ما من شك أن يوم (7) أكتوبر 2023 كان نقطة تحول مهمة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث شهدت المنطقة تصعيدًا غير مسبوق في الأحداث بعد الحرب الإسرائيلية على “قطاع غزة”، وبعد أن باتت ضربات المقاومة متواترة وتستهدف كل «إسرائيل» بشكل موجع. كما أن هذا اليوم –ضمن أمور أساسية أخرى– شكل بداية لعملية هجرة يهودية معاكسة (أكثر من نصف مليون وفقا لمصادر رصينة) من الدولة المحتلة بحثًا عن الأمن والاستقرار، إثر تزايد مشاعر القلق وعدم الاستقرار في أوساطهم، نتيجة انكسار أسباب الاستقرار المبنية على الأمن والاقتصاد.
إن من أبرز أسباب الهجرة المعاكسة: قلق اليهود الإسرائيليين الأمني -خصوصا في المدن المختلطة والحدودية- حيث تصاعدت مخاوفهم من الهجمات المحتملة في ضوء تزايد المواجهات والخسائر الإسرائيلية، ما دفعهم إلى الإمعان في التفكير في مستقبلهم وأمن عائلاتهم. هذا بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي الذي شهدته «إسرائيل»، حيث تأثرت الاقتصادات المحلية بشكل كبير، وأغلقت العديد من الشركات أبوابها، وارتفعت معدلات البطالة، وهو ما فاقم الضغوطات في حياتهم اليومية التي باتت أكثر صعوبة. وفي هذا السياق، يجدر التنويه بشكل خاص بهجرة الاستثمارات والمستثمرين وبالذات في قطاع التكنولوجيا المتقدمة الذي يعتبر أساساً في البنيان الاقتصادي الإسرائيلي.
على صعيد مختلف، من عمّق حالة عدم الاستقرار السياسي واقع تباين الأحزاب السياسية الإسرائيلية في مواقفها، وسيطرة أقصى اليمين على مفاصل السلطة، واعتماده سياسة عنصرية متطرفة أبعدت كل أفق للسلام الأمر الذي زاد من حالة الإرباك وزاد الطين بله! وبالطبع فإن أمل هؤلاء اليهود الإسرائيليين في مستقبل أفضل وشعورهم بأن العيش في دول أخرى قد يوفر لهم ولعائلاتهم فرصًا أفضل، للعيش، كان من الدوافع المهمة، يضاف الى ذلك النبوءات المخيفة المتوارثة عن الزوال القريب، وخاصة بعد أن ضعفت قدرة الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية على حمايتهم، وبعد أن فقد الجيش الإسرائيلي قدرته «الأسطورية» على الردع، وظهرت معالم هشاشة واضحة في بنيانه وسط حزام معاد يشكل -بعباراتهم- «تهديدا وجوديا»!
بعد (7) أكتوبر 2023، بات الإسرائيليون، بفعل سقوط صواريخ المقاومة وغيرها من الأسلحة (سواء من الجبهة اللبنانية أو من «القطاع» وايضاً من الضفة الغربية) ينزحون أيضا – وهو المصطلح الذي كان لطالما ملاصقا للفلسطينيين والعرب في الأماكن التي تطولها الاعتداءات الإسرائيلية. ولقد أكدت جهات اسرائيلية أن ما يقرب من (500) ألف يهودي نزحوا داخل إسرائيل، وهم «مستوطنون» مستعمرون/ مهاجرون في الأصل، فيما تم إخلاء مدينة سديروت بالكامل، وهي المدينة التي تضم نحو 20 ألف «مستوطن»/مستعمر، كما تم إخلاء «المستوطنات»/ المستعمرات القريبة من الحدود الشمالية مع لبنان ومن «غلاف قطاع غزة»، الأمر الذي يؤشر إلى زيف مقولة الأمن والاستقرار، ويعطي انطباعا للإسرائيليين عما قد تؤول إليه الأمور مستقبلا.
ما نلاحظه الآن، ومع تزايد حدة الأحداث (والانقسامات) المجتمعية السابقة لـ«طوفان الأقصى» وبعده، بدأ نصف المجتمع اليهودي الإسرائيلي على الأقل في إعادة تقييم هويتهم كإسرائيليين، وفي تقييم الدولة الصهيونية باعتبارها «الملجأ الأبدي الآمن وأرض اللبن والعسل». فهؤلاء رأوا أن السياسات الحالية وشبه المترسخة في «إسرائيل» لا تعكس قيمهم ومبادئهم ومعتقداتهم ولا توفر لهم الأمن والأمان، فباتوا يتفقدون جوازات سفرهم البديلة المكتسبة بحكم جنسياتهم الأصلية القديمة أو تلك التي حصلوا عليها لاحقا، وحيث إن «المشروع الإسرائيلي» برهبته، وبأبعاده الدينية والتاريخية والاقتصادية والأمنية، لم يعد مغريا ولم يعد عنصر جذب لهم للبقاء؛ لأن «إسرائيل» كلها مرشحة للذهاب إلى فراغ؛ فلا أمن ولا استقرار ولا ازدهار، ومعظم من يخرجون باتوا لا يفكرون بالعودة، الأمر الذي يضرب بعمق العقيدة الصهيونية التي تقوم على عنصر الإحلال والاستعمار والاستقرار وتشجيع الهجرة المكثفة إلى «أرض الميعاد»، والذي لطالما كان هاجسا للوكالة اليهودية منذ تأسيسها عام 1922، ولايزال!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك