدن وغيره من الأعضاء المؤيدين لإسرائيل في الحزب الديمقراطي، واصفًا مواقفها السياسية بأنها تجنح لتيار اليسار تارة بالنسبة لتوجهاتها الداخلية، وتيار اليمين تارة بالنسبة إلى التوافق مع أولئك الذين يطالبون واشنطن بفرض عواقب على إسرائيل جراء حربها الأخيرة.
ومع ذلك، فإن رؤية ما إذا كان التحول في المواقف بين الرؤساء الأمريكيين سيؤدي إلى تغييرات في السياسة أم لا، فهذه مسألة أخرى. فعلى الرغم من أن ميلر أشار إلى أن هاريس أكثر تعاطفاً بكثير عندما يتعلق الأمر بقضية الدولة الفلسطينية من بايدن، فإنها حذرت من أنه من المرجح أن يكون هناك موقف أكثر توازناً بدلاً من التغييرات الشاملة التي يأملها منتقدي إسرائيل وتحديدا فيما يتعلق بوقف عمليات نقل الأسلحة والتمويل الحكومي السنوي.
ونتيجة لذلك، تحدث جوش بول المسؤول السابق في وزارة الخارجية الذي ترك منصبه احتجاجًا على زيادة عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل لاستخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، عن تفاؤله الحذر والمحدود بأن رئاسة هاريس ستشهد أهمية كبيرة ونشوء تغيرات سياسية في علاقة أمريكا بإسرائيل. علاوة على ذلك، وبالإشارة إلى انسحاب بايدن، أعرب بول عن شعوره العميق بالارتياح لأن الديمقراطيين لن يرشحوا للرئاسة.. الرجل الذي جعلنا جميعًا متواطئين في الكثير من الأذى للفلسطينيين.
وفي حين أنه يجب الإشارة إلى أن دونالد ترامب، الذي لا يزال يتمتع بشعبية متزايدة في أعقاب محاولة اغتياله، لا يزال هو المفضل لدى العديد من منظمي استطلاعات الرأي والمعلقين السياسيين للفوز في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، فإن البيانات المتاحة بالفعل توضح أن قرار بايدن بالانسحاب لصالح كامالا هاريس هو القرار الصحيح لمحاولة منع الجمهوريين من العودة إلى البيت الأبيض. كما سيتم تحديد ما إذا كانت حملة هاريس ستحتفظ بزخمها المبكر أم لا من خلال التدقيق في سجلها السياسي، أو من خلال عقد مناظرة رئاسية أخرى والتي من شأنها أن تضع الضغط على ترامب.
أما بالنسبة إلى بايدن، فبعد عدة أسابيع مضطربة شبهها مايكل هيرش الكاتب بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، بالدراما المؤلمة التي تكاد تكون شكسبيرية، أصر تيموثي نفتالي الباحث في معهد السياسة العالمية بجامعة كولومبيا، على أن يكون هناك رئيس حر همه الأول التركيز على تعزيز الصورة الدولية الأمريكية وهو أمر جيد بالنسبة لحلفاء واشنطن. فبعد أن أكد ليندون جونسون عدم الترشح لإعادة انتخابه في عام 1968، خلال الفترة المتبقية له في منصبه وذلك لرغبته إنهاء الحرب المستمرة في فيتنام، أوضح نفتالي أن بايدن يمكنه الآن أن يفعل الشيء نفسه تقريبًا مع الصراعات الراهنة في أوكرانيا وغزة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك