شهد العالم يوم الجمعة 19/ يوليو /2024 خللا تقنيا عطل حركة الطيران في مطارات عديدة في العالم، وأربك العمل في المستشفيات والبنوك وأسواق المال، ووسائل الإعلام، وغيرها من المؤسسات المهمة في عدة قارات، بدءا من استراليا ومرورا في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا، ودول أوروبية أخرى، وتركيا وماليزيا والهند ودول أخرى في آسيا وتباينت الاعتقادات والتحليلات في أسباب ما حصل، فمن اعتقد أن هجوما سيبرانيا منظما تعرضت له الشبكات العالمية للمعلومات، أو أحد برامج الذكاء الاصطناعي أخطأ طريقه ليدمر نظم الاتصالات، أو فيروس اخترق شبكة تكنولوجيا المعلومات العالمية، أو غير ذلك من الأسباب، حتى أعلن السيد جورج كورتز رئيس شركة كراود سترايك الأمريكية للأمن السيبراني، مساء يوم الجمعة أن سبب ما حصل يعود إلى ثغرة تقنية في تحديث إحدى برمجيات الشركة لمستخدمي نظام ويندوز، وقد تم تحديد المشكلة وعزلها وإعادة العمل للشبكات التي تعرضت للخلل التقني، والاعتذار لمن أصابهم ضرر جراء ذلك الخلل، وأعلنت شركة مايكروسوفت أن جميع التطبيقات والخدمات المتأثرة بالخلل التقني قد تعافت، وتم إجراء عمليات إضافية لتوفير الدعم، واسترداد جميع تطبيقات وخدمات مايكروسوفت 365 المتأثرة بالخلل التقني المذكور.
وعلى الرغم من أن تصريح رئيس شركة كرواد ستريك، وإعلان شركة مايكروسفت، قد انتهى إلى هذا الحد، لكن هناك آثار عميقة وخسائر مالية كبيرة، فمثلا تم إلغاء أكثر من (1000) رحلة جوية حول العالم بسبب هذا العطل التقني، وانخفضت أسهم شركة كراود سترايك بأكثر من 20% في التداولات غير الرسمية في الولايات المتحدة (ما يعادل خسارة 16 مليار دولار من قيمتها السوقية) وتعرض مؤسسات صحية دولية كبيرة لأضرار بالغة، وتوقف أنظمة الدفع في العديد من المتاجر العالمية وغيرها من الأضرار التي ستظهر في الأيام القادمة، فضلا عن اختلال الثقة العالمية بالنظم التقنية المعاصرة، مما سيقود إلى أضرار لن تنتهي قريبا، بل فتحت الباب على مصراعيه كما يقال، لتساؤلات وانشغالات عديدة رافقت الثورة التقنية في مراحلها المتقدمة الحالية وما أدت إليه من تكامل وانفتاح البيانات والمعلومات على الصعيد العالمي وإمكانات السيطرة والتوجيه من المنظومة المركزية القائدة لها في دول المصدر، وما يمكن أن ينتج عنها من تحديات وآثار خطيرة وانتهاكات لسيادة وخصوصية الشركات والدول والشعوب، وما يمكن أن ينجم عن هيمنة أقطاب من دول وشركات محدودة العدد على مصير المعلومات والبيانات للدول والشركات حول العالم، كالهيمنة على الذكاء الاصطناعي، وتقنية الحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والبلوك تشين، والعملات الافتراضية، وجميع البنى التحتية العالمية لمجتمع المعلومات التي مقرها في المنظومات التقنية الرقمية والافتراضية الأمريكية، والتي تمثل مرحلة من الهيمنة التقنية الجديدة على العالم، الأمر الذي ينبغي أن يدفع إلى الاستثمار في أنظمة معلوماتية إقليمية أو وطنية مستقلة بديلة أو رديفة للنظم القائمة في الوقت الحاضر، فضلا عن الاستثمار في مجال البحث التقني والابتكار النوعي، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وما يمكن أن يحققه ذلك من قيمة مضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي ويسهم في تحقيق التنويع الاقتصادي وتعزيز مكانة الاقتصاد الرقمي، وإرساء اقتصاد منتج وتنافسي قائم على المعرفة، وإعداد وتأهيل موارد بشرية مواطنة لإدارة التقنيات المعاصرة والكشف عن الاختلالات التي قد تصيب منظوماتها، وبما يحد من احتكار وابتزاز دول وشركات بعينها من ناحية، ومن ناحية أخرى يعزز من الأمن الوطني للمعلومات، وحماية الفضاء الإلكتروني الوطني ويقلل من فرص التهديدات السيبرانية، وأن تكون مدعومة بالرؤية التنظيمية والرقابة اللازمتين على آلية استخدام منتجات الثورة التقنية المعاصرة لتمكين تحقيق متطلبات التنمية المستدامة.
أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك