بمناسبة اليوم العالمي للشباب (5-7-2024) نتحدث عن التعليم كأهم عنصر في تكوين وتأهيل الشباب العربي للمستقبل وبناء مجتمعات ينشط فيها مثقفوها وتتعلم من تجاربها وتتمسك بقيمها وبوحدتها وبهويتها في بيئة صالحة وداعمة للتعلم والإبداع والابتكار. ووفق اليوم العالمي للتعليم الذي كان في (24 يناير 2024) والذي تبنى ثلاثة أهداف: 1) التركيز على حق الفرد في التعليم، 2) أهمية التعليم في التنمية المستدامة، 3) القضاء على الفقر وتحقيق مستقبل واعد. تلتقي هذه الأهداف في بناء فرد مساهم في تقدم وارتقاء المجتمع وخلق مجتمع التعليم والمعرفة.
في العقدين الماضيين كثر الحديث عن اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة فماذا يعني ذلك للمنظمات وللمجتمع وللسياسات الاقتصادية والتعليمية؟ يجادل الاقتصادي جوزيف ستيجلتز (Stiglitz 2015) بأن خلق مجتمع التعلم هو ضرورة للتقدم في مستوى المعيشة حتى للاقتصادات التي ليست في طليعة التقدم العلمي والتكنولوجي. زيادة الإنتاجية تعتبر أساس النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة. وأن التقدم التكنولوجي هو الأهم لرفع الإنتاجية والنمو. ويشرح الاقتصادي كينيث ارو (Arrow, Ken 1962) أن التقدم التكنولوجي هو نتاج البحث العلمي والتعلم من خلال الممارسة. هذا يجعلنا نتساءل أين المجتمعات العربية من المعرفة والتعلم، ليس كأفراد فقط ولكن كمجتمعات.
أطلقت منظمة اليونسكو مشروعا حول رسم ملامح مستقبل التعليم وإعادة التفكير في التربية والتعليم وعلاقته برسم المستقبل. تقول اليونسكو في مطلع التقرير «تعيش المنطقة العربية في معاناة كبيرة حافلة بمفردات الألم والمعاناة من فقر وتهميش وإقصاء وبطالة وصراعات ودمار. هذه نتائج ومخلفات لسياسات قاصرة وحروب ونزاعات متتالية... أدت إلى جعل مسألة مجانية التعليم وإلزاميته في دائرة الخطر.. وبالتالي فإن تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية يكاد يكون مستحيلا».
على هذه الخلفية يحاول التقرير رسم ملامح التعليم في المنطقة العربية، وتسليط الضوء على واقع المنطقة التي باتت «خارج دائرة الزمان والمكان» وفق تعبيره. يواصل التقرير بأن «الحملة العربية» أطلقت مشاورات وطنية حول مستقبل التربية والتعليم، تشمل المشاورات مناقشة «الوضع المعقد الذي تزداد فيه اللا عدالة والتهميش للفئات الأكثر عرضة للإقصاء والتمييز». شارك في المشاورات الشباب والمربون والمجتمع المدني والحكومات وقطاع الأعمال.
يقول التربويون إن التعليم يستند إلى منهج تعليمي تلتزم به المدرسة والمدرسون، يكتسب الطالب من خلاله معارف نظرية وعملية (قدرة على استخدام المعرفة) وإنتاجية (قدرة على إنتاج معرفة إضافية). ويؤدي الطالب امتحانا وبحثا يحدد مدى تمكنه من هذا المنهج. وبالتالي، فإن الامتحانات ينبغي أن تعكس مدى تمكن الطالب من هذه القدرات، وان المنهج هو إعداد الطالب للحياة معرفيا وسلوكيا (وليس فقط للعمل)، واستمرار التعلم مدى الحياة، أما المقررات فهي وسيلة لتحقيق المنهج. فما يحتاج إليه المواطن للحياة يشمل القدرات، والمواقف السليمة، والعادات، ومعارف يحتاج إليها كانسان ومواطن فاعل، وغرس هذه المتطلبات هو هدف المنهج. فهل امتحاناتنا والنتائج تعكس التمكن والاستعداد للحياة؟
من أهم التوصيات التي خرج بها مشروع اليونسكو هو كيفية تقييم التعليم وكيف تصاغ الامتحانات. منها «تصميم أنظمة تقييم شاملة تقيس مستويات الكفاءة والمهارات المكتسبة». و«استخدام البيانات والتحليلات للتخطيط وصنع القرارات المستنيرة». والأهم «تقييم الأثر الحقيقي للمناهج والمبادرات التعليمية على نتائج المتعلمين». أي أن التقييم لا يقف عند الامتحانات ومستويات الطلبة من حيث المعدلات المرتفعة لأعداد كبيرة، بل المهم ما يحققه المتعلمون من نتائج معرفية ومهارات حياتية والمساهمة في المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة. وكذلك تمكنهم من مهارات القرن الواحد والعشرين، كالتفكير الناقد والعمل الجماعي التعاوني والابداع، وتلبية احتياجات سوق العمل ومساهمتهم في النمو الاقتصادي والتنمية المجتمعية والبيئية. اي النظر الى النتائج الشاملة وليس فقط التحصيل الأكاديمي وتحقيق معدلات مرتفعة، تطرح تساؤلات حول العملية التعليمية ونظام الامتحانات.
بالنسبة لنا في الدول العربية ينبغي ان نطرح السؤال، لماذا يبقى التراجع في مستوى المعرفة، وماذا ينبغي علينا فعله لإغلاق الفجوة؟ هذا يدعو إلى محاولة فهم الوضع العربي والبحث في أسباب استمرار التراجع العلمي.
وفق المقاربة التقليدية، يُعزى ذلك الى الفرق في رأس المال البشري. بينما يرى فريق آخر أن الفارق هو في قدرة المجتمعات العربية على التعلم والثقافة الفكرية السائدة. يشير المفكر الكبير الدكتور محمد جابر الانصاري في كتابه «انتحار المثقفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية (1999) ما يفيد في هذا المجال. يقول إن خلق مجتمع التعلم يحتاج إلى بيئة مناسبة وعقلية قابلة للتعلم، عقلية منفتحة ناقدة تؤمن بحق الاختلاف، عقلية لا تنطلق من مسلمات ترفض مناقشتها أو إعادة تقييمها وفق ما يتوافر من معارف جديدة. فسيادة هذا النوع من التفكير يولد الخوف من التجديد ورفض أي تغيير على ما هو سائد منذ قرون.
هذا يطرح السؤال: ماذا على المؤسسات والمجتمع أن يفعل ليكون أكثر قدرة على التعلم وأكثر ديناميكية؟ هل المناهج العربية تعكس رؤية مجتمعية فكرية ثقافية وغاية تعليمية تحقق تعليما فعالا؟ وهل الامتحانات والنتائج تعكس التمكن من هذه القدرات وتحقق هدف المنهج المعرفي والقيمي؟ وهل هدف مؤسسات التعليم العربية ايصال اكبر عدد ممكن من الطلبة إلى معدلات عالية؟ وهل يطرح القائمون على التعليم العرب تساؤلات حول نسب النجاح ودراستها؟ وما نتائجها على تعلم المجتمع؟ ناهيك عن تأثير التعليم الخاص على تماسك المجتمعات وتكافؤ الفرص. لا بد لكل مجتمع على حدة أن يدرس حالة التعليم والتساؤلات حول مخرجاته، وتداعياتها على التقدم المعرفي والحياة العامة والتنمية بشكل عام.
drmekuwaiti@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك