إن مصطلح الشرق الأوسط ظهر للمرة الأولى (كما يقول الباحث رايق البريزات في رسالته للماجستير) في مقالة للأميرال البريطاني مهان عام 1902 ميلادية من دون أن يحدد في ذهنه حدودا جغرافية لهذا المصطلح، حيث رآه كمفهوم استراتيجي متحرك ومتغير أكثر مما هو مكان جغرافي ثابت، لذلك فهو يعده منطقة غير محددة.
إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية عرفته عام 1989 ميلادية أنها المنطقة الممتدة من ليبيا غربًا إلى إيران شرقًا ومن سوريا شمالاً إلى اليمن جنوبًا، ثم بعد ذلك ضم إليها كلا من الحبشة وباكستان وأفغانستان وبقية الدول الإسلامية. أما مصطلح الشرق الأوسط الكبير فيشمل الشرق الأدنى ودول الشرق الأوسط بالإضافة إلى دول شمال إفريقيا ودولة الاحتلال.
وتجد بعض الدراسات أن إطلاق مصطلح (الشرق الأوسط) على هذه المنطقة -أيا كانت- لم يكن من قبيل الصدفة أو الاستعمال البريء، وإنما ترمي إلى تحقيق هدفين، هما:
*انسلاخ الدول العربية والإسلامية من معالم العروبة والإسلام والدين الذي يمكن أن يجمع كل هذه المنطقة الواسعة المترامية الأطراف، وتقسمها إلى دويلات وعشائر وقبليات، ومناطق جغرافية ليست ذات علاقة بعضها ببعض.
*ضم دولة الاحتلال كجزء أصيل في هذا النسيج العربي الإسلامي.
وبعد أن نصبت الولايات المتحدة نفسها -بعد انتهاء الحرب الباردة- زعيمة للعالم، وكذلك بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، شرعت الولايات المتحدة في إعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط الجديد الكبير، وأخذت تطالب المنطقة ببدء إصلاحات ديمقراطية بدءًا من الصحراء الغربية وانتهاء بباكستان، وطبعًا باستثناء دولة الاحتلال التي تعتبرها النموذج الديمقراطي الأمثل في المنطقة، وكان مخططها هذا تنفيذًا لمشروع المستشرق الصهيوني (برنارد لويس). ولست أريد أن أتحدث هنا عن هذا المستشرق الصهيوني فالمعلومات عنه كثيرة في الشبكة العنكبوتية، ولكن دعونا نلقي نظرة على مخططة الإجرامي المتعلق بالشرق الأوسط أو بالأحرى دولنا العربية الإسلامية، وذلك من خلال بعض كتبه المنشورة على الشبكة وبعض الدراسات التي أجريت حولها.
في بحث بعنوان (برنارد لويس ومشروعه الاستشراقي لتفتيت العالمين العربي والإسلامي) للباحث فيصل عبد الجيار، يقول: يرى لويس أن أكبر ما يهدد الوجود الاستعماري في فلسطين هو الإسلام، بما أنطوى عليه من أمور عقائدية ترتكز على حرية الإنسان وضرورة مقارعته للظلم والفساد. لذلك فإنه يرى أن الإسلام يقف حجرا كأداة ضد هذا الوجود، فلا بد من مقارعته ومكافحته، ويؤكد كبت المسلمين وإسكاتهم وإذلالهم شرطا للتفاهم والتعامل مع العرب لأن عقليتهم المتعصبة بتمسكهم بقيمهم العقدية الإسلامية، بحسب ما جاء بتعاليم الإسلام تشكل أكبر عقبة في طريق السلام، ويستشهد هنا بقول بن غوريون الذي قال: أن أخشى ما أخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد من جديد.
وفي 20 مايو 2005 صرح لويس في وكالة الإعلام بأخطر أفكاره والتي أشار فيها إلى مخططه لتفتيت وتفكيك الأمة الإسلامية وتحويلها إلى ركام من الطوائف والملل والنحل والمذاهب والأقوام، كل ذلك بهدف ضمان العلو لدولة الاحتلال والهيمنة على فلسطين وبقية الدول العربية والإسلامية.
ويمكن هنا الإشارة إلى ما قاله الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بعد أحداث سبتمبر، حيث أشار إلى ان استقرار المنطقة العربية والشرق الأوسط يُعد عثرة في طريق المصالح الأمريكية في المنطقة، لذلك فإن الولايات المتحدة تسعى إلى عدم استقرار المنطقة وذلك اعتقادًا بأن استقرار الولايات المتحدة ومواطنيها يتم عبر التغييرات الكبيرة التي يجب أن تتم في الشرق الأوسط، وبما أن أي تغيير يمكن أن يؤدي إلى مرحلة انتقالية غير مستقرة فإنه يتعين على الولايات المتحدة قبول درجة من الفوضى في الشرق الأوسط من أجل أن تكون الطرف الأقوى القادر على توجيه هذه الفوضى الخلاقة -وهذا موضوع تحدثنا فيه في مقال سابق- لمصلحتها بسبب عدم وجود منافسين دوليين واقليميين لها.
كل هذه الأفكار وهذه الاطروحات وقبل أن تنضج تم مناقشتها في جلسة عقدها الكونغرس الأمريكي في عام 1983، الذي وافق على مشروع برنارد المبدئي واعتماده وإدراجه في حلقات السياسة الأمريكية للسنوات المقبلة، ومن ثم تطور المشروع وأخذ حيزًا من أجل التنفيذ. وكان المبرر الذي تتبناه الولايات المتحدة ودولة الاحتلال لتنفيذ هذا المشروع أمام الرأي العام العالمي وازدواجية معاييرها في الصراع العربي الصهيوني هو كراهية العرب ليس لأمريكا فقط، وإنما لكل الحضارة الغربية، لذلك فإنها تحاول –أي أمريكا ودولة الاحتلال– كبح جماح شعور المسلمين والعرب بالحقد وكراهية النابع من الدين الإسلامي والانتماء للعرق العربي، وحتى يتم ذلك فإنه لا بد من:
1. تفتيت العالم العربي الإسلامي إلى دويلات صغيرة وفقًا للعرق والعشائر والأنساب.
2. خلق صراعات قبلية بين كل هذه الدويلات حتى لا تجتمع تحت راية واحدة.
3. العبث بالمناهج الدراسية وإلغاء كل ما يمس الجهاد والكيان الصهيوني والعداء لدول الغرب في تلك المناهج.
4. تحجيم الفكر والعقيدة الإسلامية حتى لا تخرج من إطار الطهارة والاستنجاء والغُسل.
5. القضاء على القدوات الفكرية والعلمية وخلق أبطال وهميين حتى يتبعهم الشباب من الجنسين.
6. التركيز على الألعاب الرياضية والملهيات والمهرجانات الغنائية وما إلى ذلك.
7. إدارة المنطقة بأسلوب الإدارة بالأزمات وابتكار المشاكل فيها، وتقديم الدول الغربية نفسها على اعتبار أنه يمكنها أن تحل تلك المشاكل.
8. ربط كل تلك الدول بعقود مالية تعجز عن سدادها، فيتضخم الدين العام سنة بعد سنة.
9. عدم ترك الفرصة للدول والأفراد بالتفكير والتخطيط للمستقبل، وإن رغبت بعض من تلك الدول ذلك فإنه يمكن الاستعانة بالخبرات وبيوت الخبرة الغربية.
10. دائمًا على دول الغرب أن تزرع في المنطقة (بعبع) يسبب الخوف والذعر لهذه الدول والشعوب حتى لا تفكر في البحث عن التغيير.
وبصورة عامة، فقد تحدثنا في هذا الموضوع بإسهاب في مقال سابق بعنوان (استراتيجيات الدول العظمى في التحكم في الشعوب)، لذلك لا نريد أن نطيل في هذا الموضوع.
وحتى لا يقول أحد من القراء أننا نجنح للخيال ونظرية المؤامرة، نجد ان هذا المخطط والعديد من المخططات الأخرى تدور حول ما عرف سابقًا أو خلال فترة حكم (ترامب) بصفقة القرن، فما هي هذه الصفقة؟
تشير دراسة نشرت في مجلة (أواصر) عام 2020 بعنوان (صفقة القرن) أنه: يرجع اهتمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإنجاز تسوية سياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل، في الأساس، إلى رغبته في تحقيق وعد انتخابي قطعه على نفسه، كي يضمن تأييد قاعدته الانتخابية من الإنجيليين المتحمسين لدولة الاحتلال، فضلاً عن تطلعه الشخصي إلى تحقيق إنجاز تاريخي، واستشعار مستشاريه المقربين أن الظرف موات، فلسطينيًّا وعربيًّا، وإقليميًّا ودوليًّا، لتمرير مثل (صفقة) كهذه.
قال ترامب في صحيفة نيويورك تايمز، بُعيْد انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2016: «سأكون سعيدًا بأن أكون من يحقق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. أحب هذا. سيكون إنجازًا هائلاً لأنه لم ينجح أحد في ذلك».
وفي نهاية عام 2018، قال ترامب «إذا أراد الفلسطينيون والإسرائيليون دولتين، فلا بأس، وإذا أرادوا دولة واحدة فلا بأس من جانبي. أنا مجرد وسيط». وفي 28 يناير 2020 أعلن في حضور رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، (صفقة القرن) تلك.
تتكون صفقة القرن من 181 صفحة و22 فصلاً، ومن خرائط وملاحق، وتتناول تفاصيل التفاصيل. ومن الجدير بالذكر انه عكف على صياغتها 4 أفراد لم يمثل أي أحد منهم الجهة الفلسطينية أو العربية وإنما وضعت بأقلام صهيونية أمريكية، لذلك اعتبرت هذه الصفقة من قبل العديد من المنظمات الدولية: مجرد تفاهمات بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال ليس إلا، وهذا التصرف يظهر استخفافًا بالطرف الآخر الذي لم يؤخذ له رأي فيها.
وتشمل الصفقة الكثير من البنود والتفاصيل، ربما نعود إليها يومًا ما لنتحدث عنها بإسهاب، ولكننا اليوم سنستعرض البنود التسعة المهمة في الصفقة، وهي كالتالي:
1. كل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ستضم إلى إسرائيل.
2. وادي الأردن الذي تقول إسرائيل إنه مهم لأمنها سيكون تحت السيادة الإسرائيلية.
3. القدس غير مقسمة عاصمة لإسرائيل.
4. الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس مسموح لجميع الديانات، والمسجد الأقصى سيبقى تحت الوصاية الأردنية.
5. عاصمة الفلسطينيين المستقبلية ستكون في منطقة تقع إلى الشرق والشمال من الجدار المحيط بأجزاء من القدس، ويمكن تسميتها بالقدس أو أي اسم آخر تحدده الدولة الفلسطينية المستقبلية.
6. نزع سلاح حركة حماس وأن تكون غزة وسائر الدولة الفلسطينية المستقبلية منزوعة السلاح.
7. إنشاء رابط مواصلات سريع بين الضفة الغربية وغزة يمر فوق أو تحت الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية.
8. اعتراف الطرفين بالدولة الفلسطينية بأنها دولة للشعب الفلسطيني والدولة الإسرائيلية بأنها دولة للشعب اليهودي.
9. ألا تبني إسرائيل أي مستوطنات جديدة في المناطق التي تخضع لسيادتها في هذه الخطة مدة 4 سنوات.
أعتقد أن الأمور واضحة بالنسبة الى دول الغرب ودولة الاحتلال، ولكن للأسف فإن الكثير من أبناء وطننا العربي الكبير ما زالوا يتشككون في نوايا الغرب والشرق، وهذا الكلام كله يذكرني بالحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت.(
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك