لطالما سادت على مدى فترة طويلة مخاوف بشأن تقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن في العمر وقدرته على إدارة حملة انتخابية فعالة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر القادم، إلا أنه ظل يقاوم العديد من الديمقراطيين الذين يرغبون في مناقشة مسألة إمكانية استبداله على رأس القائمة.
يدرك هؤلاء الديمقراطيون بلا شك أن الرئيس الأمريكي يملك سجلا جيدا يمكن الاعتماد عليه فيما يتصل بالقضايا الداخلية، كما أنهم يعلمون أن شخصيته تتحدى بشكل مباشر جاذبية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بين الناخبين البيض من الطبقة العاملة في الولايات الحاسمة الرئيسية.
يخشى هؤلاء الديمقراطيون أيضا تفاقم الشكوك التي قد تصاحب تنحي الرئيس جو بايدن عن ترشيح نفسه فترة رئاسية ثانية. وبعد الأداء المقلق للرئيس بايدن خلال المناظرة المتلفزة التي أقيمت يوم 27 يونيو الماضي، لم تعد مواجهة هذا القلق مجرد تخمين. فقد أصبح الأمر عاجلا وملحا ولا يحتمل بالتالي الانتظار.
ومع قيام وسائل الإعلام الكبرى والمعلقين المحترمين بالتركيز على حدة الذكاء العقلي للرئيس والتراجع البطيء للمسؤولين المنتخبين الذين بدأوا في التعبير عن قلقهم، أدرك الديمقراطيون أن هذه القضية ستستمر في الهيمنة على التغطية، مع انتظار وسائل الإعلام للزلة اللفظية التالية أو الإشارة إلى أي هشاشة قد تظهر على جو بايدن.
وبدلاً من مواجهة هذه المشكلة، ظلت سلطات البيت الأبيض والحزب على موقفها في إنكار هذا الأمر. لقد ألقوا اللوم على جدول سفر الرئيس أو آثار نزلة البرد وأرسلوا رسائل بريد إلكتروني إلى المؤيدين يقارنون بين رؤية الرئيس بايدن المتفوقة لمستقبل الولايات المتحدة الأمريكية بأكاذيب سلفه دونالد ترامب.
وإدراكًا مني أن أداء الرئيس وقدراته حقيقة لا يمكن تجاهلها، فقد تقدمت باقتراح إلى الحزب الديمقراطي يحدد عملية من شأنها أن تسمح للرئيس بالتنحي واستبداله بمرشح يتم اختياره من خلال عملية مفتوحة وشفافة وديمقراطية، آملا أن يسهم مثل هذا الاقتراح في احترم مكانة الرئيس وتقدير إنجازاته.
يجب أن يبدأ الأمر، بالطبع، بإعلان الرئيس جو بايدن أنه لن يسعى لإعادة انتخابه؛ وأنه يفهم الحاجة إلى إلحاق الهزيمة بدونالد ترامب في الانتخابات القادمة وأنه واثق من قدرة الديمقراطيين على هزيمة ترامب والبناء على نجاحات رئاسته على مدى الأعوام الماضية. ورغم أن جو بايدن يستطيع إبداء تأييده لنائبته، فإنه سيوضح أن هذا لم يكن تتويجا، بل عملية مفتوحة سيقررها المؤتمر الديمقراطي. ومن أجل ضمان أن يكون للناخبين كلمتهم في هذه المسألة، فإنه يمكن أن يعلن أنه سيفوض الأمر إلى اللجنة الوطنية الديمقراطية لتحديد الطريق الكفيلة بتحقيق التقدم إلى الأمام.
لقد اقترحت أن تضع اللجنة الوطنية الديمقراطية جدولاً زمنيًا للحملة مدته شهر واحد لاختيار مرشح الحزب، على أن تبدأ بعملية الترشيح، وتستمر في جدول حملة مختصر مدته شهر واحد (يضم قاعتين متلفزتين)، وتنتهي في المؤتمر الديمقراطي، حيث سيتم ترشيح المرشحين رسميًا من خلال الأصوات التي يتم إجراؤها بين المندوبين الحاضرين.
ستكون الإثارة الناتجة عن هذه العملية والاهتمام الذي ستحظى به بمثابة ميزة إضافية للمرشح النهائي الذي سيختاره الحزب الديمقراطي لمواجهة المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر القادم.
وتتمثل الفوائد الرئيسية لهذه العملية في أنه سيُنظر إليها بالفعل على أنها عملية مفتوحة وشفافة وديمقراطية. والسبب الآخر هو أن وسائل الإعلام الوطنية ستركز مدة شهر واحد على الأقل على المرشحين الديمقراطيين وعمليتهم المثيرة، مما يتناقض بشكل حاد مع تصرفات المرشح الجمهوري.
وعلى مدى نصف القرن الماضي، تحولت المؤتمرات الانتخابية من كونها مثيرة وغير متوقعة في بعض الأحيان إلى أمور تكاد تكون مكتوبة بدقة سلفا. وكلما أصبحت مكتوبة بشكل أكبر، قل الاهتمام الذي حظيت به في وسائل الإعلام الأمريكية.
دأبت الشبكات الاخبارية ومختلف وسائل الإعلام في تلك الفترة على تقديم تغطية شاملة لهذه الأحداث. في الآونة الأخيرة، أصبحت بعض الشبكات تخصص ساعة أو ساعتين فقط لتغطية المؤتمر كل ليلة. ومن شأن التوصل إلى اتفاق مع هذه الشبكات يمكن ضمان تغطية أكبر من شأنها أن تزيد من إثارة العملية المفتوحة، وتمكن الديمقراطيون من مغادرة شيكاغو وقد استعادوا زخم السباق الانتخابي.
وإذا قبل جو بايدن بهذا الأمر وجعل تحقيقه ممكنا، فإنه سيُنظر إليه على أنه زعيم وطني وضع طموحاته الشخصية ومخاوفه بشأن بديل جانبا لأنه كان مهتما أكثر بإنقاذ الديمقراطية الأمريكية، ويثق في قدرة الحزب والديمقراطيين على البناء على إرثه، كما أن خطابه الأخير الذي قد يلقيه أمام المؤتمر سيكون بمثابة لحظة تتويج في حياته السياسية والمهنية الطويلة كموظف حكومي.
هناك ثلاث ملاحظات إضافية أريد أن أسوقها: كتبت هذه الملاحظات المقترحة كمنتسب للحزب الديمقراطي، كما كنت عضوًا في اللجنة الوطنية لمدة 31 عامًا - 16 عامًا في اللجنة التنفيذية و11 عامًا كرئيس للجنة القرارات.
وعندما حظي اقتراحي بقدر كبير من الاهتمام من جانب وسائل الإعلام الوطنية، كنت أعلم أن عدداً من زعماء الحزب سوف يشعرون بالانزعاج عندما أتحدث خارج الدور الموكل إليّ، لكنني كنت على استعداد لمواجهة العواقب لأنني أعلم أنه من المهم بالنسبة لنا أن نتولى زمام هذا الوضع ونقترح التغييرات التي نحتاج إلى إجرائها.
كان البعض أيضًا مستائين لأنني اقترحت أنه لن يكون من المفيد للرئيس أن يتنحى ببساطة ويمرر العباءة إلى نائبة الرئيس كمالا هاريس. وفي حين أعتقد أن نائبة الرئيس ستكون اختياراً ممتازاً وستفوز على الأرجح في المؤتمر، فإنني أعتقد أيضاً أن ترشيحها سوف يتعزز إلى حد كبير من خلال الفوز في مؤتمر مفتوح.
أخيرًا، كان هناك أشخاص في مجتمعي منزعجون من اهتمامي بالمشاركة في هذه العملية بسبب غضبنا المشروع من دعم جو بايدن لحرب إسرائيل في غزة. أنا لم أتردد قط في إدانة تواطؤ الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب، وسأواصل القيام بذلك.
إن ما دفعني إلى التقدم بهذا الاقتراح هو الحاجة الملحة إلى ضمان عدم دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى. ولذلك، ومن هذا المنطلق، فقد تصرفت بما يحقق مصلحة مجتمعي وحزبي وبلدي.
{ رئيس المعهد
العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك