قبل الـسابع من أكتوبر وبعده، ظلت الولايات المتحدة الأمريكية ثابتة في دعمها الراسخ لـ«إسرائيل» منكرة إبادتها الجماعية وجرائمها ضد الإنسانية في «قطاع غزة» و«الضفة الغربية» والقدس. هذا التبني الأمريكي الكامل لـ«إسرائيل» بالسياسة وبالسلاح والمال، هو ما دفع رئيسها الأمريكي إلى تجاوز الكونجرس مرتين على الأقل وإمداد الاحتلال بمختلف صنوف الأسلحة خلال عدوانه الأخير على «القطاع»، ويدفعنا بالضرورة إلى تسليط الضوء على «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية» American-Israel Public Relations Committee AIPAC)) التي جندت خلال أشهر الحرب مواردها السياسية والمالية والبشرية ومصالحها للحفاظ على خط ثابت أمريكي يواجه المظاهرات الألفية التي تشهدها عواصم الولايات وأمام الكابيتول لأول مرة دعمًا لفلسطين.
تأسست اللجنة – (AIPAC) عام 1954 لتمثل اللوبي الضاغط الذي يستخدمه يهود الولايات المتحدة الأمريكية وأنصارهم من أجل توفير الدعم لـ«إسرائيل» بأشكاله كافة، توازيًا مع الضغط على الإدارة الأمريكية والمؤسسات الأمريكية الأخرى، بما يعمق التحالف مع «إسرائيل» ويمنع حصول أي تحالفات أخرى قد تسبب أي شكل من الضرر لدولة الاحتلال، وكذلك منع الكونجرس الأمريكي من إصدار تشريعات تمس الأخيرة ولو بمقدار ضئيل، حيث تشكل هذه (اللجنة) السد المنيع والحاجز الحصين أمام استصدار مثل هذه القوانين تجاوبًا مع مظاهرات أو مطالبات عامة تقودها عادة شخصيات أمريكية تقدمية مؤيدة لفلسطين.
لطالما أكدت هذه (اللجنة) أن وجود «إسرائيل»، بوصفها «حامية حمى الديمقراطية» في (الشرق الأوسط!)، مهم جدًا لحماية المصالح الأمريكية الحيوية في هذه المنطقة، وفي مواجهة كل أشكال «الإرهاب» في العالم، وكذلك في منع أخطار من الممكن أن تحدث في هذا الإقليم المهم، ولطالما ضغطت (اللجنة) من أجل نيل المزيد من الدعم المالي بواسطة تعميق العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة و «إسرائيل» عن طريق: زيادة الدعم بواسطة القروض، ثم تحويل هذه القروض إلى هبات، وصولا إلى شطبها. هذا، ويشكل اليهود النسبة العظمى من أعضاء «إيباك» التي تحظى بشبكة علاقات تشمل مئات المؤسسات، وعدد كبير من المتبرعين الأثرياء اليهود وغير اليهود، وترى نفسها الناطق باسم المجموعات اليهودية في الولايات المتحدة؛ كالسياسيين والمنظمات ومجموعات الضغط وأجهزة الإعلام ومراكز الأبحاث والتفكير والطلاب.
تستميل «إيباك» أعضاء الكونجرس من خلال الزيارات الخاصة ودعوتهم إلى لقاءات واحتفالات وموائد، وتتقرب من رؤساء اللجان العاملة داخل الكونغرس في سبيل ترتيب وتنظيم عمليات الاقتراع على قرارات ومشاريع القوانين، ولا تخصص «اللجنة» دعمها لحزبٍ دون آخر من الديمقراطيين أو الجمهوريين؛ بل تقف مع أولئك الذين يقفون مع إسرائيل! ويعتبر الرئيس (جو بايدن) أكثر أعضاء مجلس الشيوخ الذين تلقوا دعمًا ماليًا من المانحين الداعمين لـ«إسرائيل»، خلال (1990 – 2009) عبر عضويته (سبع فترات)، قبل أن يصبح نائبًا للرئيس باراك أوباما. كما تعتبر «إيباك» أكبر جهة مانحة لزعماء وأعضاء ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء، وتموّل (من خلال مؤسسات ترعاها) رحلات أعضاء الكونغرس إلى الدولة الصهيونية، وتقدم تبرعات لمجموعات سياسية وثقافية في الولايات المتحدة لترسيخ «المعلومات» الكاذبة عن «إسرائيل»، وإبقاء أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مواقفهم الراسخة إلى جانب دولة الاحتلال.
أما الجانب الأكثر ظلمة من علاقة «إيباك» غير الشرعية بالكونغرس الأمريكي، فيتمثل في تهديدها الدائم للنواب والأعضاء الذين يتعاطفون مع القضية الفلسطينية وتسيير حملات الإعلانات ضدهم، وضد المرشحين التقدميين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي والجمهوري، لصالح مرشحين أكثر دعمًا لـ«إسرائيل»، والتخلص من الأسماء المعروفة بمناصرتها للقضية الفلسطينية، وتفعيل ذات الأمر مع المؤثرين (Influencers) حول العالم، واستهداف وعي الشباب الأمريكي، ومحاولة تعزيز الرواية الصهيونية قبل وبعد 7 أكتوبر، خاصة بعد أن بينت نتائج استطلاع أمريكي أن أكثر من نصف هؤلاء يرون أن الحل يكمن في تفكيك «إسرائيل» وعودة كل يهودي إلى بلده الأصلي!
لا ننكر براعة الـــ«إيباك» وأخواتها وقدرتها الهائلة في جمع الأموال وصرفها لدعم «إسرائيل»، لكننا نظن أن هذا «اللوبي» الأخطبوطي يمر بـ «أزمة هوية»، وأن حياته أصبحت معقدة، خاصة بعد إطلاق ائتلاف من جماعات المصالح التقدمية مبادرة تسمى «ارفض إيباك» في محاولة لمواجهة مبلغ 100 مليون دولار من المتوقع أن تنفقه «إيباك» لهزيمة مرشحي الكونجرس الذين شجبوا معاناة المدنيين في الحرب على «القطاع» ويبقى السؤال: متى نؤسس ونمؤسس «لجنة» تواجه «لجنة إيباك»، خاصة بعد استحواذ القضية الفلسطينية على المزيد من مساحات التأييد في الرأي العام الأمريكي لا بل، والعالمي أيضا. هذا هو أحد أبرز التحديات التي تواجهنا!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك