منذ أن ألغي منصب رئيس الوزراء في إيران عام 1989 وجد رئيس الجمهورية وظيفة له تتمثل بإدارة الحكومة، ولكن ذلك لا يعني أن الرئيس يملك صلاحيات كبيرة، تؤهله لرسم سياسة الدولة وإدارة ملفات عديدة في مقدمتها ملف الأمن.
فإدارة الشؤون اليومية للحكومة شيء وإدارة الدولة شيء آخر. وليس هناك من تضارب بين الأمرين في ظل الهيمنة المطلقة للمرشد الأعلى على السلطة.
كل الخيوط السياسية بيد خامنئي أما الرئيس بمنصبه رفيع المستوى فما هو إلا موظف يتحرك في دائرة وظيفته من غير الحاجة إلى اتخاذ قرارات مؤثرة على المستوى السياسي. منصب الرئاسة في إيران مريح إلى درجة ينسى المرء فيها اسم الرئيس وتوجهاته الفكرية ووعوده الانتخابية. لذلك علينا ألا نربط بين التيار الإصلاحي الذي مثله الرئيس الجديد وفعل الإصلاح بمفهوم التغيير والتحديث.
قبل مسعود بزشكيان كان هناك هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وحسن روحاني وكلهم معتدلون أو إصلاحيون. بزشكيان لا يشبههم في شيء واحد فقط هو أنه لا يرتدي عمامة رجل الدين مثلهم. غير أن تلك ميزة لا تأثير لها.
محمود أحمدي نجاد الرئيس الأسبق لم يكن يرتدي العمامة وقد كان من أكثر المحافظين تشددا، وسبق له أن أسهم في احتلال السفارة الأمريكية مع بدايات ثورة الخميني.
هناك نقطة ينبغي أن نضعها في الحسبان هي أن أي إيراني لا يُقبل ترشحه لمنصب الرئاسة أو عضوية البرلمان ما لم يتم فحص أوراقه من قبل مجلس صيانة الدستور. وهو هيئة رقابية أشبه بجهاز فحص الكذب. حين يتأكد ذلك المجلس من تمتع المرشح بالولاء المطلق لا للوطن ولا للشعب، بل لخط الإمام الخميني أولا وثانيا للولي الفقيه والمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية وللحرس الثوري بالتبعية، فإنه يبارك ترشحه من غير أي اعتراض.
وليس جديدا القول بأنه ما من رئيس إيراني قد وقع في خلاف مع المرشد الأعلى ولو في أمر صغير. كان أبو الحسن بني صدر الذي صار عام 1980 أول رئيس للجمهورية الإسلامية استثناء لن يتكرر. ذلك لأن بني صدر عارض الخميني في مسألة استمرار الحرب مع العراق. نجا بني صدر بنفسه بأعجوبة بعد أن شعر بأن حبل المشنقة بات قريبا من رقبته حين صار الخميني يحرض عليه علنا ويتهمه بالخيانة. بني صدر الذي لم يعش زمن صراع المحافظين والإصلاحيين على الحكم هو النموذج الذي سيحرص مجلس صيانة الدستور على ألا يتكرر.
ما من شيء مسكوت عنه في إيران وبالأخص فيما يتعلق بشخصية الولي الفقيه والمرشد الأعلى للجمهورية وصلاحياته واسعة جدا الى درجة اعتبارها سلطات شبه مطلقة.
وبذلك لا يكون خامنئي وهو وريث الخميني مؤسس ذلك المعتقد حاكما دنيويا يمكن الاعتراض على قراراته بسهولة، النظام الجمهوري في إيران هو ليس سوى واجهة زجاجية لدولة دينية يقودها المرشد الأعلى للثورة.
في خضم فوضى تلك الأوضاع ما الذي يمكن توقعه من إصلاح؟ بزشكيان مثله في ذلك مثل الإصلاحيين الذين سبقوه لا ينفي عن نفسه قوة الإيمان بالمذهب. وهو النهج الذي يصله بخط الإمام الخميني الذي يقوم على مبدأ الحرب التي لا تنتهي في إطار مفهوم تصدير الثورة. وهو المبدأ الذي كاد بني صدر يخسر حياته بسبب اعتراضه عليه.
ولكن وبما أن المرشد الأعلى هو سيد القرار السياسي، يمكنني أن أتوقع أن رئيسا إصلاحيا لأربع سنوات مقبلات هو حل مريح لإيران التي تحتاج إلى هدنة مع العالم بعد سنوات من الحرب خاضتها بالوكالة.
سيكون متوقعا من رئيس إصلاحي أن يعيد إيران إلى مفاوضات الاتفاق النووي. ذلك ما سيلبي طلبات العالم الغربي وبالأخص الولايات المتحدة. وهو ما يعني أن إيران ستربح في ظل استمرار هيمنة حرسها الثوري على مناطق حيوية في العالم.
مع رئيس إصلاحي لن يمارس العالم الغربي ضغوطا جديدة على إيران بالرغم من معرفته بأصول اللعبة السياسية الإيرانية. بزشكيان سيهب إيران ما فقدته في عهدي نجاد وإبراهيم رئيسي وهو بالضبط ما يريده المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الذي هو الحاكم الفعلي.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك