يعد التنويع الاقتصادي بمملكة البحرين في مقدمة السياسات الاقتصادية التي يركز عليها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم في خطبه وتوجيهاته إلى مجلس الوزراء وإلى الفعاليات الاقتصادية في البلاد، منطلقا من حقيقة لا جدال فيها وهي أن التنويع مصدر قوة للمجتمع في الحاضر والمستقبل من ناحية، ومن ناحية أخرى ان التنويع يفعل القطاعات الاقتصادية الوطنية ويسهم في جعل المحتوى المحلي عنصرا مهما في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، كما يمكن النظر إلى عبارة التنويع الاقتصادي من عدة زوايا، فمن زاوية الدخل يعني تنوع مصادر الدخل، ومن زاوية الانتاج فهو يشمل تنوع المشروعات المنتجة، ومن زاوية التشغيل فإن التنويع يوفر فرصا وظيفية متنوعة، ومن زاوية الأمن الاقتصادي فإن التنويع يعد صمام الأمن للأمن الاقتصادي، ومن ناحية العلاقات الدولية فإن التنويع يسهم في ترسيخها عبر خلق مصالح مشتركة بين الدول والشركات الأجنبية. وعموما فإن سياسات التنويع الاقتصادي ستقود إلى المزيد من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وهو للبحرين خيار لا بديل عنه، وخاصة أن إنتاجها النفطي محدود من ناحية، ومن ناحية أخرى أنها تمتلك تنوعا في الموارد غير المستغلة بشكل يناسب أهميتها وإمكاناتها على الاستدامة والعطاء، ومن ناحية ثالثة تمتلك موارد بشرية ذات وعي استثماري عريق، وكفاءة علمية، وقدرات إنتاجية عالية في مختلف المجالات، ومن ناحية رابعة تمتلك علاقات اقتصادية وسمعة طيبة في اوساط المستثمرين بمختلف دول العالم، حيث إن بيئتها الاقتصادية والتحتية والسياسية والاجتماعية مرحبة ومهيأة لاستقبال الاستثمارات الأجنبية أيًّا كان نوعها. كما انها وفرت مناطق صناعية ولوجستية متطورة، وبنية تحتية تكنولوجية حديثة، وتشهد تحولا رقميا شاملا لمختلف القطاعات الحكومية والخاصة، بالإضافة إلى انتشار عدد كبير من الجامعات متنوعة التخصصات فيها، وبالتالي فإن فرص التنويع الاقتصادي متاحة بشكل كبير وبما يقود إلى بناء اقتصادي حديث ومتجدد ومستدام. ويوفر التنويع الاقتصادي فرصا وقدرات اضافية على الانطلاق بنسق ديناميكي متواصل يعزز من قدرات البلاد على مواجهة الصدمات الاقتصادية والمالية والتقنية، ويوسع من قاعدة المهارات الوطنية، ويتيح فرصا متنوعة لريادة الأعمال، ويسهم في الحد من الطاقات المادية والبشرية المعطلة، ويوفر فرصا وظيفية لمختلف التخصصات والمهارات المتاحة.
وعلى الرغم من أن تجارب التنويع الاقتصادي المعتمدة في العديد من دول العالم تطلبت إنفاقا كبيرا ومتنوعا، فإن خصوصية مساحة البحرين وموقعها كجزيرة وسط الخليج العربي، جعل التنويع الاقتصادي فيها أمرا طبيعيا مرتبطا بالبيئة عبر التاريخ، فضلا عن ان هذا الموقع جعل منها نافذة حيوية للمستثمرين الذين يستهدفون بمنتجاتهم وخدماتهم منطقة الخليج العربي خصوصا والدول العربية عموما. بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية الحكيمة التي اعتمدتها المملكة بشكل مبكر، منها الانفتاح على المؤسسات المالية والمصرفية العربية والاجنبية، وتسهيل إقامتها في البحرين، حتى بلغت اكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة (18.1%) خلال الربع الثالث من عام 2023م. وعموما فقد بلغت نسبة مساهمة الناتج غير النفطي حوالي (83.6%) من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الثالث من 2023 م. وقد أكد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في حديثه السامي بجلسة مجلس الوزراء التي عقدت برئاسة جلالته بتاريخ الثامن من يوليو الجاري «ضرورة متابعة المشاريع التنموية الكبرى وأن يعود اثرها بشكل إيجابي على خير ونماء المواطنين وخلق الفرص الواعدة أمامهم». وخاصة أن مجلس الوزراء سبق أن أصدر قرار الرخصة الذهبية للمشاريع الاستراتيجية الوطنية والأجنبية العاملة في المملكة، بتاريخ الثالث من شهر أبريل عام 2023م والذي يهدف إلى جذب الاستثمارات الكبيرة والنوعية إلى البلاد، عبر تقديم مجموعة من الحوافز والخدمات لها، مثل منح الأولوية في تخصيص الأراضي الاستثمارية، والأولوية لتوصيلات البنية التحتية والمرافق، وتقديم دعم خاص في الخدمات الحكومية مثل أنظمة «سجلات»، و«بنايات» وغيرها، إلى جانب الاستفادة من خدمات صندوق العمل «تمكين»، وبنك البحرين للتنمية، ومراجعة القوانين أو اللوائح الحكومية بما ييسر عمل المشروعات الاستراتيجية إذا لزم الأمر. ليمثل اضافة نوعية لسياسات التنويع الاقتصادي في المملكة حيث يعد أحد القرارات المهمة التي تسهم في تحقيق المزيد من التنويع الاقتصادي، الذي نجم عنه ضخ تسعة مشاريع كبرى لاستثمارات بلغت نحو (2.4) مليار دولار خلال فترة وجيزة من تنفيذ القرار، ويتوقع انها ستسهم بتوفير (3000) فرصة عمل. ومن المحتمل أنها ستقود إلى المزيد من الاستثمارات الإقليمية والعالمية في البحرين. حفظ الله جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم وولي عهده الأمين رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الموقر، وأعانهما على تحقيق أهدافهما السامية الكريمة في الارتقاء بالوطن شعبا ومنجزات وطموحات الشعب.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك