يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
محكمة العدل والإرادة المشلولة
الرأي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية حول الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية له أهمية كبرى. صحيح انه رأي استشاري الا ان أهميته تنبع من أنه يجسد إرادة المجتمع الدولي. الرأي يجسد إرادة المجتمع الدولي لأنه صدر أساسا بناء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة. واثناء الجلسات التي سبقت اصدار القرار عرضت أكثر من 50 دولة رؤيتها ورأيها وكلها أجمعت على نفس الرأي الذي أصدرته المحكمة باستثناء عدد محدود من الدول، على رأسها أمريكا وبريطانيا وكندا التي طلبت عدم اصدار رأي أصلا.
جوهر الرأي الذي أصدرته المحكمة لا جديد فيه بحد ذاته فقد استند أساسا الى ما يحتمه القانون الدولي. جوهر الرأي هو ان الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس غير قانوني، ويجب ان ينتهي في أسرع وقت. كما نص على ان كل ما فعلته إسرائيل في الأراضي المحتلة لا شرعية له، والمستوطنات بالذات لا شرعية لها ويجب ان تتم ازالتها كلها. هذا هو ما يحتمه القانون الدولي الذي يجرم الاحتلال ويجرم أي تغيير يجريه الاحتلال في الأراضي المحتلة.
غير هذا، هناك ثلاثة امور نص عليها رأي المحكمة لها أهمية خاصة:
الأول: أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي ملزمة بدفع تعويضات للشعب الفلسطيني عن كل ما حل به منذ بدء الاحتلال. أي انه ليس مطلوبا فقط بحكم القانون الدولي إزالة الاحتلال وكل آثاره وانما التعويض عن كل ما ارتكبه الاحتلال.
والثاني: أن كل دول العالم بلا استثناء، ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبة وبشكل ملزم بعدم الاعتراف بأي شرعية للاحتلال. ويعني هذا بالطبع ان أي دولة لا تجرم الاحتلال ترتكب هي نفسها جريمة بحق القانون الدولي.
والثالث: انه في هذا الإطار فإن كل دول العالم يجب ان تمتنع عن تقديم أي مساعدة او دعم من أي نوع للاحتلال ويكون من شأنه ابقاؤه في الأراضي المحتلة. أي ان أي دولة تقدم أي دعم عسكري او سياسي او من أي نوع للكيان الإسرائيلي ترتكب أيضا جريمة في حق الشعب الفلسطيني وفي حق القانون الدولي.
كما نرى، هذه الجوانب تجعل من رأي محكمة العدل تطورا في غاية الأهمية مبدئيا ونظريا ويضع كل دول العالم امام مسئولياتها في انهاء الاحتلال الإسرائيلي وانصاف الشعب الفلسطيني بالحصول على حقوقه المشروعة.
بعد صدور هذا الرأي بهذا الحسم من المفروض ان تتكاتف إرادة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل تنفيذه بإلزام السلطات الإسرائيلية بإنهاء الاحتلال فورا وكل ما يترتب على ذلك من تبعات على نحو ما ذكرت المحكمة.
لكن للأسف الشديد الكل يعلم ان هذا لن يحدث، والكل يعلم انه على الرغم من ان هذا الرأي يجسد إرادة المجتمع الدولي، ويجسد حكم القانون الدولي وما يحتمه، فإن هذا الرأي لن ينفذ. سيحدث هذا مثلما حدث مع عشرات القرارات الدولية الملزمة الشبيهة التي صدرت عبر العقود الماضية.
السبب في ذلك ان إرادة المجتمع الدولي مشلولة. إرادة المجتمع الدولي تمت مصادرتها. الكل يعلم ان أمريكا والدول الغربية هي التي تشل إرادة المجتمع الدولي وتمنع تنفيذ القانون الدولي. هي التي تحمي الكيان الاسرائيلي والاحتلال، وهي التي تدعمه وتمكنه من استمرار احتلاله ومواصلة ارتكاب جرائم الحرب والابادة التي يرتكبها. والدول الغربية هي التي تمنع مجلس الأمن وكل المنظمات الدولية من لعب دورها في انهاء الاحتلال وانصاف الشعب الفلسطيني بهيمنته عليها.
حقيقة الأمر ان جرم الدول الغربية لا يقل جرما عن الاحتلال الاسرائيلي بل أكبر منه، ذلك انها هي التي تمكن الاحتلال من الاستمرار ومن ارتكاب كل جرائمه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك