العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إيران في مرحلة المخاض

بقلم: منى سالم الجبوري {

السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬أواخر‭ ‬عامي‭ ‬2017‭ ‬و2019،‭ ‬والتي‭ ‬اصطبغت‭ ‬بصبغة‭ ‬سياسية‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬ترديد‭ ‬شعارات‭ ‬مناهضة‭ ‬للنظام‭ ‬وللمرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬للنظام‭ ‬تحديدا،‭ ‬فقد‭ ‬شعر‭ ‬خامنئي‭ ‬بالتهديد‭ ‬غير‭ ‬العادي‭ ‬المحدق‭ ‬بالنظام‭ ‬وأدرك‭ ‬أن‭ ‬مزاعم‭ ‬الاعتدال‭ ‬والاصلاح‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تنطلي‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬وباتت‭ ‬أشبه‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬بالبضاعة‭ ‬الكاسدة،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تدارك‭ ‬الأوضاع‭ ‬والأمور‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬أمام‭ ‬تهديد‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬بالمصيري؛‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التعرض‭ ‬لأصل‭ ‬النظام‭ ‬وأساسه‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬منصب‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬التهديد‭ ‬والخطر‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬جديا‭.‬

سلسلة‭ ‬التغييرات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬خامنئي‭ ‬بهندستها‭ ‬وأشرف‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬إلى‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬إبراهيم‭ ‬رئيسي‭ ‬لولاية‭ ‬ثانية‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تقليص‭ ‬النظام‭ ‬وانكماشه‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وإنهاء‭ ‬عهد‭ ‬النظام‭ ‬الفضفاض‭ ‬وجعله‭ ‬يرتكز‭ ‬ويتركز‭ ‬على‭ ‬دائرة‭ ‬ضيقة‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬الخاص‭ ‬التي‭ ‬حظيت‭ ‬به،‭ ‬لكنها‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬اندلاع‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬مقتل‭ ‬الشابة‭ ‬الكردية‭ ‬مهسا‭ ‬أميني‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬دوريات‭ ‬الإرشاد‭ ‬التابعة‭ ‬للشرطة‭ ‬الايرانية،‭ ‬والتي‭ ‬استمرت‭ ‬أشهرا،‭ ‬وضعت‭ ‬خامنئي‭ ‬والنظام‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬ووضع‭ ‬لا‭ ‬يحسدان‭ ‬عليه،‭ ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬تمكن‭ ‬بعد‭ ‬جهد‭ ‬جهيد‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الأوضاع،‭ ‬لكنه‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السيطرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدوم‭ ‬طويلا‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬بقاء‭ ‬العوامل‭ ‬والأسباب‭ ‬التي‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬النظام‭ ‬نفسه،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬كعادته‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تدارك‭ ‬الأوضاع‭ ‬الداخلية‭ ‬عندما‭ ‬تتفاقم‭ ‬كثيرا‭ ‬فإنه‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬العامل‭ ‬الخارجي‭ ‬سواء‭ ‬بإثارة‭ ‬الحروب‭ ‬والمشاكل‭ ‬لإشغال‭ ‬الداخل‭ ‬وتحريف‭ ‬الأنظار‭ ‬الخارجية‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬بتحسين‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬انفتاحه‭ ‬على‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬ومصر‭.‬

عهد‭ ‬رئيسي‭ ‬الذي‭ ‬يمكننا‭ ‬وصفه‭ ‬بمرحلة‭ ‬غلب‭ ‬عليها‭ ‬التوتر‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬جاء‭ ‬مصرع‭ ‬رئيسي‭ ‬ليضع‭ ‬خامنئي‭ ‬والنظام‭ ‬أمام‭ ‬منعطف‭ ‬حساس‭ ‬وخطير‭ ‬جدا،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬رئيسي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬وجه‭ ‬تقليدي‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الحرس‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬نظير‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬طاعته‭ ‬العمياء‭ ‬لخامنئي‭ ‬وإخلاصه‭ ‬المتفاني‭ ‬للنظام،‭ ‬وخامنئي‭ ‬ومن‭ ‬ورائه‭ ‬النظام‭ ‬قد‭ ‬أدركوا‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إجراؤها‭ ‬وتمخضت‭ ‬عن‭ ‬فوز‭ ‬مسعود‭ ‬بزشكيان‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬بالون‭ ‬اختبار‭ ‬جديد‭ ‬لخامنئي‭ ‬وللنظام‭ ‬وأثبتت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬حالة‭ ‬التوتر‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الذي‭ ‬يطغي‭ ‬على‭ ‬النظام‭.‬

صحيفة‭ ‬‮«‬جوان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬المقربة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬والامنية‭ ‬وخصوصا‭ ‬من‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬وجهت‭ ‬انتقادا‭ ‬لبزشكيان،‭ ‬معلنة‭ ‬أنه‭ ‬يملك‭ ‬أدنى‭ ‬نسبة‭ ‬أصوات‭ ‬لرئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬النظام‭. ‬هذا‭ ‬الادعاء‭ ‬يظهر‭ ‬عمق‭ ‬الخلافات‭ ‬ومحاولات‭ ‬إضعاف‭ ‬الخصوم‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العام‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬الإعراب‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬أوساط‭ ‬جناح‭ ‬الاعتدال‭ ‬المزعوم‭ ‬شأن‭ ‬الأدوار‭ ‬الخفية‭ ‬وتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬ظل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الفصائل،‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬حكومة‭ ‬الظل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يزعم‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬جليلي‭ ‬يترأسها،‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أمورا‭ ‬وتطورات‭ ‬ملفتة‭ ‬للنظر‭ ‬تجري‭ ‬وهي‭ ‬غريبة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬وغرابتها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬جريانها‭ ‬يسبق‭ ‬جلوس‭ ‬بزشكيان‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬الرئاسة‭.‬

الأوضاع‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬فوز‭ ‬بزشكيان‭ ‬قلقلة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الاطمئنان‭ ‬إليها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬استشفافه‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الضبابية‭ ‬وعدم‭ ‬الوضوح‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تظهر‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬النظام‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاحوال‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬حاليا‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬بمثابة‭ ‬إعلان‭ ‬بالبنط‭ ‬العريض‭ ‬عن‭ ‬فشل‭ ‬سياسة‭ ‬الانكماش‭ ‬لخامنئي‭ ‬ودخول‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬المخاض‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا