العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العمل التطوعي.. أداة للتغيير الإيجابي نحو تنمية المجتمعات

بقلم: د. فاطمة ناصر {

السبت ١٣ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

إن‭ ‬تعريف‭ ‬العمل‭ ‬الطوعي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬منهجين‭ ‬أحدهما‭ ‬طبيعة‭ ‬العمل‭ ‬الطوعي‭ ‬وأهدافه‭ ‬والآخر‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬المنظمات‭ ‬الطوعية‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالكيانات‭ ‬المجتمعية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وهي‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬للمساهمة‭ ‬والقيام‭ ‬بأي‭ ‬عمل‭ ‬بشكل‭ ‬طوعي‭ ‬وبدون‭ ‬مقابل‭ ‬مادي‭ ‬لمساعدة‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬خدمة‭ ‬المجتمع‭. ‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الأنشطة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭: ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخيرية‭ ‬والمنظمات‭ ‬غير‭ ‬الربحية،‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬المجتمع‭ ‬المحلي،‭ ‬التطوع‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬والصحية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الكوارث‭ ‬والطوارئ،‭ ‬وكتلك‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬وحماية‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭. ‬

وللعمل‭ ‬التطوعي‭ ‬فوائد‭ ‬عدّة،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭ ‬وتعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وهو‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬للمتطوعين‭ ‬فرصًا‭ ‬لتطوير‭ ‬مهاراتهم‭ ‬وخبراتهم،‭ ‬وتحسين‭ ‬صحتهم‭ ‬النفسية‭ ‬والجسدية‭. ‬فضلًا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بمعدلات‭ ‬مرتفعة‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬ازدهارًا‭ ‬واستدامة‭. ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى حديثًا‮ ‬في‭ ‬أدبيات‭ ‬التنمية‭ ‬‮«‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬هو‭ ‬ثروة‭ ‬عامة‭ ‬وليست‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬معينة،‭ ‬وعمومًا‭ ‬هي‭ ‬حركة‭ ‬اجتماعية‭ ‬انبثقت‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وهدفت‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬التعاون‭ ‬وإبراز‭ ‬الوجه‭ ‬الإنساني‭ ‬للعلاقات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بإبراز‭ ‬أهميّة‭ ‬الإخلاص‭ ‬في‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬إضفاء‭ ‬السعادة‭ ‬على‭ ‬مجتمعنا‭.‬

لذا‭ ‬فإن‭ ‬ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬التطوع‭ ‬مجتمعيا،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البيئي‭ ‬يحسّن‭ ‬التوازن‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬المعمورة،‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬حس‭ ‬مجتمعي‭ ‬تجاه‭ ‬المبادرات‭ ‬الوطنية‭ ‬الهادفة‭ ‬الى‭ ‬تعزيز‭ ‬الشراكة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وتفعيل‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬البيئي‭ ‬واستدامته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬استشعارًا‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬بقيمة‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬باعتباره‭ ‬سلوكًا‭ ‬حضاريًا‭ ‬وممارسة‭ ‬إنسانية‭ ‬تجسد‭ ‬صورة‭ ‬ناصعة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬التكافل‭ ‬والاستشعار‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وترجمة‭ ‬الدوافع‭ ‬الأخلاقية‭ ‬للمشاركين‭ ‬فيه،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬المساحة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يوفرها‭ ‬الشأن‭ ‬البيئي‭ ‬للمهتمين‭ ‬بالتطوع‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬وغرس‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬حماية‭ ‬النظم‭ ‬البيئية‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬للبيئة،‭ ‬وبما‭ ‬يتواكب‭ ‬مع‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬‮«‬دمت‭ ‬خضراء‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أضافت‭ ‬بعدًا‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬بواسطة‭ ‬إطلاق‭ ‬حملة‭ ‬التطوع‭ ‬في‭ ‬غرس‭ ‬الأشجار‭ ‬وفتح‭ ‬المجال‭ ‬لمن‭ ‬يرغب‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬المجتمع‭ ‬فيمَا‭ ‬يخص‭ ‬ترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬التطوع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مرافقه‭ ‬ونشاطاته‭ ‬إيمانا‭ ‬منها‭ ‬بالدور‭ ‬المحوري‭ ‬الذي‭ ‬وضح‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الرؤية‭ ‬الوطنية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي،‭ ‬ووفقًا‭ ‬لما‭ ‬يجسده‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬أخلاقية‭ ‬وما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة،‭ ‬وما‭ ‬يتركه‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬مجتمعي‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬مسيرة‭ ‬النمو‭ ‬والازدهار‭ ‬ويدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالأنماط‭ ‬المعيشية‭ ‬وتحقيق‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭.‬

وقد نشط العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬البيئي‭ ‬نتيجة‭ ‬القلق‭ ‬الذي‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬التدهور‭ ‬البيئي،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬فإن‭ ‬المجتمع‭ ‬يكون‭ ‬راضيا‭ ‬حال‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬البيئة‭ ‬الصحية‭ ‬السليمة،‭ ‬ووفقًا‭ ‬لمنظور‭ ‬برنامَج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للمتطوعين،‭ ‬فهو‭ ‬عمل‭ ‬غير‭ ‬ربحي،‮ ‬لا‭ ‬يقدم نظير‭ ‬أجر‭ ‬معلوم،‭ ‬وهو‭ ‬عمل‭ ‬غير‭ ‬وظيفي‭ ‬مهني،‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مساعدة‭ ‬وتنمية‭ ‬مستوى‭ ‬معيشة‭ ‬الآخرين،‭ ‬من‭ ‬جيرانهم‭ ‬أو‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬بصفة‭ ‬مطلقة‭.‬

إن‭ ‬البيئة‭ ‬هي‭ ‬تراث‭ ‬مشترك‭ ‬للإنسانية‭ ‬وتستحق‭ ‬كلّ‭ ‬الاهتمام‭ ‬والتطوير،‭ ‬لذا‭ ‬فإنه‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬عاتقنا‭ ‬واجب‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬وفق‭ ‬الضوابط‭ ‬المطلوبة،‭ ‬والعمل‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تفاقم‭ ‬خاصة‭ ‬الأزمات‭ ‬البيئية‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬قدّر‭ ‬الإمكان،‭ ‬والناتجة‭ ‬عن‭ ‬التقدّم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬والصناعي‭ ‬للثورات‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬جرّاءِ‭ ‬الاستخدامات‭ ‬الواسعة‭ ‬للطاقة،‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬الى‭ ‬حدوث‭ ‬مشكلات‭ ‬جمة‭ ‬أثرت‭ ‬تأثيرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬التوازن‭ ‬البيئي‭ ‬في‭ ‬أغلبية‭ ‬مكوناته،‭ ‬ما نتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬كوارث‮ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬الطبيعية‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬للنظر‭.‬

‭ ‬ونرى‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬المتتبع‭ ‬لتاريخ‭ ‬الإنسانية‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬ركز‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الشؤون‭ ‬البيئية‭ ‬وجانبها‭ ‬السلبي،‭ ‬لأنه‭ ‬يرى‭ ‬ازدياد‭ ‬المشكلات‭ ‬البيئية‭ ‬المهددة‭ ‬لصحة‭ ‬بيئته،‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬السيطرة‭ ‬شبه‭ ‬التامة‭ ‬للظروف‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬تطوّر‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬بدأت‭ ‬علاقته‭ ‬بالبيئة‭ ‬تتطوّر‭ ‬في‭ ‬جانبها‭ ‬الإيجابي،‭ ‬وتتحسّن‭ ‬بفضل‭ ‬القدرات‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬تطويع‭ ‬البيئة،‭ ‬مّا‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬صراع‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الإنسان‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭ ‬تلبية‭ ‬لحاجاته‭ ‬المتجدّدة؛‭ ‬لذا‭ ‬نحنُ‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬تشجيع‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭.‬

‭ ‬ويمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬باتباع‭ ‬عدة‭ ‬طرق‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬العمل‭ ‬على‭ ‬التعريف‭ ‬بالفوائد‭ ‬وأبزارها‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الشخصي‭ ‬والمجتمعي‭ ‬لفئة‭ ‬الشباب‭. ‬مثل‭ ‬تطوير‭ ‬المهارات،‭ ‬وتحسين‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية،‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ضرورة‭ ‬إشراك‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬وتحديد‭ ‬احتياجات‭ ‬المجتمع‭ ‬والبرامج‭ ‬التطوعية‭ ‬التي‭ ‬يرغبون‭ ‬بالمشاركة‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬أكثر‭ ‬التزامًا‭ ‬وتحفيزًا،‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬متنوعة‭ ‬تناسب‭ ‬مختلف‭ ‬الاهتمامات‭ ‬والمهارات‭ ‬واوقات‭ ‬الفراغ‭ ‬للشباب،‭ ‬وتحسين‭ ‬التوازن‭ ‬النفسي‭ ‬لديهم‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬تتوقف‭ ‬الثقافة‭ ‬البيئية‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحدّ؛‭ ‬بل‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتمتع‭ ‬الأفراد‭ ‬بجمال‭ ‬الطبيعة‭ ‬وسحرها،‭ ‬ممّا‭ ‬يؤثّر‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬النفسي‭ ‬لديهم‭ ‬فتكون‭ ‬علاقتهم‭ ‬بالطبيعة‭ ‬قوية‭ ‬جدًا،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الثقافة‭ ‬البيئية‭ ‬ونشرها‭ ‬وتمكين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مستدامة‭.‬

‭ ‬وبالتأكيد،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سوف‭ ‬يسارع‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬روح‭ ‬التعاون‭ ‬والمسؤولية‭ ‬المجتمعية‭ ‬وتغيير‭ ‬السلوكيات‭ ‬ونمط‭ ‬الحياة‭ ‬لمصلحة‭ ‬البيئة،‭ ‬وذلك‭ ‬بإعداد‭ ‬أجيال‭ ‬واعية‭ ‬بالمشكلات‭ ‬البيئية‭ ‬وامتلاك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬حلها‭ ‬بطرق‭ ‬واقعية‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬جاءت‭ ‬أهميّة‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬الاستجابة‭ ‬لكلّ‭ ‬الحاجات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وتأتي‭ ‬البيئة‭ ‬في‭ ‬مقدّمتها،‭ ‬حيثُ‭ ‬وجدت‭ ‬تحديات‭ ‬بيئية‭ ‬عدّة‭ ‬تهدد‭ ‬الكوكب،‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬احداث‭ ‬الضرر‭ ‬البيئي‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬منها‭ ‬القضية‭ ‬المصيرية‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬أغلبية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬وفقًا‭ ‬للتوصيات‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات‭ ‬العالمية‭ ‬المنعقدة‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬وللمتطوعين‭ ‬دور‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬في‮ ‬المشروعات المجتمعية‭ ‬المستدامة‭ ‬مثل‭ ‬إعادة‭ ‬التدوير‭ ‬والتشجير‭ ‬والنظافة‭ ‬البيئية‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار‭: ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬تخطيط‭ ‬وتنفيذ المشروعات،‭ ‬والمساهمة‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬الأولويات‭ ‬والأهداف،‭ ‬وكذلك‭ ‬تصميم‭ ‬وجدولة‭ ‬الأنشطة‭ ‬التطوعية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التنفيذ‭ ‬الفعلي‭ ‬للمهام‭ ‬الميدانية‭ ‬كزراعة‭ ‬الأشجار‭ ‬وتنظيف‭ ‬المناطق‭. ‬

وكل‭ ‬ذلك‭ ‬سوف‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الوعي‭ ‬والمشاركة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وبهذه‭ ‬الأدوار‭ ‬الحيوية،‭ ‬يمكن‭ ‬للمتطوعين‭ ‬المساهمة‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬في‭ ‬إنجاح المشروعات المجتمعية‭ ‬البيئية‭ ‬واستدامتها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

كذلك‭ ‬فإن‭ ‬تلوث‭ ‬الماء‭ ‬والهواء،‭ ‬وفقدان‭ ‬التنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬أصبح‭ ‬معضلة‭ ‬بيئية‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬تطبيق‭ ‬كافة‭ ‬الحلول‭ ‬والمقترحات‭ ‬حتى‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬البيئة‭ ‬وصحتها‭ ‬ونورثها‭ ‬للجيل‭ ‬القادم‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬التغييرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬بيئتنا،‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬التطوع‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البيئي‭ ‬باعتباره‭ ‬وسيلة‭ ‬فعالة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬البيئي‭ ‬وتوليد‭ ‬تأثير‭ ‬إيجابي‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬والبيئة‭ ‬المحلية‭.‬

وكذلك‭ ‬هو‭ ‬فرصة‭ ‬للأفراد‭ ‬المهتمين‭ ‬بالبيئة‭ ‬للانخراط‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬مبادرات‭ ‬ومشاريع‭ ‬تحسين‭ ‬البيئة‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭. ‬وبرزت‭ ‬أهميته‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البيئي‭ ‬للمجتمع‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مستويات‭: ‬أبرزها‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيثً‭ ‬يسهم‭ ‬العمل‭ ‬التطوعي‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبناء‭ ‬الشعور‭ ‬بالمواطنة‭ ‬والانتماء‭ ‬والمسؤولية‭ ‬المشتركة‭ ‬تجاه‭ ‬المجتمع‭. ‬والمساهمة‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬كافة‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬أما‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فإنه‭ ‬يوفر‭ ‬خِدْمَات‭ ‬وموارد‭ ‬قيمة‭ ‬للمجتمع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كلفة،‭ ‬مما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬المقدرات‭ ‬المالية‭ ‬للوطن‭ ‬وتوظيفها‭ ‬لاحتياجات‭ ‬ذات‭ ‬أولوية‭ ‬قصوى‭. ‬

كما‭ ‬يسهم‮ ‬في‭ ‬اكساب الفرد‭ ‬مهارات‭ ‬جديدة‭ ‬وتطور‭ ‬شخصي‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له،‭ ‬كما‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬منح‭ ‬الأفراد‭ ‬شعورًا‭ ‬بالرضا‭ ‬وتحسنا‭ ‬نفسيا‭ ‬ومعنويا،‭ ‬معززًا‭ ‬بذلك‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬للمستوى‭ ‬المجتمعي،‭ ‬فإن‭ ‬المبادرات‭ ‬التطوعية‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬المجتمعية‭ ‬والحاجات‭ ‬الملحة،‭ ‬وتحسين‭ ‬نوعية‭ ‬الحياة‭ ‬للأفراد‭ ‬والمجتمعات‭ ‬المحلي‭.‬

وختامًا،‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬برامج‭ ‬التطوع‭ ‬البيئي‭ ‬الناجحة‭ ‬قد‭ ‬أثرت‭ ‬إيجابًا‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحلية بواسطة المشاركة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬رفع‭ ‬الوعي‭ ‬البيئي،‭ ‬وتحسين‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية‭. ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬كانت‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬لجهود‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬المملكة،‭ ‬ومن‭ ‬الفوائد‭ ‬الشخصية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬التي‭ ‬يجنيها‭ ‬المتطوعون‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البيئي‭: ‬أهمها‭: ‬تطوير‭ ‬المهارات‭ ‬والخبرات‭: ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬التطوع‭ ‬البيئي‭ ‬تتيح‭ ‬للمتطوعين‭ ‬فرصة‭ ‬تطوير‭ ‬مهارات‭ ‬عملية‭ ‬مثل‭ ‬القيادة،‭ ‬التخطيط،‭ ‬والعمل‭ ‬الجماعي‭ ‬تعزيز الرَفَاهيَة النفسية‭: ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬يشعر‭ ‬المتطوعين‭ ‬بالرضا‭ ‬والتحقيق‭ ‬الذاتي،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬صحتهم‭ ‬النفسية،‭ ‬وعمومًا،‭ ‬فإن‭ ‬المتطوعين‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البيئي‭ ‬يجنون‭ ‬فوائد‭ ‬شخصية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مهمة‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتهم‭ ‬وتنمية‭ ‬مجتمعاته‭.‬

‭ ‬ويعد‭ ‬التطوع‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الوسائل‭ ‬لتحسين‭ ‬بيئة‭ ‬مملكتنا‭ ‬الحبيبة‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬مواردها‭ ‬الطبيعية‭. ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬جهودا‭ ‬مشتركة‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬والأفراد‭ ‬لكي‭ ‬نستطيع‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬إيجابي‭ ‬وتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭. ‬لذا‭ ‬فإنه‭ ‬بالعمل‭ ‬التطوعي،‭ ‬يمكننا‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬نؤدّي‭ ‬دورًا‭ ‬فعالًا‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬البيئة‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭. ‬

 

{ مختصة‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬الدراسات

البيئية‭ ‬وآليات‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا