استضافت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا قمة الناتو لعام 2024 وبالإضافة إلى جدول أعمالها الذي في مقدمته دعم جمهورية أوكرانيا، فإن هذا الاجتماع مثل احتفالا بمرور 75 عاما على إقامة هذا الحلف الأطلسي، وجمعت قمة الناتو في هذه الدورة لأول مرة الأعضاء الـ32 بعد انضمام كل من فلندا والسويد إلى هذا الحلف. وعندما نطالع ما ورد في مجريات هذه القمة وبيانها الختامي الذي خرجت به نجد في الحقيقة أن المواضيع الرئيسية التي شغلت بال قادة الناتو هي على وجه الخصوص 4 قضايا حظيت بالأولوية:
الأولى: محاولة إظهار قوة الناتو ووحدته في مواجهة كل من روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، ولذلك فإن البيان ركز على هذا التحدي الذي يوصف بكونه تحديا خطيرا ومؤثرا في توجهات الناتو الحالية والمستقبلية، وذلك على الرغم من عدم وحدة أعضاء في كثير من القضايا منها قضية أوكرانيا، حيث توجد على الأقل ثلاث دول ضد توجهات الناتو العسكرية بتأجيج الحرب بين روسيا الاتحادية والغرب ومن هذه الدول هنغاريا وهنالك دول أخرى مع الذهاب بهذا التأجيج إلى حدوده القصوى مثل فرنسا وبريطانيا وبولندا وهنالك دول أخرى مع الوقوف مع أوكرانيا للدفاع عن أراضيها، ولكن دون التطور في المواجهة مع روسيا الاتحادية ولذلك فإن هذا الهدف «وحدة الناتو وقوته» لم يتحقق بالشكل الذي تتمناه رياح الولايات المتحدة الأمريكية.
الثانية: التهديد المباشر لكل من روسيا والصين والتحذير من مخاطر تنافي القوة الصينية إلى درجة أن هذا التحذير اعتبر في موسكو بمثابة إعلان حرب واعتبرته بكين تهديدا لا مبرر له.
والحقيقة ان صياغة هذه النقطة في هذا البيان تذكرنا بأوج المواجهة أثناء الحرب الباردة فهو بيان مخيف بهذا المعنى وينذر باحتمالات قيام حروب قادمة وتوسيع الحرب القائمة حاليا في أوكرانيا، ولعل ما يزيد من هذا التوجه الخطير خطورة هو ربط هذا التهديد بالتنفيذ على الأرض من خلال سماع العديد من دول الناتو باستخدام أسلحتها بضرب العمق الروسي وهو أمر كان مرفوضا في السابق خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وألمانيا الاتحادية وجمهورية فرنسا وبولندا بما يعني استخدام أسلحة الناتو لضرب موسكو أو سانت بيترسبورغ أو غيرها من المدن الروسية وهذا يؤدي في النهاية إلى اندلاع حرب شاملة بين الناتو وبين روسيا الاتحادية وهذا التهديد الذي احتفل به الرئيس الأوكراني فلاديمير زلينسكي واعتبر نفسه بطل هذه القمة والقى فيها عدة خطب فهي وثيقة تمهد لحرب عالمية مؤكدة وراءها حلف شمال الأطلسي الناتو بلا شك.
الثالثة: التحول السريع نحو توسيع حلف الناتو الذي في أساسه هو حلف لدول شمال الأطلسي ليتحول إلى حلف تمتد سيطرته وتأثيره إلى بحر الصين وماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، وذلك لبسط نفوذه وتأثيره على كامل هذه المساحة الحيوية من العالم، وهذا توجه خطير خاصة انه يقدم بعنوان الحفاظ على القيم الديمقراطية وتعزيز القوة الدفاعية للدول في حين، وكما هو معلوم، ان توسيع الناتو هو توسيع في سبيل السيطرة الاقتصادية والأمنية على هذه الدول، فخطة الناتو سبقتها في الحقيقة تحركات وأحلاف في منطقة شرق آسيا بوجه خاص والتحرش بالصين، خاصة بحر الصين الجنوبي ليتحول ذلك إلى تهديد مباشر للصين الشعبية إضافة إلى التهديد الفعلي المتزايد لروسيا الاتحادية، وهذا التوجه إذا ما تحقق هيكليا وقانونيا فإنه سيؤدي إلى زيادة عدد الحروب والمواجهات في هذه المنطقة وسوف يؤثر ذلك عمليا على التجارة العالمية وعلى الاقتصاد العالمي.
رابعا: إصرار حلف شمال الأطلسي، غير المبرر وغير المفهوم، على جر أوكرانيا إلى مزيد من القتال والحرب ورفض جميع أشكال المفاوضات مع روسيا الاتحادية مع أن العالم كله يدرك أن مصلحة أوكرانيا هي في التفاوض وليس في الحرب، والدليل على ذلك هذا التوجه من الناتو الذي يهدف إلى استفزاز روسيا وغلق أي منفذ أو باب للحوار أو السلام، حيث إن حلف شمال الأطلسي قد قرر رسميا تعيين ممثل رفيع المستوى في أوكرانيا، وهذا الممثل سوف يكون مقر إقامته في كييف لتعزيز العلاقة المؤسسية بين أوكرانيا وحلف الناتو وسوف يعمل على تنسيق وتكييف المؤسسات العسكرية والأمنية الأوكرانية مع أسلحته، حيث أكد الناتو في بيانه الأخير حتمية دخول أوكرانيا ضمن حلف الناتو وهي المنطقة الحاسمة والجوهرية في الخلاف بين أوكرانيا وروسيا. وقد اندلعت الحرب في الأساس بسبب إصرار القيادة الأوكرانية وعدد من دول الناتو على انضمام أوكرانيا إلى هذا الحلف بما يعني في النهاية اقتراب التهديد الأمني من حدود روسيا الاتحادية وهو تهديد وجودي يمكن لروسيا أن تقبل به، ولذلك فإن هذه القمة التي احتضنتها واشنطن كانت في جوهرها موجهة إلى كل من روسيا والصين مباشرة ومهددة للأمن والسلم العالميين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك