العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ماذا بعد انتخاب رئيس جديد في إيران؟

بقلم: فاروق يوسف {

السبت ١٣ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

منذ‭ ‬أن‭ ‬ألغي‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬وجد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬وظيفة‭ ‬له‭ ‬تتمثل‭ ‬بإدارة‭ ‬الحكومة،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬يملك‭ ‬صلاحيات‭ ‬كبيرة،‭ ‬تؤهله‭ ‬لرسم‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬وإدارة‭ ‬ملفات‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬ملف‭ ‬الأمن‭.‬

فإدارة‭ ‬الشؤون‭ ‬اليومية‭ ‬للحكومة‭ ‬شيء‭ ‬وإدارة‭ ‬الدولة‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭. ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬تضارب‭ ‬بين‭ ‬الأمرين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الهيمنة‭ ‬المطلقة‭ ‬للمرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬على‭ ‬السلطة‭.‬

كل‭ ‬الخيوط‭ ‬السياسية‭ ‬بيد‭ ‬خامنئي‭ ‬أما‭ ‬الرئيس‭ ‬بمنصبه‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬موظف‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬وظيفته‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مؤثرة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭. ‬منصب‭ ‬الرئاسة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬مريح‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬ينسى‭ ‬المرء‭ ‬فيها‭ ‬اسم‭ ‬الرئيس‭ ‬وتوجهاته‭ ‬الفكرية‭ ‬ووعوده‭ ‬الانتخابية‭. ‬لذلك‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬نربط‭ ‬بين‭ ‬التيار‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الذي‭ ‬مثله‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬وفعل‭ ‬الإصلاح‭ ‬بمفهوم‭ ‬التغيير‭ ‬والتحديث‭.‬

قبل‭ ‬مسعود‭ ‬بزشكيان‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬هاشمي‭ ‬رفسنجاني‭ ‬ومحمد‭ ‬خاتمي‭ ‬وحسن‭ ‬روحاني‭ ‬وكلهم‭ ‬معتدلون‭ ‬أو‭ ‬إصلاحيون‭. ‬بزشكيان‭ ‬لا‭ ‬يشبههم‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرتدي‭ ‬عمامة‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬مثلهم‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬ميزة‭ ‬لا‭ ‬تأثير‭ ‬لها‭.‬

محمود‭ ‬أحمدي‭ ‬نجاد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يرتدي‭ ‬العمامة‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المحافظين‭ ‬تشددا،‭ ‬وسبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مع‭ ‬بدايات‭ ‬ثورة‭ ‬الخميني‭.‬

هناك‭ ‬نقطة‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نضعها‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬إيراني‭ ‬لا‭ ‬يُقبل‭ ‬ترشحه‭ ‬لمنصب‭ ‬الرئاسة‭ ‬أو‭ ‬عضوية‭ ‬البرلمان‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬فحص‭ ‬أوراقه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجلس‭ ‬صيانة‭ ‬الدستور‭. ‬وهو‭ ‬هيئة‭ ‬رقابية‭ ‬أشبه‭ ‬بجهاز‭ ‬فحص‭ ‬الكذب‭. ‬حين‭ ‬يتأكد‭ ‬ذلك‭ ‬المجلس‭ ‬من‭ ‬تمتع‭ ‬المرشح‭ ‬بالولاء‭ ‬المطلق‭ ‬لا‭ ‬للوطن‭ ‬ولا‭ ‬للشعب،‭ ‬بل‭ ‬لخط‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭ ‬أولا‭ ‬وثانيا‭ ‬للولي‭ ‬الفقيه‭ ‬والمرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬للجمهورية‭ ‬الإيرانية‭ ‬وللحرس‭ ‬الثوري‭ ‬بالتبعية،‭ ‬فإنه‭ ‬يبارك‭ ‬ترشحه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أي‭ ‬اعتراض‭.‬

وليس‭ ‬جديدا‭ ‬القول‭ ‬بأنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬إيراني‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬خلاف‭ ‬مع‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬صغير‭. ‬كان‭ ‬أبو‭ ‬الحسن‭ ‬بني‭ ‬صدر‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬عام‭ ‬1980‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬للجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬استثناء‭ ‬لن‭ ‬يتكرر‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬بني‭ ‬صدر‭ ‬عارض‭ ‬الخميني‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬العراق‭. ‬نجا‭ ‬بني‭ ‬صدر‭ ‬بنفسه‭ ‬بأعجوبة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شعر‭ ‬بأن‭ ‬حبل‭ ‬المشنقة‭ ‬بات‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬رقبته‭ ‬حين‭ ‬صار‭ ‬الخميني‭ ‬يحرض‭ ‬عليه‭ ‬علنا‭ ‬ويتهمه‭ ‬بالخيانة‭. ‬بني‭ ‬صدر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعش‭ ‬زمن‭ ‬صراع‭ ‬المحافظين‭ ‬والإصلاحيين‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬هو‭ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬سيحرص‭ ‬مجلس‭ ‬صيانة‭ ‬الدستور‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يتكرر‭.‬

ما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬مسكوت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وبالأخص‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بشخصية‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬والمرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬للجمهورية‭ ‬وصلاحياته‭ ‬واسعة‭ ‬جدا‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬اعتبارها‭ ‬سلطات‭ ‬شبه‭ ‬مطلقة‭.‬

وبذلك‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬خامنئي‭ ‬وهو‭ ‬وريث‭ ‬الخميني‭ ‬مؤسس‭ ‬ذلك‭ ‬المعتقد‭ ‬حاكما‭ ‬دنيويا‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬قراراته‭ ‬بسهولة،‭ ‬النظام‭ ‬الجمهوري‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬واجهة‭ ‬زجاجية‭ ‬لدولة‭ ‬دينية‭ ‬يقودها‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬للثورة‭.‬

في‭ ‬خضم‭ ‬فوضى‭ ‬تلك‭ ‬الأوضاع‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬توقعه‭ ‬من‭ ‬إصلاح؟‭ ‬بزشكيان‭ ‬مثله‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬الإصلاحيين‭ ‬الذين‭ ‬سبقوه‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬قوة‭ ‬الإيمان‭ ‬بالمذهب‭. ‬وهو‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬يصله‭ ‬بخط‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مفهوم‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭. ‬وهو‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬كاد‭ ‬بني‭ ‬صدر‭ ‬يخسر‭ ‬حياته‭ ‬بسبب‭ ‬اعتراضه‭ ‬عليه‭.‬

ولكن‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬هو‭ ‬سيد‭ ‬القرار‭ ‬السياسي،‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬رئيسا‭ ‬إصلاحيا‭ ‬لأربع‭ ‬سنوات‭ ‬مقبلات‭ ‬هو‭ ‬حل‭ ‬مريح‭ ‬لإيران‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬هدنة‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬خاضتها‭ ‬بالوكالة‭.‬

سيكون‭ ‬متوقعا‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬إصلاحي‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬مفاوضات‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬سيلبي‭ ‬طلبات‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬وبالأخص‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬ستربح‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬هيمنة‭ ‬حرسها‭ ‬الثوري‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬حيوية‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

مع‭ ‬رئيس‭ ‬إصلاحي‭ ‬لن‭ ‬يمارس‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬ضغوطا‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬معرفته‭ ‬بأصول‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية‭ ‬الإيرانية‭. ‬بزشكيان‭ ‬سيهب‭ ‬إيران‭ ‬ما‭ ‬فقدته‭ ‬في‭ ‬عهدي‭ ‬نجاد‭ ‬وإبراهيم‭ ‬رئيسي‭ ‬وهو‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬للجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الحاكم‭ ‬الفعلي‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا