مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
خلال الفترة من 9-11 يوليو2024 شاركت في الملتقى الرابع عشر الذي ينظمه مركز الخليج للأبحاث بجامعة كامبردج ببريطانيا بشكل سنوي، وضم هذا العام حوالي 400 مشارك من دول عديدة على المستويين الإقليمي والعالمي من خلال 13 ورشة عمل تناولت قضايا خليجية مهمة للغاية منها مستقبل التصنيع العسكري، تحولات الطاقة، فرص وتحديات الذكاء الاصطناعي في دول الخليج العربي، مبادرات حل الصراعات الإقليمية، التغير المناخي، المرأة، التحديات الاقتصادية، دول الخليج ومجموعة البريكس، وقبل الخوض في فعاليات المؤتمر أود الإشارة إلى ما قاله الدكتور عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث خلال كلمته الترحيبية بالمشاركين إلى أن المركز تسلم أكثر من 3000 مقترح من باحثين من كافة دول العالم هذا العام وتم اختيار نسبة 10% من تلك المقترحات البحثية بما يعني زيادة المنافسة بين الباحثين للمشاركة في ذلك الملتقى، وحرص مركز الخليج على عامل جودة الأوراق المقدمة، فضلاً عن زيادة نسبة مشاركات أبناء دول الخليج العربي لتصل هذا العام إلى 36% وهي زيادة ملحوظة عن السنوات السابقة.
الملتقى مهم للغاية من حيث التوقيت والمضمون وكان لافتاً هذا العام المستوى الرفيع للحضور في الجلسة الافتتاحية وهم: السيد جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، و البارونة باتريشيا اسكتلند، الأمين العام لمنظمة دول الكومنولث، الأمير فيصل بن فرحان وزير خارجية المملكة العربية السعودية، السيد لويجي دي مايو المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج العربي، البروفيسور ديفيد كاردوي، نائب رئيس جامعة كامبريدج للشؤون الاستراتيجية والتخطيط، بالإضافة لعدد من سفراء ومستشاري بعض وزارات الخارجية في دول الخليج العربي.
إن هذا الحضور الرفيع المستوى لممثلي بعض المنظمات الإقليمية يعكس حرص القائمين على المؤتمر وتعزيز الحوار بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتلك التنظيمات التي يتشابه عملها مع مجلس التعاون من ناحية وكانت فرصة سانحة لعرض الأمين العام لمجلس التعاون رؤية المجلس للأمن الإقليمي من ناحية ثانية، والتي كان قد أعلنها في 28 مارس 2024 وتضمنت رؤية المجلس لتأمين الطاقة وتحقيق الأمن الإقليمي ومواجهة التهديدات السيبرانية والتغير المناخي وتعزيز الموارد الاقتصادية ومواجهة تهديدات الأمن البحري وغيرها من القضايا الأخرى، إلا أن اللافت في حديث الأمين العام هو إعادة التأكيد مجدداً أن «أمن دول الخليج العربي كل لا يتجزأ» وأن أي تهديد على إحدى دوله يعني تهديداً لكل دول الخليج، وهو ما نصت عليه اتفاقية الدفاع المشترك لدول الخليج في مادتها الثانية وتضاهي المادة الخامسة من الميثاق المنشئ لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، فضلاً عن استعراض الأمين العام مواقف دول الخليج تجاه الأزمات الإقليمية وكيف استطاع المجلس تحقيق التوازن والحفاظ على الأمن الإقليمي، كما كان اختياراً موفقاً أن تتم دعوة المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج العربي وهو الذي أعلن الاتحاد الأوربي تعيينه في مايو 2023 وكان يشغل سابقاً منصب وزير خارجية إيطاليا، وبعيداً عن تكرار ما قاله والذي تضمن نقاط مهمة منها أن مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي يتشاركان نفس الأهداف الإقليمية من أجل بناء سلام دائم في المنطقة، فإن توقيت المشاركة مهم حيث يجيء بعد مرور عامين على إطلاق وثيقة الشراكة الأوروبية مع دول الخليج وبالتالي كانت فرصة لإيضاح بعض من ثمار تلك الشراكة منها منح تأشيرات دخول لأبناء الخليج للدول الأوروبية مدة خمس سنوات ودعوة أبناء الخليج للتدريب في المؤسسات الدبلوماسية التابعة للاتحاد، ومن ناحية أخرى جاءت تلك المشاركة في أعقاب الانتخابات في عدد من الدول الأوروبية التي شهدت تغيراً في تركيبة النخب الحاكمة وانعكاسات ذلك على مستقبل العلاقات الخليجية- الأوروبية، وأخيراً تتزامن المشاركة مع استعداد مركز الخليج لافتتاح فرعه الجديد في بروكسيل وهو الأمر الذي سيكون مرتكزاً مهماً لتطوير الشراكة الخليجية- الأوروبية على صعيد القوة الناعمة.
إن حرص مركز الخليج على إبراز دور المرأة في دول الخليج من خلال تخصيص جلسة خاصة تحدث فيها عدد من الكوادر النسائية اللائي يشغلن مناصب مهمة في وزارات الخارجية بدول الخليج، كان أمراً مهماً للغاية وخاصة في ظل هذا الحضور البحثي الغربي الذي لطالما تحدث عن قضية المرأة في الخليج، وبالتالي كانت فرصة سانحة للاستماع لتلك التجارب المهمة وكانت مثار اهتمام أسئلة الحضور.
وفي تقديري أن القيمة المضافة لذلك المؤتمر تتمثل في ثلاثة أمور أولها: حرص القائمين على المؤتمر على نشر بعض ورش العمل في كتب من خلال دور نشر معروفة وكان لكاتب تلك السطور بحوث منشورة في تلك الكتب خلال السنوات الماضية حيث أشار د. عبد العزيز بن صقر إلى أنه تم نشر حوالي 60 كتاباً تتضمن قضايا مختلفة، وثانيها: أنه عند البحث عن مراجع علمية بشأن قضايا الخليج العربي نجد أن غالبيتها من خلال باحثين من الدول الغربية ولكن ربما الكثير منهم لم يزر دول الخليج ولو مرة واحدة وهو أمر مهم للتعرف على خصوصية تلك الدول وقضاياها وأولوياتها بما يعنيه ذلك أنه ربما لا تتضمن تلك الكتابات واقع دول الخليج ومن ثم فإن الالتقاء المباشر بين هؤلاء الباحثين ونظرائهم من دول المنطقة أمر مهم ومفيد للجانبين بل إن اتفاق باحثي الخليج ونظرائهم من الدول الغربية على مشروعات بحثية مشتركة يعزز الفهم المشترك وينعكس بلا شك على طبيعة الأوراق البحثية من حيث رصانتها وموضوعيتها، وثالثها: أن دول الخليج العربي والتي تصنف بعضها كدول صغرى ومتوسطة في حاجة لتوظيف مفهوم القوة الناعمة والمؤتمر بموضوعاته ومكان انعقاده يعد آلية مهمة في هذا الاتجاه وخاصة في ظل حالة الانفجار المعلوماتي وما تتضمنه من معلومات مضللة فإن البحوث العلمية تعد المرجع الأساسي حول قضايا الخليج العربي.
إن ذلك المؤتمر الذي أحرص على حضوره بانتظام منذ انطلاقته الأولى عام 2010 يتسم بالطابع الأكاديمي المتميز من خلال حرص القائمين عليه على تنويع القضايا التي يتناولها عاماً تلو الآخر ويعد منصة حوارية مهمة بين باحثي دول الخليج ونظرائهم من الدول الغربية، وربما يكون المؤتمر القادم 2025 والذي سوف يشهد مرور خمسة عشر عاماً على انطلاقته فرصة لتقديم مركز الخليج عرضاً يتضمن ثمار المؤتمر خلال تلك الفترة.
مع أهمية المساهمات البحثية فإن نجاح المؤتمر كان نتيجة الجهود الدؤوبة والتنظيم المتميز من جانب الكوادر البحثية والإدارية بمركز الخليج والذين قدموا كافة التسهيلات للمشاركين منذ قبول أوراقهم وحتى لحظة وداعهم فلهم كل التقدير.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك