إن تعريف العمل الطوعي يقوم على منهجين أحدهما طبيعة العمل الطوعي وأهدافه والآخر هو مفهوم المنظمات الطوعية في علاقتها بالكيانات المجتمعية المختلفة، وهي المؤسسات العامة والخاصة والمجتمع المدني، للمساهمة والقيام بأي عمل بشكل طوعي وبدون مقابل مادي لمساعدة الآخرين أو خدمة المجتمع.
ويمكن أن يكون العمل التطوعي مجموعة واسعة من الأنشطة، بما في ذلك: المساعدة في المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الربحية، المشاركة في مشروعات المجتمع المحلي، التطوع في المؤسسات التعليمية والصحية، بما في تلك المساعدة في حالات الكوارث والطوارئ، وكتلك المساهمة في المحافظة على البيئة وحماية الموارد الطبيعية.
وللعمل التطوعي فوائد عدّة، حيث إنه يساعد في بناء المجتمع وتعزيز التماسك الاجتماعي. وهو إلى ذلك يمكن أن يوفر للمتطوعين فرصًا لتطوير مهاراتهم وخبراتهم، وتحسين صحتهم النفسية والجسدية. فضلًا على ذلك، فإن المجتمعات التي تتسم بمعدلات مرتفعة من العمل التطوعي تميل إلى أن تكون أكثر ازدهارًا واستدامة. وعليه فإن العمل التطوعي أو ما يسمى حديثًا في أدبيات التنمية «رأس المال الاجتماعي» هو ثروة عامة وليست حكرًا على أفراد معينة، وعمومًا هي حركة اجتماعية انبثقت من قلب المجتمع المدني، وهدفت إلى تأكيد التعاون وإبراز الوجه الإنساني للعلاقات الإنسانية، بإبراز أهميّة الإخلاص في البذل والعطاء في سبيل إضفاء السعادة على مجتمعنا.
لذا فإن ترسيخ ثقافة التطوع مجتمعيا، ولا سيما في المجال البيئي يحسّن التوازن الطبيعي في المعمورة، ويسهم في بناء حس مجتمعي تجاه المبادرات الوطنية الهادفة الى تعزيز الشراكة المجتمعية، وتفعيل العمل التطوعي في الحفاظ على التوازن البيئي واستدامته، وهو ما يأتي استشعارًا من المجتمعات بقيمة العمل التطوعي باعتباره سلوكًا حضاريًا وممارسة إنسانية تجسد صورة ناصعة من صور التكافل والاستشعار بالمسؤولية الاجتماعية وترجمة الدوافع الأخلاقية للمشاركين فيه، فضلًا عن المساحة الكبيرة التي يوفرها الشأن البيئي للمهتمين بالتطوع بين أفراد المجتمع وغرس الوعي بأهمية حماية النظم البيئية في المنظومة المجتمعية، بما يحقق الاستراتيجية الوطنية للبيئة، وبما يتواكب مع المبادرة الوطنية «دمت خضراء» التي أضافت بعدًا اجتماعيًا بواسطة إطلاق حملة التطوع في غرس الأشجار وفتح المجال لمن يرغب من عامة المجتمع فيمَا يخص ترسيخ قيم التطوع في جميع مرافقه ونشاطاته إيمانا منها بالدور المحوري الذي وضح العمل التطوعي في ضوء الرؤية الوطنية القائمة على تعزيز الوعي المجتمعي، ووفقًا لما يجسده العمل التطوعي من دلالات أخلاقية وما يحمله من قيمة مضافة، وما يتركه من أثر مجتمعي يساهم في دفع مسيرة النمو والازدهار ويدفع باتجاه الارتقاء بالأنماط المعيشية وتحقيق جودة الحياة.
وقد نشط العمل التطوعي في الشأن البيئي نتيجة القلق الذي يسيطر على جميع فئات المجتمع في حال حدوث التدهور البيئي، وفي ذات الوقت فإن المجتمع يكون راضيا حال تحقيق التنمية المستدامة ضمن إطار البيئة الصحية السليمة، ووفقًا لمنظور برنامَج الأمم المتحدة للمتطوعين، فهو عمل غير ربحي، لا يقدم نظير أجر معلوم، وهو عمل غير وظيفي مهني، يقوم به الأفراد من أجل مساعدة وتنمية مستوى معيشة الآخرين، من جيرانهم أو المجتمعات البشرية بصفة مطلقة.
إن البيئة هي تراث مشترك للإنسانية وتستحق كلّ الاهتمام والتطوير، لذا فإنه يقع على عاتقنا واجب الحفاظ عليها وفق الضوابط المطلوبة، والعمل للحد من تفاقم خاصة الأزمات البيئية في مجتمعاتنا قدّر الإمكان، والناتجة عن التقدّم التكنولوجي والصناعي للثورات الصناعية في الدول المتقدمة جرّاءِ الاستخدامات الواسعة للطاقة، التي أدت الى حدوث مشكلات جمة أثرت تأثيرًا كبيرًا على حفظ التوازن البيئي في أغلبية مكوناته، ما نتج عن ذلك من كوارث أثرت على الطبيعية بشكل لافت للنظر.
ونرى دائمًا أن المتتبع لتاريخ الإنسانية يلاحظ أن العمل التطوعي ركز بشكل كبير على الشؤون البيئية وجانبها السلبي، لأنه يرى ازدياد المشكلات البيئية المهددة لصحة بيئته، التي برزت في محاولة السيطرة شبه التامة للظروف الطبيعية، ولكن مع تطوّر الفكر الإنساني بدأت علاقته بالبيئة تتطوّر في جانبها الإيجابي، وتتحسّن بفضل القدرات الإنسانية على تطويع البيئة، مّا أدّى إلى بروز صراع كبير مع الطبيعة، ومحاولة الإنسان السيطرة عليها تلبية لحاجاته المتجدّدة؛ لذا نحنُ بحاجة ماسة إلى زيادة تشجيع جيل الشباب على المشاركة في العمل التطوعي.
ويمكن تحقيق ذلك باتباع عدة طرق منها على سبيل المثال: العمل على التعريف بالفوائد وأبزارها على المستويين الشخصي والمجتمعي لفئة الشباب. مثل تطوير المهارات، وتحسين الصحة النفسية، والمساهمة في المجتمع، إلى جانب ضرورة إشراك الشباب في التخطيط وتحديد احتياجات المجتمع والبرامج التطوعية التي يرغبون بالمشاركة فيها ما يجعلهم أكثر التزامًا وتحفيزًا، وتوفير فرص متنوعة تناسب مختلف الاهتمامات والمهارات واوقات الفراغ للشباب، وتحسين التوازن النفسي لديهم.
ولا تتوقف الثقافة البيئية عند هذا الحدّ؛ بل تهدف إلى أن يتمتع الأفراد بجمال الطبيعة وسحرها، ممّا يؤثّر على التوازن النفسي لديهم فتكون علاقتهم بالطبيعة قوية جدًا، مما يسهم كل ذلك في تحقيق الثقافة البيئية ونشرها وتمكين الشباب من القدرة على اتخاذ قرارات مستدامة.
وبالتأكيد، فإن ذلك سوف يسارع في بث روح التعاون والمسؤولية المجتمعية وتغيير السلوكيات ونمط الحياة لمصلحة البيئة، وذلك بإعداد أجيال واعية بالمشكلات البيئية وامتلاك القدرة على حلها بطرق واقعية.
لقد جاءت أهميّة العمل التطوعي من عدم قدرة الدول على الاستجابة لكلّ الحاجات المجتمعية، وتأتي البيئة في مقدّمتها، حيثُ وجدت تحديات بيئية عدّة تهدد الكوكب، وتسهم في احداث الضرر البيئي والتأثير على مستقبل الأجيال القادمة، منها القضية المصيرية تغير المناخ، التي تحاول أغلبية دول العالم التصدي لها وفقًا للتوصيات الصادرة من المؤتمرات العالمية المنعقدة بين الحين والآخر، وللمتطوعين دور بالغ الأهمية في المشروعات المجتمعية المستدامة مثل إعادة التدوير والتشجير والنظافة البيئية.
ومن أبرز هذه الأدوار: المساعدة في تخطيط وتنفيذ المشروعات، والمساهمة الفاعلة في تحديد الأولويات والأهداف، وكذلك تصميم وجدولة الأنشطة التطوعية، إلى جانب التنفيذ الفعلي للمهام الميدانية كزراعة الأشجار وتنظيف المناطق.
وكل ذلك سوف يسهم في بناء الوعي والمشاركة المجتمعية، وبهذه الأدوار الحيوية، يمكن للمتطوعين المساهمة بشكل فعال في إنجاح المشروعات المجتمعية البيئية واستدامتها على المدى الطويل.
كذلك فإن تلوث الماء والهواء، وفقدان التنوع الحيوي أصبح معضلة بيئية يجب علينا تطبيق كافة الحلول والمقترحات حتى نحافظ على سلامة البيئة وصحتها ونورثها للجيل القادم. ومن أجل تحقيق التغييرات الإيجابية والحفاظ على بيئتنا، يأتي دور التطوع خاصة في المجال البيئي باعتباره وسيلة فعالة لتعزيز الوعي البيئي وتوليد تأثير إيجابي على المجتمعات والبيئة المحلية.
وكذلك هو فرصة للأفراد المهتمين بالبيئة للانخراط والمشاركة في مبادرات ومشاريع تحسين البيئة والحفاظ عليها. وبرزت أهميته خاصة في المجال البيئي للمجتمع على عدة مستويات: أبرزها المستوى الاجتماعي، حيثً يسهم العمل التطوعي في تعزيز التماسك الاجتماعي وبناء الشعور بالمواطنة والانتماء والمسؤولية المشتركة تجاه المجتمع. والمساهمة كذلك في تقوية الروابط بين كافة أطياف المجتمع البحريني، أما على صعيد المستوى الاقتصادي، فإنه يوفر خِدْمَات وموارد قيمة للمجتمع من دون كلفة، مما يساعد على حفظ المقدرات المالية للوطن وتوظيفها لاحتياجات ذات أولوية قصوى.
كما يسهم في اكساب الفرد مهارات جديدة وتطور شخصي لا مثيل له، كما يعمل على منح الأفراد شعورًا بالرضا وتحسنا نفسيا ومعنويا، معززًا بذلك المستوى الشخصي، وبالنسبة للمستوى المجتمعي، فإن المبادرات التطوعية تُسهم في حل المشكلات المجتمعية والحاجات الملحة، وتحسين نوعية الحياة للأفراد والمجتمعات المحلي.
وختامًا، نرى أن برامج التطوع البيئي الناجحة قد أثرت إيجابًا على تنمية المجتمعات المحلية بواسطة المشاركة المجتمعية، رفع الوعي البيئي، وتحسين البيئة المحلية. هذه البرامج كانت مصدر إلهام لجهود المحافظة على البيئة في مختلف مناطق المملكة، ومن الفوائد الشخصية والمجتمعية التي يجنيها المتطوعون في المجال البيئي: أهمها: تطوير المهارات والخبرات: المشاركة في برامج التطوع البيئي تتيح للمتطوعين فرصة تطوير مهارات عملية مثل القيادة، التخطيط، والعمل الجماعي تعزيز الرَفَاهيَة النفسية: المساهمة في حماية البيئة يشعر المتطوعين بالرضا والتحقيق الذاتي، مما يعزز صحتهم النفسية، وعمومًا، فإن المتطوعين في المجال البيئي يجنون فوائد شخصية واجتماعية مهمة تسهم في تطوير قدراتهم وتنمية مجتمعاته.
ويعد التطوع في مجال البيئة من أهم الوسائل لتحسين بيئة مملكتنا الحبيبة والحفاظ على مواردها الطبيعية. يتطلب الأمر جهودا مشتركة من المجتمعات والأفراد لكي نستطيع إحداث تغيير إيجابي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. لذا فإنه بالعمل التطوعي، يمكننا جميعًا أن نؤدّي دورًا فعالًا في تحسين البيئة والمساهمة في خلق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك