تفصلنا عن موعد الانتخابات الأمريكية التي من المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر المقبل خمسة أشهر تقريباً، ويتنافس فيها كل من الرئيس الحالي جو بايدن ممثلا عن الحزب الديمقراطي ومنافسه وخصمه اللدود الرئيس السابق دونالد ترامب ممثلا عن الحزب الجمهوري وهو الذي خرج من البيت الأبيض قبل أربع سنوات، وظل يحلم بالعودة إلى الكرسي البيضاوي بالرغم من كل المشكلات والقضايا والشكاوى المرفوعة ضده أمام المحاكم الأمريكية.
المتابع للمشهد الانتخابي الأمريكي يظل حائراً في توقعاته حول من سيفوز في هذه الانتخابات، خاصة أن استطلاعات الرأي تشير إلى تقارب كبير بين المرشحين بايدن وترامب وكلاهما يعكسان تدني المستوى السياسي وانحداره إلى درجة أغضبت الشارع الأمريكي، وخاصة الإعلاميين. وقد تجسد ذلك بوضوح بعد المناظرة الرئاسية الأولى التي جرت بينهما، حيث لم ينجح كل منهما في إقناع الناخب الأمريكي حول رؤيتهما بخصوص عدد من الملفات الداخلية والخارجية التي تهم الأمريكيين.
صحيح أن ترامب تفوق على بايدن منذ الدقائق الأولى في المناظرة، بحسب رأي أغلب المحللين والمراقبين، لكن ذلك لا يعني إطلاقاً أن سر تفوقه على بايدن يعود إلى كفاءته السياسية، ولكن ذلك كان بفضل ضعف أداء بايدن بسبب تراجع لياقته العقلية والجسدية.
عموما، إذا فاز ترامب أو غريمه بايدن أو بديله إذا ما سحب الأخير ترشحه بسبب الضغوط التي تمارس عليه من قبل بعض الديمقراطيين وبعض الأقلام في الصحافة الأمريكية الذين عبروا عن استيائهم من أدائه، وضاقوا ذرعاً بتعثره إلى درجة أن أحد كتاب صحيفة نيويورك تايمز وجه إليه نصيحة بالانسحاب من سباق الرئاسة. وربما يكون لهذه النصيحة تأثير على بوصلة اتجاه مجريات الانتخابات الأمريكية ولكن مع ذلك تظل مسألة بقاء بايدن في المنافسة على كرسي البيت الأبيض أو الخروج منها مسألة داخلية تهم الأمريكيين وحدهم.
نحن لن يفرق معنا كثيراً من سيسكن البيت الأبيض في السنوات الأربع القادمة؛ فالذي يعنينا هو السياسة الخارجية التي يتبعها الفائز منهما بكرسي الرئاسة، وبناء على ذلك نقول إن التجربة مع الاثنين علمتنا أنهما يمثلان وجهين لعملة واحدة، حيث لا يوجد فرق بينهما في تعاطيهما مع ملف القضية الفلسطينية. فإذا ما استعرضنا مواقف الرئيس الأسبق دونالد ترامب عندما كان متربعا على عرش البيت الأبيض قبل أربع سنوات سنلاحظ أنه من أكبر المناصرين للدولة العبرية؛ فهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي اعترف بالقدس عاصمة أبدية لها، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، ولم يكتف بذلك بل ذهب في تأييده ومناصرته «لإسرائيل» إلى الاعتراف بضم الجولان السوري المحتل واعتبره جزءاً من الكيان الإسرائيلي. وطالب دول العالم أن تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية، وتبادر بنقل سفاراتها إلى القدس متجاهلاً كل قرارات الشرعية الدولية التي تقر بأن القدس أرض محتلة.
وبالنظر إلى جو بايدن فهو لا يقل حماسة عن سلفه ترامب في تأييده ومناصرته للدولة الصهيونية والتاريخ شاهد على صهيونيته قبل دخوله البيت الأبيض، وهو دائماً وأبداً وفي كل مناسبة لا يكف عن التعبير بالقول والعمل بأنه صديق إسرائيل، كما أشار بذلك أحد السفراء الأمريكيين السابقين حين قال: «لا أحد يعشق إسرائيل كالرئيس بايدن.. فالدفاع عنها مسألة شخصية» وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما صرح به في عام 1986حين قال وكان وقتها عضواً في الحزب الديمقراطي: لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها في الشرق الأوسط ، وفي أعقاب عملية طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي وأثناء زيارته «التضامنية» لتل أبيب أكد ما ذكره في عام 1986 وقال: «إن إسرائيل يجب أن تعود مكاناً آمناً لليهود وأنه لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها» وأضاف أن دعم بلاده لإسرائيل «صلب كالصخر وراسخ» وهو مستمر في هذا الاتجاه حتى الآن ولم يغير موقفه بالرغم من التغير الكبير الذي طرأ على اتجاهات الرأي العام الأمريكي نحو القضية الفلسطينية بعد حرب الإبادة على غزة، حيث إن فئات غير قليلة في المجتمع الأمريكي في مقدمتهم أساتذة وطلاب الجامعات الأمريكية بدأت تتبنى مواقف مناهضة لإسرائيل تمثلت في انتقادها علناً والاصطفاف إلى جانب الشعب الفلسطيني في المطالبة بحقه المشروع في إقامة دولته المستقلة.
إذن، نحن في البلاد العربية أمام خيارين كلاهما أمرّ من الآخر فكلا المتنافسين على الرئاسة الأمريكية يقفان في خندق واحد من أجل مناصرة إسرائيل، ودعمها وجعلها الأقوى في المنطقة. وهو الأمر الذي لا يدعونا إلى التفاؤل بشأن فوز أي منهما بل على العكس من ذلك، فإنه يزيدنا قلقا أكثر ويشغل تفكيرنا في مستقبل القضية الفلسطينية على الرغم من المكتسبات الجديدة التي سجلت لصالحها والناجمة عن الحرب على غزة التي فرضت واقعاً جديداً على الأرض كان من أهمها التأييد غير المسبوق لها من قبل المنظمات والهيئات الدولية والكثير من دول العالم.
المستغرب أنه بعد هذه المناظرة ليس في فحواها فحسب بل في تناول بعض الكتاب والمحللين السياسيين العرب لهذه المسألة؛ جاء حديثهم عنها بعيدا كل البعد عن مواقف المتسابقين على الرئاسة الأمريكية بايدن وترامب من القضايا العربية، إذ لم نجد في سرديات هؤلاء أي إشارة إلى مواقف هذين المرشحين تجاه القضية الفلسطينية، فجل حديثهم يمس مسائل لا تهم المتابع العربي، فمثلا يتحدثون عن حالات مشابهة لحالة جو بايدن إذا ما قرر الحزب الديمقراطي سحب ترشيحه من سباق الرئاسة في تاريخ الانتخابات الأمريكية. أو مسألة الهجرة وغيرها.
باختصار، إن ما يهمنا نحن العرب بالدرجة الأولى هي مواقف هذين المرشحين أو غيرهما من قضايانا وعلى رأسهما القضية الفلسطينية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك