ما معنى التداعي؟ معناه تداعى القوم أي بعضهم على البعض الآخر، ولقد ورد هذا المعنى في الحديث الذي روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» رواه الألباني في السلسلة الصحيحة.
إذًا، بالتداعي هنا، وفي هذا الحديث معناه: تداعي القوم جماعة إثر جماعة، تجمعوا عليه الخصومة وتعاونوا، وكما يصح التداعي معنى، يصح مبنى، ونضرب مثالًا على ذلك، فأنت إذا أردت أن تهدم جدارًا تبدأ بالضربة الأولى، فإذا أجزاء الجدار تتداعي الجزء تلو الآخر، هذا في المبنى المادي، أما في المبنى المعنوي، أي تداعي الأفكار، والذي نحن بصدده في هذه المقالة، فسوف نستعرض بعض الكلمات ونتأمل ما بها من تداعي الأفكار.
السلام.. كلمة جامعة مانعة، فإذا أنت قرأتها أو سمعتها تداعت إليك معانيها، وأول ما يتبادر لفظ الجلالة، فهو سبحانه السلام، ثم يتداعى لك معنى آخر هو: أن السلام هو تحية المسلمين في الدنيا والآخرة، والسلام كذلك هو: دار السلام أي الجنة.. ومن معاني السلام ما توحيه الكلمة من الأمن والاطمئنان والسكينة.
وهناك كلمة البعث.. فإذا قرأتها أو سمعتها تداعى إليك من معانيها البعث الى الحساب أي يوم القيامة، وأيضًا تداعى إليك من معانيها حزب البعث العربي الاشتراكي.. والبعث بعد الموت كما حدث للذي مر بقرية وهي خاوية، قال تعالى؛ «أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه …» البقرة/259.
من تداعي الكلمات.. تداعي كلمة النهوض إلى معانٍ عدة، فمنها القيام بعد السقوط، ومنها النهوض من التخلف، أما كلمة «العين» فمن معانيها العين الباصرة، وهناك الجاسوس الذي يتجسس على الناس، وينقل أخبارهم إلى غيرهم وهناك عين الماء، وهناك العين بمعنى الرعاية والحماية، يقول تعالًى: «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم» الطور/48.
ومن الكلمات التي لها تداعيات «التقدم» ومن معانيها تقدم الإنسان على غيره، ومن معانيها أنها ضد التخلف، ومن معانيها الريادة والسبق.
أما كلمة «الجنة» فمن معانيها الجنة التي ندخلها بعد الحساب يوم القيامة، ومن معانيها البستان كثير الشجر بحيث تستر من يدخل فيها، ومنها الجنة التي كان فيها (آدم عليه السلام) والتي امتحنه ربه فيها وبها ثم تاب عليه ثم اجتباه، ومن معانيها الجن لأنهم مستورون عنا، ومن معانيها ستر العقل أي الجنون.
«العقل» هذه الكلمة لها مشتقات كثيرة من بينها العاقل وهو وصف للإنسان الذي كادت أن تكتمل شروط التعقل فيه، ومن معانيها الحبل الذي يعقل به البعير لمنعه عن الحركة.
ومن الكلمات الموحيات «الهداية».. التي تتداعى إلينا معانيها حين نسمعها أو نقرأها ومن معانيها أنها ضد معنى الضلالة، ومن معانيها الدلالة على الطريق الموصل إلى الغاية، ومن معانيها كذلك التمكين والتيسير، قال سبحانه وتعالى: «نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى». الكهف/13.
أما حين ترد الكلمة ويقصد بها مجرد الدلالة، يقول تعالى: «أما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون». فصلت/17.
إن الإبحار في بحور اللغة ومحيطاتها يتطلب ربانًا ماهرًا، ويتطلب أيضًا غواصًا يعرف مواطن الدر واللآلئ، ورحم الله تعالى شاعر النيل حافظ إبراهيم، الذي قال:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
هذه بعض الكلمات، وهذا شيء يسير من تداعياتها يدل على بركة اللغة العربية، وثرائها الذي لا يقف عند حد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك