لم تفاجئني محاولة الاغتيال التي تعرض لها ترامب، وإنما المفاجأة كانت في التوقيت.. فممارسة العنف بالانتخابات الحالية بدأت مبكرًا عن الموعد الذي توقعته، أي المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في أغسطس. والأمر لم يكن مفاجئًا، لأسباب عدة.. فأمريكا ليست غريبة عن العنف والاغتيالات، فرؤساء أمريكيون عدة قتلوا باغتيالات سياسية، منهم إبراهام لينكولن وجون كينيدي، وآخرهم ريجان الذي تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة.
والاغتيالات ليست غريبة أيضًا عن مرشحي الرئاسة. فقد اغتيل روبرت كينيدي في انتخابات 1968 وتعرض جورج والاس في انتخابات 1972 لإصابات خطيرة في محاولة اغتياله. بل توجد حالة مماثلة لحالة ترامب. إذ ترك تيودور روزفلت الرئاسة في 1909، فتولاها بعده وليام تافت. ثم عاد روزفلت للترشح عام 1912 فتعرض لمحاولة اغتيال نجا منها هو الآخر.
غير أن زخم العنف السياسي عاد ليطل بوجهه القبيح في العقد الأخير، مما جعل انتخابات العام الحالي مرشحة بقوة لتكون مسرحًا له. فالأمريكيون، لا ساستهم فقط، يعانون من استقطاب بالغ الحدة. والمجتمع منقسم علي نفسه بالتساوي تقريبًا منذ عقود، وهو ما يتجلى في الأغلبية الضحلة التي يفوز بها الديمقراطيون أو الجمهوريون بمجلسي النواب والشيوخ.
لكن الاستقطاب السياسي وحده ليس كافيًا لتوقع العنف في الانتخابات الحالية، وإنما توجد متغيرات إضافية لا تقل أهمية. ففضلًا عن أن أمريكا مدججة أصلًا بالسلاح في يد الأفراد، فإن ترامب، منذ ترشحه للرئاسة في 2015، أطلق مارد اليمين المتطرف من قمقمه. فبعد أن كان الأخير على هامش الحياة السياسية، فإن ترامب، بمواقفه السياسية ولغة خطابه الحافلة بالعنف اللفظي، أقحمه لقلب الحياة السياسية وأضفي الشرعية على عنفه وفكره الرافض للآخر الديني والعرقي. وطوال فترة حكم ترامب، برزت أحداث عنف متكررة ارتكبها ذلك التيار ضد جماعات مختلفة، دون إدانة حقيقية من ترامب والجمهوريين بالكونجرس. ثم رفض ترامب الاعتراف بهزيمته في انتخابات 2020 فكانت واقعة الاقتحام المسلح للكونجرس من جانب أنصاره في 6 يناير 2021. وهناك دلائل عدة تشير إلى أن هذا التيار على أهبة الاستعداد لاستخدام عنف أوسع حال هزيمة ترامب في نوفمبر.
لكن أحداثا جديدة رجحت هي الأخرى وقائع العنف أثناء الانتخابات الحالية لا فقط بعدها. فالعنف المفرط الذي استخدمته الشرطة الأمريكية تجاه الاعتصامات في الجامعات كان بمثابة جرس إنذار آخر. فقد أعلنت منظمات وقوى عدة أنها تنوي تنظيم مسيرات ومظاهرات تحيط بالقاعة الكبرى التي سينعقد فيها المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في أغسطس، احتجاجًا على تنصيب بايدن مرشحًا للحزب الديمقراطي. والأرجح أن تقابله الشرطة بالعنف نفسه. أما قاعات المؤتمر فمرشحة هي الأخرى لفوضى، إن لم يكن تشابكًا بالأيدي وأكثر.
والأخطر من هذا وذاك أن 60% من الأمريكيين يؤمنون بأن الانتخابات «لن تحل» المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعانون منها. وانسداد القنوات السلمية للتغيير يفتح الباب على مصراعيه للعنف.
أما عن تبعات محاولة اغتيال ترامب فمتعددة. ففي بلد يعاني أصلا استقطابًا حادًا، لن تؤثر الواقعة، على الأرجح، على نتيجة الانتخابات بين ترامب وبايدن، وإنما ستزيد من تمترس كل فريق بشكل أعمق وراء مرشحه. وقد تجلى ذلك في تصريحات السياسيين الجمهوريين الذين صرح بعضهم علنا بأن تلك «مؤامرة» من الحكومة الفيدرالية، بل حمّل بعضهم المسؤولية لبايدن شخصيا، لكن في انتخابات بطبيعتها فيها الصورة والدلالات الرمزية أهم من المضمون وشخص المرشح أهم من القضايا، سيتحول وجه ترامب المخضب بالدماء إلى أيقونة تستنفر أنصاره وتجعلهم أكثر استعدادًا لممارسة العنف المفرط.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك